حديث النبيﷺ عن التبرك بعرقه الشريف
خصائص النبي ﷺ وآل بيته

هل التبرك بآثار الانبياء والصالحين شرك بالله

روي عن حضرة النبيﷺ أنه كان يَقيلُ( ينام وقت القيلولة ظهرا ) عندَ أُمِّ سُلَيمٍ وكان كثيرَ العَرَقِ، فأعتَدَتْ له نِطعًا يَقيلُ عليه، فكانت تأخُذُ عَرَقَه، فتَجعَلُه في قارورةٍ، فقال: ما هذا يا أُمَّ سُلَيمٍ؟ فقالت: عَرَقُكَ يا رسولَ اللهِ، أجعَلُه في طِيبي رواه الإمام مسلم وغيره بألفاظ متقاربة .

وقال أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي ﷺ دخل عليهم في بيتهم فنام عندهم وقت القيلولة، في نصف النهار، فجاءت أم أنس بوعاء من زجاج، فأخذت من عرق النبي يﷺ ووضعته فيه فاستيقظ النبي يﷺ فسألها عن الذي تصنعه بعرقه، فأخبرته أنها تأخذ عرقه فتخلطه في الطيب الذي يتطيبون منه، وهو من أفضل الطيب

       * البيان *

( مادام العبد يعلم أن النفع والضرر والعطاء والمنع بيد الله تعالى وإن الأسباب لا تعطي ولا تمنع الا باذن الله تعالى فهذا هو عين التوحيد . فمن أراد الخير من أهله أو آثار أهله من علم أو بركة أو غيره فلا نحكم بكفره أو بالشرك مادام بعلم العقيدة الأساسية السابقة بأن كل شئ بيد الله عزّ وجل)

واعلم يقينا أن البركة في العبد وفي اثاره لم تكن هباء منثورا أو بفضله بل بسبب التزامه بمنهج الله علي شريعة رسول الله ﷺ فقد يمنحه الله تعالى منحة البركة باستجابة الدعاء والبركة بالزيادة في المال أو الأشياء لكل ما تمسه يده لأن العقل يجيز ذلك

وانظر الي المصباح في الحجرة إذا ذادت قوة الكهرباء اذدادت شدة النور ووصل النور خارج الحجرة هكذا العبد كلما اذدادت الانوار والمدد الإلهي ( الكهرباء في السلك) في جسده بقوة الذكر والتلاوة وترك المعصية كان لهذا المدد والنور اثر في جسده وفي كل شئ يمسه جسده أما سمعت قول النبيﷺ أولياء الله الذين إذا رؤو ذكر الله)

لأن الأنوار الإلهية وتجلباتها تنور وجهه وتشع نورا لكل من يراهم فيؤثر في قلوب الناس فينطقون بذكر الله أو يقولون بمجرد رؤيتهم اللهم صل على النبي بل تشعر بالسكينة والراحة عند رؤيتهم فكيف بأي شي مادي محسوس تمسه أيديهم فافهم أن كنت ذو لب وبصيرة )

* دلائل التبرك * 

قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) (البقرة:248)،

(قال أهل العلم الطبري وابن كثير والالوسي وغيرهم آثار سيدنا موسى وهارون -عليهما السلام- كانت في هذا التابوت، فهذا يشرع التبرك به،) وأجمع العلماء بعد النصوص الثابتة عن الصحابة -رضي الله عنهم- في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم كانوا يتبركون بآثاره -صلى الله عليه وسلم فكان إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه -الماء الذي تناثر منه

روي البخاري في صحيحه وغيره :- قُلتُ لِعَبِيدَةَ: عِنْدَنَا مِن شَعَرِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصَبْنَاهُ مِن قِبَلِ أنَسٍ. أوْ مِن قِبَلِ أهْلِ أنَسٍ فَقالَ: لَأَنْ تَكُونَ عِندِي شَعَرَةٌ منه أحَبُّ إلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وما فِيهَا. صحيح البخاري عن محمد بن سيرين 

وقال أبوعمر في تمهيده( شارح موطأ مالك ) :- أن عبد الله بن عمر كان بتحري الاماكن التي صلي فيها رسول اللهﷺ . واستحبها الإمام مالك للتبرك بموضع صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقال الصحابي عتبان: يا رسول الله صل فى بيتي مكاناً اتخذه مصلى". قال ابن رشد: فإذا كان موضع يصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة واحدة خير من سائر البيوت فمن باب أولى موضع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب فيه"

وقال ابوعمر في التمهيد :- في حديث عتبان التبرك بالمواضع التى وطئها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام عليها". وفيه دليل على ما كان عليه القوم من صحة صريح الإيمان" .

وروي الإمام البخاري وغيره عن ابن (أبي) عبيد قال: كنت آتي مع سلمة بن الأكوع ، فيصلى عند الأسطوانة التى عند المصحف فقلت: يا أبا مسلم أراك تتحرى الصلاة عند هذه الاسطوانة قال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها .

قال القاضي عياض: من إعظام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإكباره إعظام جميع أسبابه وإكرام مشاهده وأماكنه وملامسه صلى الله عليه وسلم أو عرف به "

وقال الحافظ الذهبي:- [[ قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل : رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي النبيﷺ فيضعها على فمه يقبلها وأحسب أني رأيته يضعها على عينه ويغمسها في الماء ويشربه يستشفى به ورايته يشرب من ماء زمزم يستشفى به ويمسح به يديه ووجهه

وقد ثبت أن أبا عبد الله سأل أباه الإمام أحمد عمن يلمس رمانة منبر النبيﷺ ويمس الحجرة النبوية فقال لا أري بذلك بأساً أعاذنا الله وإياكم من رأى الخوارج ، ومن أهل البدع .]]

{ سير أعلام النبلاء للذهبي ترجمة الإمام أحمد. }

قال العارف بالله الآلوسي:- [[ ومتابعتك للنبى ﷺ تستحكم مناسبتك به وتتأكد علاقة المحبة بينك وبينه بكل ما يتعلق بالرسول ﷺ من الصلاة عليه او زيارة قبره او جواب المؤذن والدعاء له عقيبه كنت مستحقا لشفاعته

وقالوا لو وضع شعر رسول ﷺ أو عصاه او سوطه على قبر عاص لنجا ذلك العاصى ببركات تلك الذخيرة من العذاب وان كانت فى دار انسان او بلدة لا يصيب سكانها بلاء ببركاتها وان لم يشعروا بها ومن هذا القبيل ماء زمزم والكفن المبلول به وبطانة استار الكعبة والتكفن بها.

قال الامام الغزالى رحمه الله واذا اردت مثالا من خارج فاعلم ان كل من اطاع سلطانا وعظمه فذا دخل بلدته ورأى فيها سهما من جعبته او سوطا له فانه يعظم تلك البلدة واهلها فالملائكة يعظمون النبى ﷺ فاذا رأوا ذخائره فى دار او بلدة او قبر عظموا صاحبه وخففوا عنه العذاب ولذلك السبب ينفع الموتى ان توضع المصاحف على قبورهم ويتلى عليهم القرآن ]] { تفسير روح البيان لاسماعيل حقي المعروف بالالوسي سورة الأعراف أية ١٥٨ }

وقيل للإمام لمالك: لم تنزل الي وادي العقيق؟ فإنه يشق بعده من المسجد ( اي تكون عليك مشقة كبيرة للذهاب إليه لأنه بعيد عن المسجد ) فقال الإمام مالك بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبه ويأتيه. وفي صحيح البخاري ان النبيﷺ قال : أتاني الليلة آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك ( وادي العقيق)

وكان الإمام مالك لا يركب بالمدينة دابة ويقول: "أستحيي من الله أن أطأ تربة فيها رسول الله اﷺ بحافر دابة وفي رواية لعل قدمي تطأ موضعا مس قدم النبي ﷺ

وكان في قلنسوة خالد بن الوليد شعرات من شعر رسول الله ﷺ فسقطت قلنسوته في بعض حروبه فشد عليها شدة ( اي حاول أن يلتقطها من الأرض وكاد أن يموت بسبب شدة المعركة وحوافر الخيول ) فأنكر عليه أصحاب النبي ﷺ كثرة من قتل فيها

قال خالد لم أفعل لسبب القلنسوة بل لان فيها من شعر رسول الله ﷺ لئلا أحرم بركتها وتقع بيد المشركين. ( وفي رواية ما دخلت بهذه الشعرات معركة الا ونصرني الله ببركة رسول اللهﷺ)

وروي الإمام البخاري وغيره :-
لما حلق رسول الله ﷺ كان أبو طلحة أول من أخذ شعره.( حيث قسم النبي ﷺ شعره بين الناس وبين أبي طلحة )

وقد كان ثابت البناني إذا رأي أنس بن مالك أخذ يده فقبلها ويقول يد مست يد رسول الله ﷺ الله

فنقول نحن إذ فاتنا ذلك حجر معظم بمنزله يمين الله في الأرض مسته شفتا نبينا ﷺ لاثماً له. فإذا فاتك الحج فألتزم الحجر الأسعد وقبله بفمك وقل فم مس بالتقبيل حجراً قبله حضرة النبيﷺ

وروي الإمام البخاري والترمذي وغيرهما :- اتخذ النبي ﷺ خاتماً من فضة كان في يده ثم كان يعد في يد عثمان فسقط له ببئر أريس قال الراوي: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان ننزح البئر فلم نجده.

