قوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله
جواهر العارفين في الحديث والقرآن المبين

قال سبحانه وتعالى ﷽ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ( سورة البقرة)

  • خواطر * . اعلم يا ولي في الله تعالي أن علامة حب الله لك وحبك له وأنك تراه في كل شئ ومع كل شئ أن لا يكون بينك وبين ربك علاقة مقيدة بل علاقة مطلقة.

فالعلاقة المقيدة بزمان ومكان وأشخاص وهيئة معينة لكن التقييد هنا صفتك لا صفته عز وجل فهو سبحانه منزه عن المكان والزمان والحدث والجسمية والتعدد . .

 * العلاقة المقيدة بك لا بربك*

فالمكان:

مثل المساجد كلها في ارض الله والبيت الحرام ومسجد حضرة النبيﷺ والمسجد الأقصى

والزمان :

كالصلوات الخمس وصلاة الليل وشهر رمضان والليالي المباركة في السنة المعلومة كليلة القدر والعيد وغيرها وأشخاص كالاولياء ومقامتهم والموجودين منهم والعلماء المخلصين ودور العلم

 *  العلاقة المطلقة مع الله تعالى * 

فالمعرفة والحب الالهي لك ومنك هو أن يكون فيك علاقة مطلقة لا مقيدة فقط وهو عين الكمال لأن تري ربك في صنعته من انسان وحيوان ونبات وجماد وكل شي ملموس تري الله فيه فتكون معه بعلاقة فوق الذوق الرفيع الأخلاقي مثل

فالعلاقة المطلقة مثل بسمتك في وجه الناس عبادة حتي وان كان مسيحي أو كان علي اي دين مهما كان وفي الأقارب عبادة ودرجة

الكلمة الطيبة مع الخلق عبادة خدمة الغريب والقريب عبادة عونك المحتاج ومن عليه دين أو فك كربته عبادة

البسمة والنظرة الممتلئة بالحب والعطف والحنان للام والاب والزوجة والزوج واليتيم والسائل حتي وان لم تعطيه فابتسم له واعتذر بأدب كل ذلك عبادة

تحملك القسوة من القريب والصديق والجار والزوج والزوجة عبادة لأنك تري الله في صنعته ومن رضي به عبدا فارضي به أخا وزوجا وصاحبا حتي وان أساء إليك فتلك عبادة

صبر الام والزوج والاخ علي الذرية والأهل عند صعوبة أخلاقهم أو عند المرض عبادة

قيام الام والاب ليلا فيجد أولاده عرايا علي فراشهم فييضع عليهم ما يغطيهم عبادة بل مجاهدة كما قال العارفين

وضع اللقمة من فمك لفم زوجتك او ابنتك عبادة نابعة عن رحمة مثل البحور وشفقة مثل سيل من الأمطار لا نهاية له أيضا عبادة

سعيك لخدمة الناس وقضاء حوائج الناس من غريب او قريب فتدخل الفرحة قلبه عبادة

حزنك والهموم علي ما يحدث للناس من قتل أو غرق أو حروب أو ضيق المعيشة حتي وان كانوا غير مسلمين عبادة لأنهم عباده وليسوا عبادك والذي شاء لك الإيمان لا يعجز أن يهديهم إليه

عدم غضبك في كل أمر تافه وعدم رفع صوتك في قليل وكثير إلا في حق عبادة لانك تعلم أنك في حضرته دائما في كل مكان وزمان وأنه ينظر إليك والي ما تفعل وانت في حضرته فتلك عبادة الأدب القائم علي الحياء من نظرة ربك لك

نومك علي وضوء وذكر وتستيقظ علي ذكر. تلك عبادة لأنك تراه وتحت أسر حكمه إما أن تموت أو ينعم عليك بالحياة فتذكره

قال النفري في المخاطبات:-

يا عبد :. نم وأنت تراني أتوفاك وأنت تراني استيقظ وأنت تراني احشرك وأنت تراني

رحمتك بالحيوان خاصة الصغير من نمل وهوام علي قدر الاستطاعة والعطف علي الحيوان في الطريق بشربة ماء او طعام أو إزاحة الأذي عنه عبادة لأنك لن تفعل ذلك إلا لعلمك بأن الله تعالى معك

كما جاء عن سيدنا الامام احمد الرفاعي أنه كان يرتدي عباءة له فوجد قطة نائمة عليها فقطع العباءة من حولها حتي لا يفزعها وارتدي العباءة مقطوعة فلما قامت من نومها خيط الثوب ولبسه تلك عبادة قائمة علي الرحمة

وقوفك للصلاة عند دخول المسجد بأدب وليس بجري وسعي حتي تلحق الإمام بل تقف وقبل أن تكبر تعتذر وتستحي من ربك أن تقف بين يدي مولاك ملوث بمعصية وذنب من قول او فعل عبادة ليس لها وزن لأنها قائمة علي الحياء والخجل منه

عندما تمرض فيفرح قلبك وتتوجه بقلبك له بانك راض بفعله وتسأله المعونة والصبر وإن يعاملك بفضله لا بعدله ثم تأخذ بأسباب العلاج. ولا تخبر أحدا مهما كان إلا إذا علم لحالتك

أما إذا سالك ولا يعلم فقل الحمد لله ولا تذكر شيئا عبادة تنال بها درجات ومقاما عند ربك وحبه لك حينئذ لا تصل إليها بصلاة وصيام سنوات عمرك كله

لأن ترضي وتحب بما يحب وبما يريد وعلمت أنه الفاعل لذلك ولأن اول شي صدر من قلبك هو التوجه إليه قبل الخلق والأخذ بالأسباب أدب وعبادة نابعة من قلبك أن الله تعالى معك ويراك

زيارتك لامك وأبيك وصاحبك ومن تحب بعد موته وتدعوا له عند قبره وبعد صلاتك عبادة لأنك تشهد ربك المحي المميت فتري أثر ذلك في خلقه وفيك ولو بعد حين

عندما تأكل وتتذكر الجائع والمحتاج الذي يستطيع أن يأكل مثلك بسبب غلو الاسعار وحزنك علي نفسك أن تأكل ما لاياكله غيرك عبادة

تعمل وتصبر علي الحلال خوفا من الحرام ولا تأكل بدينك من أجل دنياك عبادة كما قال العارفين كل من حلال وصل فرضك ولا تحزن ولا تهتم بقيام الليل وصيام النهار ما دمت لا تستطيع

فالاكل من حلال أول باب أو طريق الي معرفة ربك وأنه معك وتستحي أن تأخذ رزقه من وجه لا يرضيه تلك عبادة غالية الثمن لأن الهوي والنفس والشهوة وإبليس أعداء بأسلحة قوية ولا يستطيع أن يحاربهم بالحلال إلا من عرف ربه وشهده في كل شئ وتلك علامة حبه لك

لا يفعل أحد العبادة المقيدة والمطلقة التي ذكرتها لكم إلا عبد أحبه الله ورأي ربه في كل حركة وسكون في كل شئ وقبل وبعد كل شئ فأنت بذلك مراقب لنظر ربك اليك من فعل وقول وخاطر وهمس . ( فأينما تولوا فثم وجه الله )

لأنك بكل تلك الأفعال تقول بقلبك :-

رب حاضر موجود وكون غائب غير موجود وموجود صورة والفاعل فيه وبه رب الوجود

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم. وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد. وعلى اله وصحبه اجمعين.