حديث النبيﷺ لا يدخل أحدكم الجنة بعمله ج ٣
المعرفة الإلهية و العقيدة

حديث النبيﷺ لا يدخل أحدكم الجنة بعمله ج ٣ *

الإشارة الخامسة في الحديث:-

قال الزيني دحلان :-

[[  العبد محل ظهور العمل والفاعل هو الله تعالى :-

فالعمل الذي وجد منك هو بخلق الله وإيجاده وإنما أنت محل لظهور العمل وإذا كان الفاعل هو الله تعالى فكيف تطلب أنت الجزاء عليه وليس لك إلا مجرد الكسب والخالق هو الله تعالى

قال ﷻ  :-  ﷽  {  اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ } 

وقال  ﷻ :  ﷽.  ( وَالله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ )

وإذا كان العمل مخلوقاً  لله تعالى فكيف تطلب الجزاء على عمل ليس منسوباً إليك إلا بطريق الكسب فاشكر الله على توفيقه لك فهو المتفضل عليك بإيجاده العمل فيك فله الحمد والآخرة

فإنه عز وجل إذا أراد أن يظهر فضله عليك خلق العمل فيك ونسبه إليك  بأن قال فيك عند ملائكته  إنك مطيع ومجتهد وعامل ونسبه إليك أيضاً على السنة العباد

بأن يطلق ألسنتهم بأنك مطيع ومتق ومجتهد وعامل  فإذا شهد العبد هذا الفضل العظيم. يستولي عليه الحياء والخجل من سيده الكريم ، فكيف ينسب لنفسه شيئاً من محامد الصفات ومحاسن الأعمال لم تكن منه حقيقة ؟!

قال سهل التستري :-

إذا عمل العبد حسنة وقال يا رب أنت بفضلك استعملت  وأنت أعنت وأنت سهلت شكر الله له ذلك وقال له يا عبدي  بل أنت أطعت  وأنت تقربت .

وإذا نظر إلى نفسه وقال  أنا عملت وأنا أطعت وأنا تقربت  أعرض الله عنه وقال يا عبدي  أنا وفقت وأنا أعنت  وأنا سهلت

وإذا عمل سيئة وقال  يا رب أنت قدرت وأنت قضيت  وأنت حكمت  غضب المولى جلت قدرته عليه وقال له يا عبدي  بل أنت أسأت  وأنت جهلت  وأنت عصيت

وإذا قال العبد  يا رب أنا ظلمت نفسي وأنا أسأت وأنا جهلت  أقبل المولى جلت قدرته عليه وقال  يا عبدي أنا قضيت وأنا قدرت  وقد غفرت وحلمت وسترت

وقال عبد القادر الجيلاني:-

ما وصلت إلى الله تعالى بقيام ليل  ولا صيام نهار  ولا دراسة علم ولكن وصلت إلى الله تعالى بالكرم والتواضع  وسلامة الصدر  ورؤية الفضل والمنة من الله سبحانه وتعالى  والتبري من حولي وقوتي

وقال أرسلان الدمشقي:-

إذا  عرفته سبحانه وتعالى بأنه يراك وأنه الفاعل ولم تنظر إلى عملك ولم تطلب له عوضا كانت أنفاسك به عز وجل وحركاتك له

لأنك متخلق بأخلاقه  تعالي وإذا جهلته تعالى بأن لم تكن كذلك كانت حركاتك لك لأنك شهدتها صادرة منك بخلاف العارف بربه  فإنه لا يشهد فاعلاً إلا الله تعالى.

قال سبحانه وتعالى: ﴿ اللَّهُ خَلِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾

وقال تعالى { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾

روي في الأثر:-

كان معروف الكرخي صائما ( صيام سنة وليس فريضة وَمَرَّ رجل يحمل قربة ماء يسقي الناس ويقول رحم اللَّهُ مَنْ يَشْربُ فَشَرِبَ معروف الكرخي منه

فَقِال الناس أَلَمْ تَكُنْ صَائِما  قَالَ نَعَمْ ولكني رجوت دعوته بالرحمة .( فهذا اعتماد علي فضل الله تعالى وليس علي العمل فافهم )

  • وروي في الأثر:-

أن منصور بن عمار مات ورآه أحدهم بعد موته مناما  فقيل له ما فَعَلَ الله بك فقال أَوْقَفَنِي بين بديه الكريمتين وقال بما جتني يا منصور قُلْتُ  بست وثلاثين حَجَّةً. قال ما قبلت منها حَجَّةً واحدة

فبما جئتني يا منصور  قلت بثلاثمائة وستين ختمة. قال ما قَبلْتُ منها واحدة

فبما جئتني يا منصور قلت بصيام ستين سنة قال: ما قبلت منها واحدة

فبماذا جئتنى يا منصور فقلتُ: جِئْتُكَ بِفَضْلِكَ  أو قال جِئْتُكَ بك  فقال الآن جئتني بشيءٍ. اذْهَبْ فَقَد غَفَرْتُ لَكَ

  • الحاصل مما سبق :-

أن كل شيء باعتبار الخلق والإيجاد ينسب إلى الله تعالى

فحق الحسنة : -

ألا ينظر فيها العبد إلى الكسب  بل إلى الخلق والإيجاد، وينسبها إلى الله تعالى، ويتبرأ من حوله وقوته

عملاً بقوله ﷻ : ﷽ ( مَّا أَصَابَكَ فمِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ )

وحق السيئة : -

أن ينظر فيها إلى کسبه  وينسبها إلى نفسه أدبا مع ربه ويعترف بظلمه وإساءته

عملاً بقوله ﷻ ﷽ (وما أصَابَكَ مِن سَيِّئَةِ فمِن نَّفْسِكَ )

ولا ينظر إلى أنها بخلق الله وإيجاده الذي دل عليه قوله تعالى : قُل كُلّ مِن عِندِ الله )

ومما تفضل الله تعالى به على عبده الذي خلق الطاعة فيه  قوله تعالى.  { تلك الجنة التي أورثتموها بما كنتُمْ تَعْمَلُونَ )

وذلك منظور فيه إلى كسب العبد ليتفضل المولي عز وجل عليه بنسبة العمل إليه

{ تقريب الأصول للزيني ص ٤١٠-٤١٢ }

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم. وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد . وعلى اله وصحبه اجمعين . مراجع الأجزاء الثلاثة للحديث :-؛

  • صحيح البخاري ومسلم الحاكم في المستدرك

  • تذكرة الأولياء ترجمة أبي الحسن الصائغ وأبو بكر الواسطي وأبو الحسن الخرقاني

  • الكشف والبيان لعبد الغني النابلسي

  • الطبقات الوسطى لعبد الوهاب الشعراني ترجمة ابن عياش وابراهيم الدسوقي وسهل التستري

  • إيقاظ الهمم في شرح الحكم لإبن عجيبة الحسني الحكمة الأولي والحكمة رقم ٥٨ ( بتصرف يسير)

  • المواقف والمخاطبات لابن عبد الجبار النفري

  • المواقف الروحية لعبد القادر الجزائري

  • المفاخر في معارف الأمير عبد القادر للشيخ الدكتور كمال الجزار

  • تقريب الأصول وتسهيل الوصول إلى معرفة الله والرسول للزيني دحلان

  • مرشد الزوار الي قبور الأبرار لابن الموفق ترجمة   منصور بن عمار طبعة دار السلام

  • فتح الرحمن بشرح رسالة الولي أرسلان لشيخ الاسلام   زكريا الأنصاري ( بتصرف يسير جدا )

  • الكواكب الدرية للمناوي ترجمة منصور بن عمار طبعة   الدار العربية للكتاب