قال الإمام ابن بطال شارح البخاري: في هذا الدليل على استعمال آثار الصالحين ولباس ملابسهم على جهة التبرك وقال : ومن هذا ( اي التبرك ) الدخول في الغار الذى اختفى فيه رسول اللهﷺ مع صعوبة الارتقاء إليه والدخول فيه ويحمل ذلك الفعل من الناس علي فرط المحبة في النبي ﷺ

وروي الإمام البخاري أيضاً :- حديث المرأة التى جاءت بالبردة للنبي ﷺ وسلم فقبلها منها ثم طلبها رجل من النبي ليتخذها كفناً. قال ابن بطال: "ينبغي التبرك بثياب الصالحين ، ويتوسل بها إلى الله في الحياة والممات".

  • قصة في العصر الحديث * علي لسان الشيخ الباقوري رحمه الله تعالى

قال الشيخ الباقوري:؛ أنه ه كان وزيرا للأوقاف وكان الشيخ شلتوت شيخا للأزهر حينئذ وفي صباح أحد تلك الأيام تلقى تليفون من الشيخ شلتوت ، وسأله إن كان سيذهب إلى مكتبه ، ثم أخبره أنه سوف يمر عليه في مكتبه بعد قليل .

ولما حدث اللقاء قال شيخ الأزهر له كيف تسمح وأنت وزير للأوقاف بأن يطوف الناس بمقام الحسين كما يطوفون بالكعبة ؟ فقال له الشيخ مرنى بها شئت .

فقال الشيخ شلتوت تجعل هناك حاجزا يمنع الناس من هذا الطواف وفعلا تم إقامة هذا الحاجز

ومرت الأيام إلى أن جاء " سيدنا الحسين " للشيخ الباقوري في الرؤيا وظل يؤنبه ( بعاتبه) على ما فعل فاستيقظ الشيخ وهو في حيرة من أمره

وسرعان ما رن جرس التليفون ليسمع صوت الشيخ شلتوت شيخ الأزهر على الجانب الآخر يقول له أنت ذاهب إلى مكتبك اليوم ؟ . إنا هاقبلك ولما التقيا

قال له هل تذكر ما كنت ذكرت لك بخصوص طواف الناس بمقام الحسين رضي الله عنه ؟ ! فقال الشيخ نعم قال الشيخ شلتوت أنا لا شأن لي بهذا الأمر وتصرف أنت فيه على مسئوليتك

فضحك الشيخ الباقوري ضحكته الرائقة ويغمز أحد أصدقائه قائلا لقد ذهب سيدنا الحسين - إليه أيضا .

قال العارف بالله زكي الدين ابراهيم:-

اتسخر منا بقولنا " مدد "

ولست الفقية ولا المجتهد

تسخر منا بلا حجـة

وقد قال ربك ( كلا نمد )

عطـاء رخـاء تجلى بـه

وكل عليـه بـه يـعـتـمد

تقيم الملام وفيم الخصام

وليس المعقـد كالمعتقـد

لنا علـمنـا ولكـم علـمـكـم

وكل إلى حجـة يسـد

فقـد نتأول إذ نرتجـى

وقد نتوسّـل إذ نستمـد

تجاربنـا حجـة بيتنـا

وما من أفـاد كمن لم يفـد

فإن كنت تفهمنا فاعتقـد

وإلا فدعنـا ولا تنتقـد

حاصل ما سبق:-

أن التبرك بآثار الانبياء والصالحين وذرية حضرة النبيﷺ من فرط الحب والخير وليس فيه ذرة شرك بل من شكك في ذلك ففيه ذرة الشك في مقام الصلاح لأهل الولاية والإصلاح وعمه في بصيرته .

فإذا وجدت من يتبرك بأي شئ يلامس جسد عبد صالح من كساء أو ثياب أو مسبحة أو يلامس مقام أحد الأولياء والصالحين وال بيته حضرة النبيﷺ أو حتي قبل المقام فهو اشعار بحبه لصاحب المقام وليس في ذلك شرك .

أما تذكر قول قيس عندما اتهمه الناس بالجنون لما وجدوه يقبل جدران بيت ليلي لما ماتت فقال لهم بلغة فصيحة :-

    أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى

   أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدارا

  وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي

   وَلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارا

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين