حديث النبيﷺ كل ميسر لما خلق له
المعرفة الإلهية و العقيدة

روي عن حضرة النبيﷺ

ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار قالوا يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل

( فقال النبي ﷺ ) اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له

أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة .ثم تلا قوله سبحانه :-

فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى  

{رواه البخاري عن سيدنا علي كرم الله وجهه ومسلم وغيره }

      * اقوال العارفين في ذلك. * 

قال ابن عجيبة الحسني :-

قول النبيﷺ اعملوا فكُلْ مُيسر لما خلق له جمع فيه بين الشريعة والحقيقة .

فقوله اعملوا فهذ العمل شريعة وأما الحقيقة فهي قوله كل ميسر لما خلق له فكأنه قال توجهوا للعمل في الظاهر ولستُم بعاملين في الحقيقة

فقول النبيﷺ «لن يدخل أحدكم الجنة بعمله ».
فهذه هي الحقيقة.

وقوله تعالى: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُم تعْمَلُونَ).

فهذه هي الشريعة كما قال ابن عطاء السكندري :-

{إِذَا أراد أن يُظْهِرَ فضله عليك خلق ونسب إِلَيْكَ }

فالشريعة تنسب العمل للعبد باعتبار ما جُعِل فيه من الظاهر الذي هو الكسب والحقيقة تنفيه عنه باعتبار ما في نفس الأمر فالحقيقة اعتقاد في الباطن والشريعة عمل في الظاهر.

وقد تمسك الكُفَّار بالحقيقة وحدها حيث قالوا { لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا }

وَقَالُوا { لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدَناهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٌ إِن هُمْ إِلَّا يخرصون }

فلم ينفعهم ذلك حيث أهملوا الشريعة ورفضوها وكذلك من قال دعاني وسد الباب فما تكون حيلتي فإنه احتج بالقدر

مع أن الاختيار الذي جعله الله تعالى في العبد في الظاهر حاصل له في العادة لأنه قادر على الخروج من الكفر بأن ينطق بالشهادة مثلاً

  • وقال سهل التستري:-

للألوهية أسرار لو انكشفت لبطلت النبوة وللنبوة أسرار لو انكشفت لبطل العلم وللعلم أسرار لو انكشفت لبطلت الأحكام

أي أن سِرُّ الألوهية هو قيامها بالأشياء وظهورها بها بل لا وجود للأشياء معه فلو انكشف هذا السر لجميع الناس لاستغنوا عن العبادة والعبودية ولبطلت أحكام النبوة

إذ النبوة إنما هي لبيان العبادة وآداب العبودية وعند ظهور هذا السر يقع الاستغناء عن تلقي الوحي

وأيضاً ليست القلوب كلها تقدر على حمل هذا السر فلو تجلّى للقلوب الضعيفة لوقع لها الدهش والحيرة

وسر النبوات هو وجود الحجاب بين الله وعباده حتى يفتقر الناس إلى تلقي العلم بواسطة النبوة

فلو انكشف هذا الحجاب لوقع الاستغناء عن النبوة لتلقِّيه حينئذ كشفاً بدونها من غير تكلُّف

وسر العلم هو إبهام العواقب فلو انكشف هذا السر وعرف كل واحد مآله للجنة أو النار لبطلت الأحكام

لأن مَن عرف أن مصيره للجنة قطعاً استغنى عن العبادة ومَن عرف أن مصيره للنار قطعاً انهمك في المعاصي ولم يبالي

فأخفى الله تعالى هذا السر ليعمل كل واحد على الرجاء والخوف. والله تعالى أعلم.

أخفي رضاه في طاعتك حتي لا تتكل علي ذلك

واخفي غضبه بمعصيتك حتي لا تيأس من رحمته

واخفي ما كتبه عليك في علمه حتي تعتمد علي فضله ورحمته لا علمك وعملك

.

  • وأما من احتج بما حدث بين سيدنا موسي وسيدنا آدم فإنه لا يصح حجة للعبد حيث ورد في الحديث:

حاجَّ موسى آدَمَ فقالَ له أنْتَ الذي أخرجت الناس مِنَ الجنة لذنبك وأَشْقيتهم قال آدَمُ

يا موسى أنت الذي اصْطَفاكَ اللَّهُ برسالته وبكلامه أتَلومُني على أمر كتبه اللَّهُ عَلَيَّ قبل أن يَخْلُقَنِي - أوْ قَدَّرَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَنِي -

قال رسول الله ﷺ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى

{ أخرجه البخاري عن سيدنا أبي هريرة والترمذي وأحمد في المسند }

قلنا هذا الاحتجاج كان بعد موتهما في دار البرزخ اي بعد الموت في علم غيب الله تعالى والبرزخ ليس بدار التكليف وإنما هي دار التعريف فيصح الاحتجاج فيها بالقَدَرِ

فإن قلت كيف يتوجه العتاب من الله تعالى إلى العبد وهو لم يفعل شيئاً في الحقيقة كما ذكرت قلنا توجه إليه بالعتاب باعتبار نسبة الفعل لنفسك على الاختيار الذي خلقه الله تعالى فيك في الظاهر. . والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم. وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.

        * المراجع * 
  • صحيح البخاري ومسلم والترمذي ومسند الإمام أحمد
  • تفسير البحر المديد لإبن عجيبه الحسني سورة الحاقة
    أية ١٣-١٨
  • الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري الحكمة ١٢٢
  • الطبقات للشعراني وتذكرة الأولياء للعطار وانظر حلية الأولياء للاصفهاني ترجمة سهل التستري
  • كشف النقاب عن سر لب الألباب لإبن عجيبه