حديث النبيﷺ عن الخطأ والنسيان
أحاديث المعاملات

روي عن حضرة النبيﷺ إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)

رواه ابن ماجه والبيهقي عن سيدنا ابن عباس رضي الله تعالي عنهما

    * الإشارة الأولي في الحديث *

إن الخطأ والنسيان صفة من صفات البشر حتي تعلم ولا تنسي أن النقص صفتك والكمال صفة مولاك وكلما تذكرت ذلك اذددت انكسارا وتواضعا للخلق من جهة المعاملة فلا تعلوا ولا تتكبر علي اي عبد من عباد الله تعالي مهما كان قدره أو صفته

     * الإشارة الثانية *

قوله ﷺ إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ :-

لم يقل أن الرحمن تجاوز أو أن القدوس أو العزيز أو الغفور تجاوز بل قال الله وهو الاسم الجامع لكل الصفات والاسماء الحسنى وهذا من دلائل رحمة الله تعالى لعباده فيتجاوز عن عبده بكل صفة مقابلة لفعل خطأ وقعت فيه رحمة منه بك ولك

فإذا وقعت في الغضب تجاوز عنك باسمه الحليم فيتجلي عليك بالحلم فتهدأ حالك عند الوضوء والصلاة لأن الغضب من الشيطان والشيطان نار فيطفيء الماء النار وإذا وقعت في الذنب تجاوز عنك باسمه الغفور فلا يؤاخذك بالذنب فيمهلك ويغفر لك بتوبتك وإذا وقعت في الخصام بين الأهل والزوجة تجاوز عنك باسمه الودود فيتجلي عليك بالود فترفع الخصام وهكذا في بقية الاسماء الحسنى المتضمنة داخل اسم الجلالة ( الله )

 * الإشارة الثالثة *

مهما كان حالك مع ربك من الصلاح والتقوى فإذا وقعت في الخطأ فإن ذلك لا ينقص قدرك ولا ينزل مقامك عند ربك ما دمت قد استغفرت ورجعت لمولاك

فوقوع سيدنا ادم في الخطأ والنسيان لما أكل من الشجرة ونزل إلي الأرض فكان نزوله ترقية وإعانة وليس إهانة بدليل أنه أصبح خليفة الله تعالى في أرضه فكان نزوله نزول مكان وليس مكانة

كما قيل من أحبه مولاه لا تضره الذلة ومن كرهه مولاه لا تنفعه الحسنة فكم من عبد تاب الله عليه قبل أن يذنب

فاللهم اجعل سيئاتنا سيئات من احببت ولا تجعل حسناتنا حسنات من ابغضت

وإن كنت عالما أو صالحا أو ولي من الأولياء فإن الخطأ والوقوع في الذلة لا يقلل قيتمك عند مولاك فربما كتب القدر ذلك عليك حتي تزداد انكسار لربك وتواضعا لخلقه فلا تتعالي علي عباد الله بالعلم اوالمكانة من جهة

ولا تتوقف عند دعوة العباد بسبب الخطأ والذلة التي وقعت فيها فإن ذلك قدره فاعتمد علي فضله ورحمته ولا تتبع خطوات الشيطان بقوله لك كيف تدعوا الناس وفيك ما فيك

بل اتبع من يقول العبد بين حالتين حالة الطاعة فيشكر مولاه وحالة الذنب سواء خطأ أو عمدا فإن الله تعالى يقبل التوبة ما دمت لم تصر عليها فكن علي سجيتك وحالك وادع العباد وارشدهم ولا يضرك ما وقعت فيه

فلعل الله تعالي يمحوا هذا بذاك لأن الكمال لله وحده سبحانه وتعالى

       * الإشارة الرابعة *

قوله ﷺ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ يعتقد الكثير أن الإكراه يقع من عبد الي عبد بل الأمر أوسع من ذلك

فالاكراه يكون من الناس والشيطان والنفس فمن الناس الإكراه :- علي فعل انت لا ترضي به فعليه ذنبه وذنب فعلك وليس عليك شئ ما دمت لم تستلم وقاومت بكل الطرق الشرعية

ومن الشيطان بالوسوسة وهو ضعيف لأن كيد الشيطان أضعف من كل شيء

ومن النفس بالشهوة والهوي فإن النفس إذا استحكمت علي الإنسان بفعل شئ مع ضعف إيمانه فيقع في الذلة والذنوب

والإكراه النفسي أشد من الاكراه الحسي فإذا تسلطت عليك نفسك بشئ ولم تستطع مقاومتها ومخالفتها ووقعت في الذلة فذلك من القهر الإلهي عليك فلا تيأس من رحمة الله تعالى وتب الي الله وارجع إليه وقل يا حي يا قيوم برحمتك استغيث أصلح لي شاني كله ولا تكلني الى نفسي.

فلولا قوة وسيطرة النفس والإكراه منها عليك لفعل شهوة أو ذنب لما قال حضرة النبيﷺ ذلك الدعاء بالاستغاثة منها .

وقال أيضا دليل علي كره النفس للوقوع في الذلة اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي والهمني رشدي

 * الإشارة الخامسة *

قوله ﷺ إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي قوله ( لي ) دلالة علي أن التجاوز خصوصية لسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم ولم تكن في الأمم السابقة ولو كانت موجودة في الامم لما خصصها بقوله ( لي ) وهذه دلالة علي علو قدر حضرة النبيﷺ عند ربه وعلو مكانة أمة النبي بسبب النبي عند رب النبي صلى الله عليه وسلم فمن قال في دعائه الحمد لله على نعمة الإسلام والحمد لله علي أن جعلنا من أمة النبي العدنان فقد ادي شكر ما عليه في حق المولي عز وجل وفي حق النبي عليه الصلاه والسلام

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين

                                * * * *