حديث النبيﷺ عن حقيقة بر الوالدين
أحاديث المعاملات

روي عن حضرة النبيﷺ ثلاث مَنْ كُن فيه ستر الله كنفه وأدخله جنته رفْقٌ بالضعيف وشفقة على الوالدين والإحسان إلى المملوك

( أخرجه الترمذي )

وروي عن حضرة النبيﷺ :-

لولا أني أخاف تغير الأحوال عليكم بعدي لأمرتكم أن تشهدوا لأربعة أصناف بالجنة أولهما امرأة وهبت صداقها من زوجها لأجل الله تعالى وزوجها راض

والثاني ذو عيال كثير يجهد في المعيشة لأجلهم حتى يطعمهم الحلال

والثالث التائب على أن لا يعود إليه أبدا كاللبن لا يعود إلى الثدي

والرابع البار بوالديه.

( ذكره الالوسي في تفسيره وعزاه الي سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه } . وروي عن حضرة النبيﷺ

إذا ترك الغبد الدعاء لوالديه انقطع عنه الرزق

( لعل قول النبيﷺ رزق الفضل وليس رزق العدل بحكم الربوبية والله اعلم )

. * البيان*

طاعة الوالدين درجة عالية لا يحققها ويعمل بها إلا من أحبه الله تعالى ووفقه لذلك فقد جاء ذكر بر الوالدين بعد النهي عن الشرك بالله تعالى وهذا دليل علي عظمة بر الوالدين

كما قال تعالى وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ ( سورة النساء )

وقد تكرر هذا البر بعد النهي عن الشرك بالله تعالى في أكثر من عشرين أية في كتاب الله تعالى دلالة علي حب ورضي الله تعالى علي من يحسن خدمة وطاعة والديه . فلقد روي أيضا عن حضرة النبيﷺ ثلاثة في ظل العرش عائد المريض ومشيع الموتى وطائع والديه .

( المستطرف للابشيهي ) .

  • اقوال العارفين في ذلك*

قال أبو الحسن الخرقاني:-

[[ إن زرت مؤمنا ينبغي عليك ألا تقبل ثواب مائة حجة مقبولة علي هذه الزيارة لأن زيارة المؤمن ثوابها اكبر من آلاف الأموال تمنحها للفقراء إذا زرت مؤمنا فأعلم أن الله سبحانه وتعالى قد رحمك ]]

{ تذكرة الأولياء }

فكيف بزيارة الوالدين ورعايتهما كيف يكون رحمة الله تعالى بك

وقال مسعر بن كدام:-

[[ مضاحكة الوالدين على السرير أفضل من مجاهدة السيوف في سبيل الله تعالى

وطلبت أم مسعر بن كدام بعد العشاء شربةً ماءٍ منه فخرج فجاء بكوب الماء لأمه فوجدها نامت

فظل مستيقظا والكوب على يده إلى الصباح ينتظر استيقاظ أمه حتي تشرب . { الطبقات للشعراني } .

وسأل الناس العارف بالله سهل التستري كيف وصلت إلي ما أنت فيه من مقام معرفة الله تعالى والولاية فقال السبب في ذلك اني كنت بارا بأمي .

[[ وكان عبدالله بن عون :-

باراً بوالدته لم يأكل معها قط في وعاء ، فقيل له في ذلك فقال أخافُ أن يسبق بصرها إلى لقمةٍ فَأَخذها ( قبلها فأكون عاق لأمي)

ودعته أمه يوماً في حاجةٍ لها فأجابها برفع الصوت فأعتق ذلك اليوم رقبتين كفَّارةً لرفع صوته على أمه ]]

{ الطبقات للشعراني }

وروي عن حضرة النبيﷺ

مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِرَجُلٍ مُغَيَّبٍ فِي نُورِ الْعَرْشِ فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا ، ملك قِيلَ لا قُلْتُ نَبِيٌّ قِيلَ لَا قُلْتُ مَنْ هُوَ ؟

قَالَ هَذَا رَجُلٌ كَانَ فِي الدُّنْيَا لِسَانُهُ رَطِبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَقَلْبُهُ مُعَلَّقًا بِالْمَسَاجِدِ

وَلَمْ يَسْتَسِبَّ لِوَالِدَيْهِ قَطُّ

( اي لم يعنف والديه أو يرفع صوته عليهما أو يتكلم معهما بألفاظ سيئة

{ أخرجه ابن أبي الدنيا عن أبو المخارق مرسلاً}

. وقال أبو الحسن الخرقاني:-

[[ كان هناك أخوان وأمهما علي قيد الحياة فكان أحدهما يقوم على خدمة أمه فى كل ليلة. وينشغل الآخر بعبادة الله أما من انشغل بعبادة الله فرح بعبادته وقال لأخيه اتركنى الليلة أيضاً في طاعة الله ففعل

وأثناء سجوده في الصلاة استغرق في النوم فسمع من يقول له لقد غفرنا لأخيك وعفونا عنك بسبب أخيك

