عصمة بيت النبوة سيدنا يونس
عصمة الأنبياء

  • عصمة بيت النبوة سيدنا يونس * .

  • أولا قوله تعالى :-﷽

{ وذا النُّونِ إِن ذَهَبَ مُغاضِبًا فَطَنَّ أَن لَّن نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾

قال العارف بالله محي الدين ابن العربي:-

[[ فالمراد أن سيدنا يونس عليه السلام ظن أن الله سبحانه وتعالى لا يضيق عليه لما يعرفه من سعة رحمته من باب قوله تعالى: ﴿وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ﴾

أي ضيق عليه وإنما أخذه الله تعالى لكونه حدد وضيق الاتساع الإلهي ( من الرحمة واللطف بالعباد ) على نفسه فقط ولم ينظر ذلك في حق غيره من أمته

فلما ظن أن رحمة الله تعالى لا تنالهم أثر غضبه بظلمة في ظاهره لعلو منصبه وصفاء قلبه فأسكن في ظلمة بطن الحوت ما شاء الله تعالى

لينبهه المولي عز وجل على حالته حين كان جنينًا في بطن أمه من كان يدبره فيه وهل كان في ذلك الموطن يتصور منه أن يغضب أو يغاضب بل كان في كنف الله عز وجل لا يعرف سوى ربه

فرده تعالى إلى هذه الحالة في بطن الحوت تعليمها له بالفعل لا بالقول ( فما فعله الحق سبحانه وتعالى به ليس عقوبة بل تربية لمن احبه واصطفاه من خلقه فافهم ) .

  • ثانيا قوله تعالى:-﷽

{ فنَادَى فِي الظُّلُمَتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سبحانك إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ )

أي سبحانك يا رب تفعل ما تريد وتبسط رحمتك على من تشاء وهذا كالاعتذار عن أمته

وقوله { كنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ أي أثر غضبي رجع على نفسي ما أنت ظلمتني لأن علمك ما تعلق إلا على هذا الحال بي

ثم لما زالت ظلمة الغضب ( المؤثرة على قلبه ) وهي ظلمة لا تليق بمقام الأنبياء وانتشر النور اللائق بكمال النبوة في قلبه .

استجاب له ربه عز وجل فنجاه من الغم فقذفه الحوت من بطنه مولودًا على الفطرة السليمة فلم يولد أحد من بني آدم ولادتين سوى سيدنا يونس عليه السلام

فخرج ضعيفًا كالطفل كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ سَقِيمٌ ﴾ ورباه تعالى بنبات اليقطين وذلك لأن ورقه ناعم ولا ينزل عليه ذباب

لأن الطفل لضعفه لا يستطيع أن يرد الذباب عن نفسه، فغطاه الله تعالى بهذه الشجرة التي من خاصيتها أن لا يقربها ذباب مع نعومة ورقها فإنه مثل القطن في النعومة بخلاف ورق الأشجار كلها، فإن فيه الخشونة ]]

{ الفتوحات المكية }

  • ثالثاً الحكمة مما حدث لسيدنا يونس:-

أن العبد يصبر علي ما أقامه الله تعالى فيه من حال ومقام ديني أو دنيوي فإذا وجد شدة أو تغيير يؤثر عليه فليصبر ولا يترك السبب الذي أقامه الله تعالى فيه

فإن بعد الصبر خير وبعد الشدة فرج فإذا خرجت بلا صبر ولا تحمل ولا توكل على ربك فقد تخرج الي حال وأسباب أخري أشد مما كنت فيها عقوبة أو تربية لك لعدم صبرك

لأنك خرجت وتركت أسباب العمل التي هيأها الله تعالى لك أو أسباب العلم لتعليم الناس بدون إذن من ربك وتركت مراد ربك لمراد نفسك

وانظر الي سيدنا يونس هجر قومه وترك مقام الدعوة وهو سبب من الأسباب بغير إذن ربه فوقع في مقام وحال أشد منه .

قال العارف بالله علي الخواص:-

[[ إياك والفرار من حالٍ أقامك الله فيه فإنَّ الخيرة فيما اختاره الله تعالى لك وتأمل السيد عيسى عليه السلام

لمَّا فرَّ من بني إسرائيل حين عظموه وأطروه كيف عُبِدَ من دون الله تعالى فوقع في حال أشدَّ ممَّا فرَّ منه

وأصلُ اختيار العبدِ هو ظن العبد أنَّه مخلوق لنفسه والحق تعالى ما خلق العبد إلا له تعالى فلا يُعطي تعالى لعبده إلا ما يصلح أن يكون له ]]

{ الطبقات للشعراني }

فلا تترك الأسباب والمقام الذي يسره الله تعالى لك إلا بإذن واضح تسعد ولا تشقي تنجوا ولا تهلك وانظر الي ما حدث لحضرة النبي ﷺ

لما ضاق الحال والمقام بالنبي ﷺ في مكة واشتد الأذي له ولأهل بيته وأصحابه لم يترك قومه ولم يهاجر الي المدينة المنورة إلا بإذن من ربه فوقع في حال افضل وأكمل مما كان فيه فافهم تتعلم . .

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم. وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد. وعلى آله وصحبه أجمعين

    * المراجع * 
  • الفتوحات المكية لمحي الدين ابن العربي الباب ٣٣ .* الطبقات لعبد الوهاب الشعراني ترجمة العارف بالله علي الخواص
  • تقريب الأصول وتسهيل الوصول إلى معرفة الله والرسول للزيني دحلان ص ١٦٥ طبعة العلمية