حديث النبيﷺ عن شرف مدحه
أحاديث المعاملات

روي عن حضرة النبيﷺ لَا تُطْرُونِي كما أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فإنَّما أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولوا: عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ

( صحيح البخاري)

 الإطراءُ هو: الإفراط في المَديحِ وتجاوز الحدِّ فيه

والمعنى لا تَمْدَحوني بما ليس لي مِن الصفات كما وصفت النَّصارى عِيسى ابنَ مريم بما لم يكن فيه فزعموا أنَّه ابنُ اللهِ فكفروا بذلك وضلوا

وقدْ بين الله سبحانه وتعالى في كِتابِه ما كان عليه النصارى مِن الغُلوِّ وحَذَّرَهم مِن ذلك

ومنه قولُ اللهِ تعالَى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [ سورة النساء].

فأمرنا حضرة النبيﷺ بأن نقول إنّه عبد اللهِ ورسوله فجمع بين وصفه بالعبودية للهِ ووصفه بالرسالة

ومَدْح حضرة النبيﷺ بما فضله اللهُ به وشرَّفه به من صفات خلقية وأخلاقية هو واجب على كلِّ مَن بعثه الله إليه مِن خلقه

[[ وقال العارف بالله علي الخواص:-

قوله ﷺ لا تطروني كما أطرت النصارى سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام معناه عدم القول بأن رسول الله ﷺ ابن الله أو حل في ذات الله أو حلت به ذات الله مما قاله النصارى لا غير

وإلا فرسول الله لا يعرف قدره غير ربه كما أخير بذلك عن نفسه وقد أجمعت جميع الملل والديانات على أن النبي الخاتم هو أفضل موجود أوجده الله عزّ وجل

بل إن الحديث السابق فيه تلويح وإشارة بالأمر بمدح حضرة النبيﷺ وذلك لو كان النهي عن مدحه مراد الحديث لقال (لا تطروني) أو ( لا تمدحوني) ولم يقيد هذا الإطراء بألا يكون على طريقة النصارى

وإنما قال ذلك وقيده بالقيد المذكور لعلمه أن الحق لا يقبلنا إلا إذا آتيناه من بابه ﷺ

فكأن المعنى ما دام أنه لا بد لكم من الإطراء والمدح لأن قبولكم ممنوع بغيره ودخولكم باب ربكم متوقف عليه ﷺ

فافعلوا ( أي امدحوني ولكن ) لا تقلدوا النصارى في مدحهم نبيهم بجعلهم له ابن الله و متحدا به

فأفادنا الحديث الأمر بالمدح ولا تظن أن المدح المقصود هو مجرد القول باللسان وإنما المقصود الأصلي اعتقاد ذلك والقول له تبع .

وللعلماء في الأجوبة عن هذا الحديث في كتب الشمائل الكثير من الأجوبة فراجعها تقف على حقيقة المعنى ]]

{ الميزان الذرية لعبد الوهاب الشعراني}

ورحم الله تعالى الإمام البوصيري حيث قال في بردته النقية بمدح حضرة النبيﷺ خير البرية فقال:-

دَعْ ما ادَّعَتْهُ النَّصارَى في نَبيِّهِمِ

بما شِئْتَ مَدْحًا فيهِ واحْتَكِمِ

وانْسُبْ إلى ذاتِهِ ما شِئْتَ مِنْ شَرَفٍ

وانسب إلى قَدْرِهِ ما شِئْتَ منْ عِظَمِ

فإن فضلَ رسولِ اللهِ ليسَ لهُ

حَدٌّ فيُعْرِبَ عنه ناطِقٌ بفَمِ

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين

                                     ****