فقال إنني انشغلت بطاعة الله وانشغل أخي بخدمة الأم وتعفو عنى من أجله فقيل له لأننا لسنا في حاجة إلى ما تفعله ولكن أمك في حاجة لما يفعله اخوك. ]]

وعن العارف بالله أبو حازم المكي :-

[[ قال شيخ من المشايخ دخلت على أبي حازم المكي فوجدته نائماً فانتظرت حتى استيقظ فقال لي رأيت النبى ﷺ فى المنام هذه اللحظة وحملني رسالة إليك يا شيخ

فقال لي إن رعاية حق الأم أفضل لك كثيراً من الحج فعد وأطلب رضاءها فرجعت من هناك ولم أذهب إلى مكة

( هذا اذا لم يكن من يوجد من الإخوة والابناء لرعاية الام فإذا كان الإبن الوحيد فالأولي رعاية الأم إذا كانت في حاجة إليه

أما إذا حج حج الفريضة واراد أن يحج ثانيا فالاولى رعايتها بدلا من الحج حتي وان كان لك إخوة براعوها معك ما دامت في حاجة إليك ) ]]

{ تذكرة الأولياء }.

وقال احد الصالحين واسمه المرتعش:-

[[ قمت بالحج عدة مرات مجردا، دون زاد ولا دلو ولا شيء وعرفت أنني فعلت هذا كله بسبب هوى النفس. فسألوه كيف؟

فأجاب لأن والدتي قالت لي يوما احمل الجرة فحملتها وأحسست بالتعب فأدركت أنني فعلت هذا كله وفق هوى النفس

( اي لو كان الحج لله لما شعرت يالتعب لخدمة امي لأن ما كان لله فيه الراحة في كل الأحوال واذا اختلفت الراحة والمشقة في عمل دون عمل وكلا العملين فرض فليس لله ) ]]

{ مقامات أبي سعيد الخير }

[[ وجاء رجل الي الإمام مالك رضي الله عنه فقال يا أبا عبد الله إن لي أباً ببلاد السودان وامي تعيش معي فأراد ابي أن أذهب إليه بالسودان وأمي تنهاني عن السفر إليه

فقال له الإمام مالك أطع أباك ولا تعص أمك، فقال الرجل يا أبا عبد الله ، فما ترى؟ فانتهره مالك وقال أتريد أن أمرك أن تعصيهما جميعاً؟

ثم سأل الرجل الإمام الليث بن سعد فقيه مصر عن ذلك فقال الليث أطع أمك فإن البر لها ثلاثاً

( كما في حديث النبيﷺ) وسأل الرجل حماداً فقال له مثل قول الليث ]]

{ كتاب معالم الإيمان } .

وروي عن حضرة النبيﷺ عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال سأَلتُ النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: أَيُّ الْعملِ أَحبُّ إلى اللَّهِ تَعالى

فقال الصَّلاةُ على وقْتِهَا قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قال بِرُّ الْوَالِديْنِ قلتُ ثُمَّ أَيُّ قال الجِهَادُ في سبِيِل اللَّهِ (متفقٌ عليه .)

وقال العارف بالله ممشاد الدينوري :-

[[ بر الوالدين كفارة للكبائر ولايزال الرجل قادرا على البر مادام في فصيلته من هو أكبر منه ]]

{المختار من مناقب الأخيار }

   * تتمة * 

يجب على الأبوين أن لا يحملا الولد على العقوق بسوء المعاملة والجفاء ويعيناه على البر لهما

فلقد روي عن بعض العارفين أنه قال إن لي أبناً منذ ثلاثين سنة ما أمرته بأمر مخافة أن يعصيني فيحق عليه العذاب .

وذلك إشارة إلي حديث روي عن النبيﷺ

رحم الله والدا أعان ولده علي بره ( أخرجه ابن حبان) .

* فائدة لبر الوالدين بعد وفاتهما * 

[[ وروي عن حضرة النبيﷺ :-

من قال فلله الحمد رب السموات ورب الارض رب العالمين وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم (سورة الجاثية)

وقال اللهم أجعل ثواب هذه الآية لأبوي فقد أدي حقهما ]]

{ مرشد الزوار } .

[[ وقال الإمام المناوي :-

روي عن حضرة النبيﷺ:- من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة مرة غفر الله له) ذنوبه (وكتب برا بوالديه.]]

{ فيض القدير }

  • المراجع *

  • تفسير الالوسي سورة الإسراء آية ٢٤

  • المختار من مناقب الأخيار ج٥ ص ٥٤

  • الطبقات للشعراني ج١ ص ٢٥٢ طبعة دار ضياء الشام

  • الطبقات للشعراني ترجمة إبن عون

  • المستطرف في كل فن مستظرف للابشيهي ج٣ *معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان ج٢ ص ٣٧

  • مقامات أبي سعيد الخير ص ٢٣٩

  • تذكرة الأولياء للعطار ترجمة الخرقاني والمكي

  • فيض القدير لعبد الرؤوف المناوي

  • مرشد الزوار إلي قبور الأبرار لموفق الدين ص ٥٤ ج١

  • أدب الدنيا والدين لابن ابي الدنيا باب الأولياء