عصمة بيت النبوة سيدنا محمد ج٤
عصمة الأنبياء

  • عصمة بيت النبوة سيدنا محمد ج٤ *

  • حديث الغرانيق :-

  • قوله تعالى:-. { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } ( سورة الحج )

قال العارف بالله عبد العزيز الدباغ :-

[[ إن الله تعالى ما أرسل من رسول ولا بعث نبيا من الأنبياء إلى أمة من الأمم إلا وذلك الرسول يتمنى الإيمان لأمته لهم ويرغب فيه ويحرص عليه غاية الأهمية الحرص ويعالجهم عليه أشد المعالجة.

ومن جملتهم في ذلك النبي ﷺ حيث قال سبحانه وتعالى له { فلعلك باخع نفسك على آثارهم إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بهذا الحديث أسفا)

[وقال تعالى : { وما أكثر الناس ولو حرضت بمؤمنين} إلى غير ذلك من الآيات المتضمنة لهذا المعنى

ثم إن الأمة تختلف كما قال تعالى { ولكن اختلفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمن ومنهم من كفر}

فأما من كفر فقد ألقى إليه الشيطان الوساوس الفادحة له في الرسالة الموجة لكفره وكذا المؤمن أيضًا لا يخلو من وساوس لأنها لازمة للإيمان بالغيب في الغالب، وإن كانت تختلف في الناس بالقلة والكثرة وبحسب في المتعلقات

وبناء على ما عملت سابقا فمعنى تمنى إنه يتمنى الإيمان لأمته ويحب لهم الخير والرشد والصلاح والنجاح فهذه أمنية كل رسول ونبي

وإلقاء الشيطان فيها يكون بما يلقيه في قلوب أمة الدعوة من الوساوس الموجبة لكفر بعضهم ويرحم المؤمنين فينسخ ذلك من قلوبهم ويحكم فيها الآيات الدالة على الوحدانية والرسالة ويبقي ذلك في قلوب المنافقين والكافرين ليفتنوا به

فيستنبط من هذا أن الوساوس تلقى أولاً في قلوب الفريقين معا ( المؤمنين والكافرين ) غير أنها لا تدوم على المؤمنين وتدوم على الكافرين ]]

{ الابريز لأحمد بن المبارك ص ٢٠٦ } .

  • وقال العارف بالله عبد القادر الجزائري:

من طالع كتب السير علم أن المشركين كانوا عالمين صدق النبي ﷺ ولكن جحدوا استكبارا وسبق شقاوة وقد شهد الله تعالى أن اليهود كانوا يعرفون صدق النبي ﷺ كما يعرفون أبناءهم

ثم يلقي الشيطان للمكذبين أنكم خسرتم أنفسكم وسفهتم أحلامكم بعدم إظهار ما علمتم من صدقه ثم يلقي إليهم الشك في هذا أيضا وهذا دأبهم ودأب الشيطان في كذبه وذلك حال من كان في زمانه من الكفار

كما قال تعالى:. ﷽ { فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ }

وحكاية عنهم قال المولي عز وجل :﷽

[ وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ]

ولهذا تكون معيشة الكافرين ضنكا كما قال تعالى:-

﷽ [ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ]

أي في الدنيا فهو في ضيق مما يلقي الشيطان إليه فلا يستريح باطنا في الدنيا أبدا.

ثم يحكم الله آياته ويثبتها في قلوب المسلمين ظاهرا وباطنا فلا يبقى لهم تردد ولا وسوسة في صدق الداعي إلى الله تعالى وذلك بمخالطة بشاشة الإيمان لقلوبهم فلا يسخطونه أبدا

والله سبحانه وتعالى عليم بما تقتضيه استعدادات مخلوقاته حالة ثبوتها وعدمها فهو سبحانه وتعالى حكيم يضع الأشياء مواضعها اللائقة بها بالاستحقاق من غير زيادة ولا نقصان ولا يظلم ربك أحدا في كل ما يفعل ويحكم .

وقوله تعالى:- ﷽ [ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ۗ]

بيان حكمة تسليط الشيطان بالإلقاء في قلوب جميع أمة الدعوة والإجابة جميعا مع تنبيه الأنبياء والرسل على تمنيهم وأن ذلك فتنة

فيقول المنافقون وهم الذين في قلوبهم مرض لو كان هذا حقا ما توقف الجميع فيه من قبل ويقول الكفار الجاحدون وهم القاسية قلوبهم عار علينا أن نظهر تصديقه بعد جحوده استكبارا وعنادا

كما قال تعالي:-﷽

[ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ]

فاشدد يديك وعض عليها بالنواجذ على ما سمعت في هذه الآية ولا تلتفت إلى ما ذكره كثير من المفسرين فيها في قصة الغرانيق التي وضعها بعض الملاحدة

ليدخل الشك في الوحي والقرآن الذي [ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ] اوما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون

وإني لأسأل من الله تعالى المغفرة والسماحة للحافظ ابن حجر حيث صحح تلك القصة الشنيعة وأيد طرق ورودها ورفع قوادحها والآية لم تخبرنا بأن هذا كان من النبيﷺ

وإنما قال المولي سبحانه وتعالى. ﷽

[ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ]

فهو إخبار للنبيﷺ وليس إخبار عنه وهو نص صريح . فأين ذهب شرف النبوة والرسالة الذي لا شرف فوقه إلا شرف الربوبية لو صحت هذه القصة

فأين العصمة إذا كان الشيطان يلقي الكفر على ألسنة الرسل والأنبياء جميعهم ويسمعه الناس من لسان كل رسول وكل نبي

فإن صريح الآية أن هذا التمني واقع من كل نبي ورسول أرسله الله تعالى والنطق بقصة الغرانيق كفر ضرورة ولو وردت القصة بأن الشيطان ألقي في آذان السامعين لربما كان له وجه إلى القبول ولكن قالوا ألقى الشيطان على لسان رسول الله ﷺ

قال ابن كثير في تفسيره قد ذكر كثير من المفسرين ههنا قصه الغرانيق وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشه ظنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا ولكنها من طرق كلها مرسلة ولم أرها مسندة من وجه صحيح ، والله أعلم .

( المواقف الروحية للجزائري الموقف رقم ٢٤٢ ) . وإلي الجزء الخامس من عصمة سيدنا محمد ﷺ .