حديث النبيﷺ فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يراك
المعرفة الإلهية و العقيدة

حديث النبيﷺ فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يراك

الإحْسَانُ أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يراك .... الحديث. رواه مسلم

          * البيان * 

الحديث بأكمله في صحيح مسلم يتكلم عن الإسلام والإيمان والإحسان .الخ والإشارة هنا عن درجة الإحسان.

قول النبيﷺ فإن لم تكن :-

الإشارة بقوله لم تكن أي لم ولا تكون شئ له وجود وحيثية بأن تلغي وجودك وصفتك وذاتك وفعلك ووصفك وكينونتك حينئذ تري ربك في كل شئ وبكل شئ ومع كل شئ

إذا لم تحكم المراقبة بنظر الله تعالى إليك في كل لحظة لن تصل إلي الكشف والمشاهدة

فلا يكون في قلبك زوجة أو ولد او مال أو شهوة أن مكانة أو عزة أو إرادة بل تكن بين يدي ربك كالطفل في حجر أمه وتكن كالميت بين يدي من يغسله فإذا كان هذا حالك رأيت ربك ولكن :-

لا تستطيع أن تشهد ذلك إلا بالذوق والفعل لا بالكلام والفلسفة فقتل النفس من شهواتها ومرادها وإثبات ذاتها اصعب من ترويض النمر الشرس والأسد الجسور . .

        * اقوال العارفين في ذلك*
  • كيف يَصِحُ لَكَ شيئ مِنَ التوحيد وَكُلَّمَا مَلَكْتَ شَيْئًا مِن الدنيا مَلَكَكَ وكلما رأيت شَيْئًا صرت أسيراً له

( أي ما دمت أسيرا لكل ما تهوي وتحب فكيف تكون عبدا لربك بل كيف تشهد مولاك وصورة كل شئ تحبه وتريده وتهواه تملأ قلبك انزع الهوي تري من تهوي )

  • قال العارف بالله علي وفا الشاذلي:-

إطرح الدنيا على أربابها وأقبل على مولاك بعدم الاشتغال بأسبابها وطهر قلبك من الأغيار ولا تدنسه بذكر جنة ولا نار ( ولا قصور وحور ...الخ )

فرق شاسع بين من يقصد الحور والقصور في الجنان وبين من يقصد مولاه لرفع الحجب ( والستور ) وينال مقام الإحسان وانقطعت آماله عما سواه

فافن أفعالك في أفعاله تصل إلى الله واخرج عن أوصافك في أوصافه تضمحل.

أنوار الربوبية لا تشرق إلا لمن ظهر ظاهره من المخالفات وعمر باطنه بالمشاهدات فاشهده في جميع المظاهر الأول منها والآخر ( لأنه الأول والآخر والظاهر والباطن)

وافن في مولاك حتى يكون هو عوضًا لك عنك لأنه سبحانه وتعالى تصرف فينا على ما سبق في علمه

فإذا نظرت لا تنظر إلا إليه وإذا نطقت لا تنطق إلا به وإذا أخذت لا تأخذ إلا منه وإذا قمت لا تقم إلا به

وإذا دخلت لا تدخل إلا له وإذا توكلت لا تتوكل إلا عليه لأنه لا وجود لشيء إلا به ( عندها تشهد مولاك بلا أين ولا كيف )

ولأن أعلى مراتب العارفين المعرفة بذات الله تعالى لأنه واجب الوجود لذاته المقدسة أزلاً وأبدًا فلا تميل إلى شيء سواء وأقبل بقلبك عليه

لأن إقبالك عليه حسنة لا تضر معها سيئة وإعراضك عنه سيئة لا ينفع معها حسنة لأنه ما من حركة ولا سكون إلا وهي بإرادته

فعليك بالتسليم في جميع أمورك لمولاك تذق كأس الهنا على قدر يقينك تظفر بتمكينك لأنه قال: «العبد عند ظنه بالله» أي إن خيرا فخير وإن شرًا فشر

فإذا أصلحت موضع نظر مولاك رحمك وهطلت عليك أمطار الحقيقة وظفرت بالمقامات العلية وكنت سيدا على سائر البرية

وذلك بالذل والانكسار واتهام النفس وغض البصر عن تقصير الغير وشهوده بعين الرضا ومقابلته بكل خير.

  • ويقول الله عز وجل في بعض كتبه المنزلة : -

يا عبدي لو سقتُ إليك ذخائر الكون فنظرت بقلبك إليها طرفة عين فأنت مشغول عنا لا بنا

  • قال علي الجمل:-

شغلك مع الله تعالى هو شغلك مع عباد الله وشغلك مع عباد الله هو شغلك مع الله عزّ وجل من غير زيادة ولا نقصان لأنه لا موجود في الحقيقة إلا الله وحده.

  • قال أبو الحسن الخرقاني:-

كل قلب انشغل بشئ سوي الله سبحانه وتعالى فهو ميت وإن كان مفعما بالطاعة . والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم. وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد. وعلى اله وصحبه اجمعين .

    * المراجع  * 
  • صحيح مسلم
  • الكواكب الدرية لعبد الرؤوف المناوي
  • تذكرة الأولياء للعطار ترجمة أبو الحسن الخرقاني
  • سلسلة أعيان المغرب علي الجمل
  • رسالة الفردانية لعلي وفا الشاذلي بتصرف يسير .