ج٦ من حقائق التوحيد للوصول الي معرفة الله تعالى
المعرفة الإلهية و العقيدة

  • من حقائق التوحيد في الوصول لمعرفة الله تعالى *

  • أقوال العارفين في ذلك :-

  • قال الملا حسن الكردي:-

المراد بالوصول هو معرفة الله تعالى على وجه يقتضي القيام بحقوقه والوقوف عند حد أمره ونهيه

بأن يصل القلب إلى العلم بجلال الله تعالى وعظمته بحيث يباشر حقيقة القلب ويسري معناه إلى جميع الجوارح والبدن على حكم العلم بلا توقف ولا اختيار

والناس في هذا المقام متفقون في أصل الحقيقة السابقة ومتفاوتون في المراتب للوصول فمنهم من وصل إليه ذوقا ووجدانا

ومنهم من فني في أفعاله وأفعال غيره فخرج عن التدبير والاختيار فوجد الله بطريق الأفعال فلا يرى فعلاً إلا فعل الله تعالي

ومنهم من وجده تعالى بطريق الصفات فلا يرى إلا صفاته ومنهم من يجده بطريق الأسماء فلا يرى اسما إلا اسم ألله سبحانه وتعالى

ومنهم من يجده بطريق الذات فلا يرى إلا ذاته وهو أعلى مراتب الوصول وليس المراد بالوصول البلوغ والاتصال

لأنه تعالى جل أن يبلغه شيئا أو يبلغ إلى شيء أو يتصل بشيء أو يتصل به شيء لأن ما ذكر ( سابقا ) كلها نسب ومسافات وعلل وإضافات هي من سمات المحدثات ( المخلوقات ) والحق تعالى منزه عنها غاية التنزيه

  • وقال العارف بالله عبد الوهاب الشعراني :-

  • ( قاعدة أساسية ) :-

من شرط من يريد التعرف إلى الله عز وجل أن يكون كامل الهمة عند جميع المأمورات الشرعية حتى لا يفوته شيء منها في أول وقته الذي جعله الحق تعالى فيه

فمن طلب حصول المعرفة مع الكسل عن الطاعات فقد رام المحال والله تعالى أعلم . انتهي

فالعبد الكامل من يشهد الحق سبحانه وتعالى مع الخلق في آن واحد مع الفرقان الدائم بلا حلول ولا اتحاد كما عليه الاكابر من أهل الله عز وجل

فمن شهد الحق لم يري الخلق ومن شهد الخلق لم يري الحق وهذا حال السالكين وليس حال أهل الكمال فافهم

ويؤيد ذلك بهذا المثال ولا يضرب بالله الامثال أن الملك العظيم إذا تنكر ولبس ثياب آحاد رعيته ومشى في أسواقهم ورأوه فإنهم رأوه وما رأوه لجهلهم بأنه الملك

وكذلك حضرة الذات المقدس لا يصح رؤيتها إلا إن خلع الحق تعالى على عبده علماً من علمه به كما أشار إليه قوله تعالى: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ }

  • وقال محي الدين إبن العربي في الباب ٢٩٢ :-

من أعظم دليل على فساد الحلول ونفي الاتحاد والجسمية عن المولى عز وجل أن يعلم العبد مثلاً أن القمر ليس فيه من نور الشمس شيء لبعد المسافة بينهما

وأن الشمس لم تنتقل الي القمر بذاتها وإنما القمر محلاً لها فقط فكذلك العبد ليس فيه من خالقه شيء ولا حل فيه ولا اتحد به. انتهي

فالحق سبحانه وتعالى من حيث معرفة ذاته كالغائب عنا ومن حيث إيماننا به حاضر بلا شك فقيه تأييد لمرتبتي الميزان من حيث كون الحق تعالى معروفاً من وجه مجهولاً من وجه آخر

فمن فرط قرب الحق منا كان الحجاب منا وليس من المولى عز وجل كما ترى ذلك في الهواء وماء العينين

لما كانا يتصلان ببصر العين حجب عن رؤيتهما الباصر فشدة القرب حجاب كما إن شدة البعد حجاب والله تعالى أعلم .

  • وقال النفري في مخاطباته :-

أوقفني الحق تعالى بين يديه وقال لي : قل لعبادي ما دام أحدهم يشهد القرب تارة والبعد مني أخرى فلا أتعرف إليه

فإن القرب الذي يعقلونه والبعد الذي يعقلونه مسافة وأنا القريب البعيد بلا مسافة وأنا أقرب إلى اللسان من نطقه إذا نطق وأقرب إلى القلب من ساكنه ثم قال لي لا أتعرف إلا لمن عرفني بي بلا مسافة

من ادعى معرفتي ورأى انصرافه من الصلاة انصرافاً من حضرتي فما عرفني وكل من تعرفت إليه ولو مرة في عمره فقد أعلمته بولايتي له فأكون بينه وبين كل شيء وأليه ويليني ويليه كل شيء

ومن أراد معرفتي كما يعرفني أنبيائي وأوليائي فلا يجعل بيني وبينه اسماً ولا علماً

وليطرح كل شيء أبديه له من الأسماء والعلوم وليعلم أن نفسه حجابه وعلمه حجابه ومعرفته حجابه وتعرفي إليه حجابه

وليس العارف بي إلا من أخرج من قلبه كل شيء والعلم بكل شيء والذكر لكل شيء وفرغ قلبه من كل شيء، وذلك لينظر إلي ويحصل على كل شيء

ومنها قوله أيضاً رضي الله تعالى عنه :

أوقفني الحق تعالى بين يديه وقال لي لا أتعرف لعبدي إلا بعد شهوده الجمع بين الضدين فمن لم يجمع في شهوده بین الضدين لم يعرفني

ومن لم يعمل بكل ما علمه لم يعرفني فإني لا أجتمع بناقص ومن لم يعمل بكل ما علمه فهو ناقص

كما إن من لم يخلص في علمه فهو ناقص فإذا عمل بعلمه وأخلص لي فيه علمته من لدني علماً لا يستطيعه الكون وتعرفت إليه بمعرفة لا يعرفها الكون

ومن أراد ثواب الآخرة بعلمه وعمله حجبته عني وأشهدته جزاء أعماله وشغلته بذلك عني كما أن من مال إلى الدنيا من غير ضرورة غضبت عليه

ومنها أوقفني الحق تعالى بين يديه وقال. :

من لم يتخلق بأخلاقي فليس من أهل حضرتي وإذا لم يدخل حضرتي لم تصح له معرفتي بل هو محجوب عني بسبعين ألف حجاب ومن لم يشهد نفسه موجوداً معدوماً في آن واحد لم يعرفني

  • وقال محي الدين إبن العربي في باب الأسرار :-

لا يعقل الحق تعالى إلا إلها منزهاً غير معقول ولا يمكن تجريده عن العالم المربوب له أبداً لأنه لو صح تجريد العالم لصح أن يكون العالم قائماً بنفسه وذلك محال.

  • وكان الجنيد رحمه الله يقول :

سئل بعض العلماء عن التوحيد فقال هو اليقين واليقين هو معرفتك أن حركات الخلق وسكونهم فعل الله عزّ وجلَّ وحده لا شريك له

فإذا فعلت ذلك فقد وحدته .( يشير إلى أن توحيد الذات إنما يكون من طريق الإيمان لا من طريق الشهود )

  • المراجع :-

  • الفتوحات المكية لمحي الدين ابن العربي

  • المواقف والمخاطبات للنفري

  • ميزان العقائد الشعرانية المشيدة بالكتاب والسنة المحمدية لعبد الوهاب الشعراني

  • انظر الكواكب الدرية للمناوي والطبقات للشعراني ترجمة * الإمام الجنيد البغدادي شرح حكم محي الدين إبن العربي للملا الكردي ص ١٠٩ طبعة العلمية .