حديث النبيﷺ عن الصبر في مخالطة الناس
أحاديث المعاملات

كيف تصاحب الخلق من اخ وصديق وغيرهما . .

روي عن حضرة النبيﷺ المؤمِنُ الذي يُخالِطُ الناسِ و يَصبِرُ على أذاهُمْ أفضلُ من المؤمِنِ الَّذي لا يُخالِطُ النَّاسَ و لا يَصبرُ على أذاهُمْ

 أخرجه ابن ماجه عن عبدالله بن عمر ومسند الإمام أحمد باختلاف يسير، والطبراني في الأوسط

        * البيان *

ظاهر الحديث واضح لعظم درجة المختلط والصبر علي الناس بشرط الأدب معهم فهذا اعظم اجرا ممن اعتزل وابتعد فكل منهما له أجر

أما المعتزل فله أجر المنفرد وأما المخالط فله أجر الجماعة فتختلف درجة كل منهما وليس هذا افضل من ذاك لأن الأمر يعتمد علي القدرة وقوة الايمان والناس تتفاوت في ذلك

وإذا كان لك صديق أو اكثر وأساء اليك أو وقع في ذلة فلا تكرهه ولا تهجره بل اكره فعله ولا تكره ذاته فحتما سيتوب لأن ربك يحب عباده ولا تتركه فريسة للنفس والشيطان وانصحه بالكلمة الطيبة أو الإشارة أو الفعل الغير مباشر فإن حق الصداقه يفرض عليك ذلك وإذا كانت النصيحة ستزيد العلاقة سوء فالنصيحة ترك النصيحة حتي يأتي الوقت يقبل فيه نصيحتك فلكل حال مقال .

   * أقوال العارفين في ذلك *

** قال العارف بالله علي الخواص:- والغالب في الناس كرههم لذات الشخص إذا سمعوا عنه أنه وقع في محرم أو ذنب بل يكرهون أولاده أيضا بسببه ويحقرونه وربما يزعم بعضهم أنه علي صواب باحتقاره .

وغاب عنهم أن هذا من الجهل أن تحتقر عبدا اعتني به مولاك عز وجل واخرجك وأخرجه من العدم إلى الوجود فاحذر يا أخي ذلك فإن الحق تعالى ما أمرك أن تحتقر أحدا من خلقه وإنما أمرك أن تنكر أفعاله المخالفة للشرع لا غير ذلك فتأمر العاصي وتنهاه وأنت غير محتقر له

وتأمل قول النبي ﷺ عن شجرة الثوم: فقال إنها شجرة أكره ريحها

فلم يكره حضرة النبيﷺ ذات الشجرة وإنما كره ريحها الذي هو بعض صفاتها

وقالوا:-. إن لم تبرهم فلا تؤذيهم وإن لم تسرهم فلا تسؤهم ( وإن آذوك فاصبر عليهم بذلك تصل الي اعلي الدرجات عند ربك )

** ولا تضيع حق أخيك اعتماداً منك على مابينك وبينه من المودة والصداقة فإن الله تعالى فرض لكل مؤمن حقوقا لا يضيعها إلا من لم يراع حقوق الله عليه

( المختار من مناقب الأخيار ج١ ص ٣٩٢ (بتصرف )

وقال وهب بن منبه: ما ارتفع من ارتفع ( عند الله تعالى مقاما ودرجات) بكثرة صوم ولا صلاة ولا مجاهدة وإنما يرتفع العبد عند ربه بالخلق الحسن .

( أما سمعت قول حضرة النبيﷺ: اقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا (ولم يقل أكثرهم علما وحسب ونسب وجاه)

وقال حضرة النبيﷺ أدبني ربي فأحسن تأديبي ( ولم يقل علما وغيره ) ( الطبقات الوسطى للشعراني ج١ )

قال العارف بالله عبد الغفار القوصي:- كل من اعتدى عليك أو تجراً عليك في الإساءة فقد أهدى إليك حسناته، وزاد في الهدية بقدر ما ذاد في الإساءة فإنه وإن كان أساء إساءة ظاهرة فقد أحسن لك باطنا، وإن كان أظهر بالإساءة التعالي عليك، والربح في دنياه فقد ظهرت الخسارة والذل عليه في أخراه وحصل لك بالإحسان إليه مع إساءته إليك الإخلاص لله في الشكر على نعمه الباطنة.

      * قصة *

قال الشيخ ابن الخطاب أنه رأى الله تعالى في المنام قال فقال لي يا ابن الخطاب ،تمنَّ فسكت قال لي: يا ابن الخطاب ،تمن فسكت، ربما قال الثالثة

فقال لي: يا ابن الخطاب، أعرض عليك ملكي وملكوتي، وأقول لك تمنَّ وأنت في ذلك تسكت؟ فقلت يا رب إن تكلمت فبك، وإن نطقت فيما تجري به على لساني، فما الذي أقول؟ فقال لي: يا ابن الخطاب قل أنت بلسانك

فقلت: يا رب إنك شرفت أنبياءك يكتب أنزلتها عليهم، فشرّفني بكلام لا واسطة بيني وبينك فيه، فقال لي : يا این الخطاب من احسن إلى من أساء إليه فقد أخلص لله شكرًا ومن أساء إلى من من أحسن إليه فقد بدَّل نعمة الله كفرًا فقلت يا رب زدني فقال: حسبك حسبك».

{ الوحيد في سلوك أهل التوحيد للقوصي ص١٧٤ }

** وأن تنظر إليهم من صديق أو قريب أو الناس عامة نظرة حب او احترام كما روي عن حضرة النبيﷺ تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقة رواه الترمذي وابن حبان

وروي عن حضرة النبي ﷺ من نظر إلى أخيه نظر مودة لم يطرف حتى يغفر الله له ما تقدم من ذنبه أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ج٥

** ومن حسن الأدب مع الصديق ومع الناس أن تقبل معذرة من اعتذر منهم إليك في أمر ما سواء كان محقاً أو مبطلاً

فلقد روي عن حضرة النبيﷺ من اعتذر إليه أخوه بمعذرة فلم يقبلها كان عليه من الخطيئة مثل صاحب مکس رواه البيهقي في شعب الإيمان

( المكس النقص والظلم فصاحب المكس أيضا لم يقبل اعتذار التاجر في قوله : إن ماله مال أمانة ، أو أخذ منه أو أنه مديون ونحو ذلك فيأخذ ماله مع التعدي إلى الزائد )

وروي عن حضرة النبيﷺ من أتاه أخوه متنصلاً من ذنب فليقبل عذره محقاً كان أو مبطلا فإن لم يفعل لم يرد على الحوض رواه الترمذي

روي عن النبي ﷺ : «ألا أخبركم بشراركم، قالوا: بلى، قال: من أكل وحده ومنع رفده وضرب عبده. ألا أخبركم بشر من ذلكم: من لا يقيل عثرة ولا يقبل معذرة ولا يغفر ذنبًا. ألا أخبركم بشر من ذلكم من بغض الناس ويبغضونه (الكامل لابن المبرد ج١)

وعن بعض العارفين :-

إذا اعتذر الصـديـق إليـك يـومـاً

تجاوز عن مساويه الكثيرة

فإن الشـافـعـي روى حـديثـاً

بـإسـنـــاد يصـح عـن المغيـرة

عن المختار ﷺ أن اللـه يمحـو

بعـذر واحـد ألفـي كبيــرة

وقال بعضهم تحمل عظيـم الـذنـب ممـن تحبه ولو أنت من تلك العيوب صحيح

صديق بلا عيب قليـل وجوده ونشر عيـوب الأصـدقـاء قبيـح

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين .