حديث النبيﷺ عن دعاء الملائكة للكريم والبخيل
احاديث ظاهرها تناقض

روي عن حضرة النبيﷺ ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا.

أخرجه البخاري عن أبو هريرة رضي الله عنه

 * البيان * 

في الحديث عدة وجوه الوجه الأول:- إن لكل يوم ينزل ملكان غير ملائمة اليوم السابق أو اللاحق أو نفس الملكين كل ذلك جائز وأنهما غير ملائكة الذكر وملائكة الصلاة وملائكة الصعود والهبوط بالأعمال الي غير ذلك فدل ذلك علي أن لكل جهة وعمل صالح ملائكة مخصوصة وتلك كرامة لأمة حضرة النبيﷺ بسببه ولعلو منزلته عند ربه

  الوجه الثاني:-

يعتقد كثير من العلماء الي يومنا هذا أن الملائكة تدعوا علي العبد البخيل وهذا يخالف حقيقة الملائكة فليس لفظ الحديث علي ظاهره لسببين

السبب الأول:-. إن الملائكة مخلوقات نورانية شفافة وليس فيها شهوة الحقد والكره الي غير ذلك لأن هذه الصفات صفة الأجساد الكثيفة أو الشفافة المظلمة مثل الجن وغيره

السبب الثاني:- إن الملائكة تدعوا دائما لأمة النبيﷺ بنص القرآن قال تعالي :- وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ ۗ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .

والاستغفار لأمة النبي لأنهم وقعوا في الذنوب والبخل ذنب فكيف تستغفر لهم والحديث يبين أنهم يدعون عليهم فهذا تعارض بين الآية والحديث والجواب عن هذا الإشكال :-

قال أحد العارفين إن الملائكة حينما تقول اللهم أعط منفقا تلفا فهي تدعوا له ولا تدعوا عليه اي انها تقول اللهم أتلف ماله في الخير والصلاح رغما عنه

والفرق بين البخيل الذي تدعوا له والكريم إن الكريم ينفق ويثاب علي كرمه بدعاء الملائكة لأنه أنفق المال بنية الخير والعزم علي ذلك

أما البخيل فتدعوا له بتلف المال أيضا في الخير لكنه لا يثاب عليه لأنه خرج من يده في الخير بغير نية أو عزيمة علي ذلك

فالبخيل والكريم كلاهما يدخلان الجنة ولكن الكريم أعظم درجة في الجنة من البخيل الذي يدخل الجنة بدرجة أقل منه

اذن دعاء الملائكة حرصا وحبا وخوفا علي أمة سيدنا محمد ومن كرم الله تعالى أن يحقق إجابة الملائكة رحمة بالأمة اعزازا وتقديرا وحبا لسيد الخلق حضرة النبيﷺ وبذلك نستطيع الجمع بين الحديث والآية ولا يوجد اشكال حينئذ

الوجه الثالث:-

إن دعاء الملائكة لا يرد فيخلف الله تعالى علي العبد في الدنيا والآخرة وليس في الآخرة فقط قال تعالى:-. وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]، ولم يحدد في الآية بقوله يخلفه في الدنيا أو الآخرة فالاية علي إطلاقها اي يخلف على العبد في الدنيا والآخرة

وقد ورد في حديث آخر قبل هذا قصة المراءة ونذكرها ثانية للتذكير والعبرة

أن امرأة كان ولدها مسافرا، وكانت قد قعدت يوما تأكل وليس أمامها إلا لقمة إدام وقطعة خبز فجاء سائل فمنعت عن فمها وأعطته وباتت جائعة فلما جاء الولد من سفره جعل يحدثها بما رأى،

فقال لأمه من أعجب ما حدث لي أنه لحقني أسد في الطريق وكنت وحدي فهربت منه، فوثب علي وما شعرت إلا وقد أصبح جسدي في فمه وإذا برجل عليه ثياب بيض يظهر أمامي فيخلصني منه ويقول " لقمة بلقمة "، ولم أفهم مراده.

فسألته عن وقت هذا الحادث وإذا هو في اليوم الذي تصدقت فيه على الفقير نزعت اللقمة من فمها لتتصدق بها فنزع الله ولدها من فم الأسد. وهذا دليل أن الله يخلف للعبد نفقته دنيا وآخرة

 الوجه الرابع:-

قد يقول قائل إذا كانت الملائكة تدعوا للبخيل بأن ينفق ماله في الخير رغما عنه ولا تدعوا عليه وأن هذا خير له فهذا الكلام يتعارض مع الآية الشريفة في سورة الليل حيث قال تعالى :- فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (الليل:5-10)

الجواب ليس هناك تعارض لأن الآية تتكلم عن البخيل بشرط أنه لا يصدق قول ربه تعالى بأنه لا يعوضه عن الصدقة حيث قال تعالى وكذب بالحسنى اي التعويض في الآخرة وإن له ثوابا في الآخرة وإن الله تعالى يكافئه علي فعله وهذه التكذيب وعدم الصدق بوعد الله تعالى هو صفة أهل النفاق فلا يعمم الحكم علي الخلق كلهم

لأن العبد المسلم الموحد بالله تعالى علي يقين بذلك وانما البخل قد يصدر منه بسبب ضعف نفسه من قلة المال والنفقة علي العيال كما روي عن حضرة النبيﷺ الولد مجبنة ( من الجبن ) مبخلة اي بسبب النفقة علي العيال والخوف عليهم يكون بخيل احيانا وهذا ضعف ايمان وليس ضعف توحيد وليس ضعف تكذيب لكلام الله تعالى فهذا مستحيل

حتي الرجل الجاهل أو الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب إذا قلت له الثواب لن يضيع وإن الله تعالى سيعوضك يقول لك بالفطرة السليمة والتوحيد في قلبه اعلم ذلك لكن ما باليد حيلة أخشي أن أسأل الناس وكثرة الديون فهو مؤمن بقول الله تعالى لكن ضعف النفس فلا تعمم الحكم علي العباد

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين