حديث النبيﷺ عن ترك الحزن والهموم
المعرفة الإلهية و العقيدة

روي عن حضرة النبيﷺ

يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا

{ صحيح البخاري ومسلم }

سبب الحديث :-

عن البراء بن عازب رضي الله عنه من حديث الهجرة عن أبي بكر رضي الله عنه قال فارتحلنا والقوم يطلبوننا

فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له فقلت هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله ( ﷺ ) فقال ( النبي ﷺ ) : لا تحزن إن الله معنا

 * البيان *

أسباب الحزن هو الرزق من المال والجاه والخوف من الغد والخوف من بطش الناس والحرص علي الدنيا

والأصل في وجود الحزن والهموم رؤية نفسك وما تطلبه نفسك أما إذا روضت نفسك علي أن تخرج من مرادك الي مراد الله وترضي بما يريد لا ما تريد فقد رأيت ربك وفعل ربك ووجود ربك

وعدم رضاك بفعل الله تعالى فيك من قدره فيسوق إليك الخلق بالاذي فتحزن لأنك نسيت أن النافع والضار هو الله تعالى وليس الخلق

واذا ساق إليك الرزق أن الخير فرحت مع أن الفاعل والعاطي في الحالتين هو الله وحده وليس الخلق

وهذه صفات العبد الذي لا يري ربه وفعل ربه وحكمة ربه لا تعمي الأبصار ولكن تعمي الأبصار التي في القلوب .

  • أقوال العارفين في ذلك:-

  • قال إبن عطاء الله السكندري:-

ما تجده القلوب من الهموم والأحزان فلأجل ما منعته من وجود العيان ( اي شهود فعل الله تعالى ووجوده )

فإن شهدت ربك بأنه لا فاعل في الوجود سواه ولا يجري في ملكه إلا ما أراد وان كل شئ له وقته وحكمته فكيف يدخل الحزن قلبك

  • وقال أبو بكر الشبلي من عرف ربه لا يحزن .

لأن الحق تعالى قريب على الدوام رقيب على الدوام فمن كان قريباً من الحبيب فكيف يحس بفراق شئ أو فواته

فكل ما ينزل من عند الحبيب فهو حبيب فلا يلحقك شيء مكروه من عنده حتى تهتم به ولا يفوته محبوب سوى محبوبه حتى يحزن عليه ففي محبوبك وهو ربك عز وجل اجتمعت المحاسن كلها من وصف وفعل وذات

  • { ومما أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام يا داود لا تمزج هم غيري بقلبك فتنقص منه حلاوة الروحانيين

يا داود أنا مصباح قلوب الروحانيين ومن كنت مصباح قلبه لم يغتم أبداً

يا داود إنما مرادي من خلقي أن يكونوا روحانيين }

وبالجملة من كان عبداً لله غائباً عما سواه لم يبق له شئ من الهم لأنه قد حصلت له المعية التي توجي النصر والظفر بكل ما يريد

ألا ترى قول النبي ﷺ لأبي بكر لا تحزن أن الله معنا حين أحدق به المشركون فلم يهمه شئ ولم تقرب من ساحته الأحزان

وكان سيدنا أبو بكر رضي الله عنه في ذلك الوقت موقناً غير مشاهد فدله النبي ﷺ على مقام الكمال لأن الشهود فوق اليقين

ومن جملة ما وقع من الاهتمام به لمن لم يكمل يقينه أمر الرزق وخوف الخلق فمن تمام النعمة عليك أن يرزقك ما يكفيك ويمنعك ما يطغيك

فإذا رزقك الحق تعالى ما يكفيك لقيام بشريتك أكلا ولباسا ومسكنا ولقيام روحاًنيتك علماً وعملاً ومعرفة

ومنعك ما يطغيك ويشغلك عن حضورك مع ربك فقد أتم نعمته عليك فاشكره على ما أسدى إليك وتوجه إليه وحده فيما تعذر عليك وادفع ما يشغل قلبك من النهوض إليه

  • ولقد روي في الأثر:-

أن عبد الواحد بن زيد رضي الله عنه قال سمعت أن جارية مجنونة في بلاد الأيلة تنطق بالحكمة فكنت أطلبها فوجدتها ووعليها جبة صوف

فلما رأتني قالت مرحباً بك يا عبد الواحد فعجبت من معرفتها لي ولم ترني ثم قالت ما جاء بك قلت تعظيني فقالت واعجبا لواعظ يطلب الموعظة

يا عبد الواحد اعلم أن العبد إذا كان في كفاية من رزق الله تعالى له ثم مال قلبه إلى شيء من الدنيا

سلبه الله حلاوة الزهد وظل حيران ثم يورثك الوحشة بعد الأنس والذل بعد العز والفقر بعد الغنى

فالنفوس مجبولة على حب العطاء وكراهية الفقد والحرمان فإذا أعطاك فرحت وإذا منعك حزنت

فإذا أردت أن يدوم سرورك فاشهد ربك في فعله من عطاء ومنع ورخاء وشدة وعز وذل بأنه لا فاعل غيره

وأن الخلق والمخلوقات اسباب صورية ومحركها هو الله سبحانه وتعالى فكيف تحزن أو تغتم وربك الرحيم الحكيم اللطيف هو المدبر والفاعل لا أحد سواه

فإذا رضيت بفعله وبما أنعم عليك من نعمة أو من شدة نزلت بك أو بلاء أو غيره فلن تري للحزن طريقا أو للهموم مسلكا لأنه فعل ربك وقدر ربك والخلق هباء لا نفع ولا ضرر منهم

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين

  • المراجع:-

  • تفسير الطبري والقرطبي

  • السيرة النبوية الشريفة

  • صحيح البخاري

  • غيث المواهب العلية شرح الحكم العطائية لابن عباد الرندي الحكمة رقم ٢٢٤

  • الكوكب الدرية لعبد الرؤوف المناوي والطبقات للشعراني ترجمة الشبلي

  • إيقاظ الهمم شرح متن الحكم لابن عجيبة الحسني

  • لطائف المنن لابن عطاء الله السكندري

  • سراج الظلم في شرح تلخيص الحكم للاحسائي .