حديث النبيﷺ عن الرحمة
أحاديث المعاملات

روي عن حضرة النبيﷺ الرَّاحمون يرحَمُهمُ الرحمنُ ارحموا أهلَ الأرضِ، يرحمْكم مَن في السماءِ 

رواه أبو داود والترمذي وأحمد عن عبدالله بن عمرو

    * البيان*

الراحمون الذين يرحمون من في الأرض من آدمي وحيوان بشفقة وإحسان ومواساة . وقوله ارحموا من في الأرض جاء اللفظ بصيغة العموم ليشمل جميع أصناف الخلق فيرحم البر والفاجر والوحوش والطير «يرحمكم من في السماء

*   اقوال العارفين في ذلك*

قال العارف بالله العيدروس :-

القلوب ومِن أَحَبُ القُرَبِ إلى الله تعالى ما قد جرَّبه العلماء وأهل المعرفة ، هو النفع المتعدي من اصطناع المعروف جبراً للقلوب المنكسرة ، وإطعاماً لذوي الأكباد الجائعة ، وإدخالاً للسرور على المساكين المحرومين ، فهذا القسم من الخير يؤثر تأثيراً عجيباً في القُرَبِ إلى الله تعالى

فإذا أردت أن تنالك رحمة الله عز وجل ولا تفوتك عواطفه فارحم خلقه ، وتحنن عليهم فقد قيل الراحمون يرحمهم الرحمن فارحم ومن لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ ، فافهم

فالسعيد من ألهم الخير فاقتفى رحمته وتحننه على خلقه ، والشقي من ألهم الإضرار بهم والقسوة عليهم ، نعوذ بالله من درك الشقاء ألا ترى إلى ما جاء في الحديث الذي روي عن حضرة النبيﷺ أن بغيا من بغايا بني إسرائيل رأت كلبا يلهث من العطش فسقته فشكر الله تعالى لها وغفر ذنبها !

فانظر إلى رحمة الله كيف لحقت هذه المرأة الخاطئة برحمتها لهذا المخلوق المحتقر ، فما ظنك بالأخيار من أبناء جنسك وربما كان بعضهم فاضلاً عليك في الدين وفي الأخلاق وإن كان ظاهره لا يُعطي ذلك

فعليك بالرحمة ، وسماحة الخلق ، وسلامة الصدر ، وإن لم يكن ذلك في طباعك فتطبعه وتخلق به ]]

{ إيضاح أسرار علوم المقربين العيدروس }

إشارات الأولياء في الحديث

أولا : قوله ﷺ الرَّاحمون يرحَمُهمُ الرحمنُ

[[ قال العارف بالله علي الخواص:- كل اسم إلهي له خصوصية على بقية الاسماء ووجه خصوصية الرحمن إن الأمر لنا بالرحمة إنما هو في هذه الدار.

ورحمة اسم ( الرحمن) تشمل الدنيا والآخرة بخلاف «الرحيم» فإن رحمته خاصة بالآخرة فجاء بالاسم ( الرحمن ) هنا إلا لينبه الراحم منا على أن جزاءه إذا رحم من في الأرض يصح تعجيله في الدنيا قبل الآخرة، فيقوي عزمك على رحمة العباد لهذا الجزاء المعجل في الدنيا قبل الآخرة

ولو قال الرحيم لم يصل إلي العبد شيء من - رحمة الله في الدنيا فيفتر عزم العبد علي الرحمة لعدم مشاهدة تعجيل الجزاء وما كل وقت يكون ثواب الآخرة مشهودًا للمؤمن، فافهم.

فعلم أن كل من رحم عباد الله أسرع الله إليه بالرحمة عندما يرحم، فما رحم خلق الله حقيقة إلا نفسه وإنما هي أعمالكم ترد عليكم.

ثانيا :- قوله ﷺ :- ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء

قال الإمام رضي الله عنه:- أي ارحموا أهل البلايا والرزايا وتجاوزوا عنهم يرحمكم من في السماء يعني الملائكة بالاستغفار لكم

وهو قوله تعالى: (وَيَسْتَغْفِرُونَ لمن فِي الأَرْضِ ) [الشورى: 5].

ثم قال تعالى: { أَلاَ إِنَّ الله هو الغفورُ الرَّحِيمُ﴾ [الشورى: 5]

إشارة إلى أن الرحمة التي يرحم الخلق بعضهم بها هي رحمة الله ( في الأصل ) لا رحمتهم وإن ظهرت في صورة مخلوق كما قال حضرة النبيﷺ:-. إن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده]]

{ الجواهر والدرر للشعراني}

  • قصة * وهذه القصة تبين أن الرحمة ليست في الآخرة فقط بل يعجل المولي ببعضها في الدنيا جزاءا للعبد وتقوية له علي رحمة العباد والكلام ليس علي الصدقة ذاتها بل منبع الصدقة الرحمة منبع المعونة الرحمة فلقد روي في الأثر

الشيخ سليم المسوتي رحمه الله وكان على فقره لا يرد سائلا قط، ولطالما لبس الجبة أو " الفروة " فلقي بردانا يرتجف فنزعها فدفعها إليه وعاد إلى البيت بالإزار،

وطالما أخذ السفرة من أمام عياله فأعطاها للسائل، وكان يوما في رمضان وقد وضعت المائدة انتظارا للمدفع، فجاء سائل يقسم أنه وعياله بلا طعام

فابتغى الشيخ غفلة من امرأته وفتح له فأعطاه الطعام كله!، فلما رأت ذلك امرأته ولولت عليه وصاحت وأقسمت أنها لا تقعد عنده، وهو ساكت ..

فلم تمر نصف ساعة حتى قرع الباب وجاء من يحمل الأطباق فيها ألوان الطعام والحلوى والفاكهة، فسألوا:  ما الخبر؟، وإذا الخبر أن سعيد باشا شموين كان قد دعا بعض الكبار فاعتذروا، فغضب وحلف ألا يأكل أحد من الطعام وأمر بحمله كله إلى دار الشيخ سليم المسوتي، فقال الشيخ لزوجته  أرأيت يا امرأة

القصة الثانية

ذكر هذه القصة الشيخ علي الطنطاوي:- عن المرأةالتي كان ولدها مسافرا، وكانت قد قعدت يوما تأكل وليس أمامها إلا لقمة إدام وقطعة خبز فجاء سائل فمنعت عن فمها وأعطته وباتت جائعة فلما جاء الولد من سفره جعل يحدثها بما رأى،

قال من أعجب ما مر بي أنه لحقني أسد في الطريق، وكنت وحدي فهربت منه، فوثب علي وما شعرت إلا وقد صرت في فمه وإذا برجل عليه ثياب بيض يظهر أمامي فيخلصني منه ويقول " لقمة بلقمة "، ولم أفهم مراده.

فسألته عن وقت هذا الحادث وإذا هو في اليوم الذي تصدقت فيه على الفقير نزعت اللقمة من فمها لتتصدق بها فنزع الله ولدها من فم الأسد.

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين