حديث النبيﷺ قرب القلوب لله وليس القوالب
أحاديث المعاملات

روي عن حضرة النبيﷺ إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم وإنما ينظر إلى قلوبكم ( أخرجه مسلم )

الأعمال والاقوال من معاملات وعبادات ودعاء ورجاء لابد من توجه وحضور القلب مع ربك فيها ولا يكون لسانك وعينك وذهنك مع غير الله تعالى من زوجة وولد مصلحة وهموم وغموم. او مع وجود الذنوب والجرأة علي فعلها

او كالذي يذكر بلسانه ويتكلم مع الناس أو ينظر للتلفاز أو يلهو بلا أدب مع رب الناس فكيف يقبل منك أو يرفع مطلبك . لأن ربك غيور لا يحب أن يكون في قلب عبده غيره خاصة وقت التوجه إليه بعمل وعلم وطلب

فلقد روي في الأثر:- مر سيدنا موسى علي راعي غنم، فجلس يدعو ويبكي فقال: (يا رب) يريد شيئاً، فقال موسى برحمة النبوة: يا رب! لو الأمر بيدي لاستجبت له، فقال الله تعالى: (يا موسى! صاحبك يدعوني بلسانه وقلبه عند غنمه، وأنا لا أستجيب لعبد لسانه معي وقلبه مع غيري).

[[ يروى أن ذا النون كلما أراد الوقوف للصلاة كان يقول

يا إلهي بأى قدم اجئ الي حضرتك وبأى لغة أنطق اسمك وبأي عين أنظر الي قبلتك وبأي لسان أتحدث بسرك أغنيتى دون غنى فجئت إلى الحضرة وطالما كانت هناك ضرورة ( للوقوف بين يديك ) تمسكت بالحياء .]]

{ تذكرة الأولياء للعطار ترجمة ذي النون المصري}

   * اقوال العارفين في ذلك*    
  • الإشارة الأولي:-

[[ أبو سعيد الخير:- قيمة كل امرئ قلبه ، لأن الصور هو الصدف ، والقلب هو الجوهر والملوك لا ينظرون إلى الصدف ، بل ينظرون إلى الجوهر والجواهر مختلفة ، وقيمة كل امرئ قلبه ، وعاقبة كل امرئ قلبه والقلب ناظر بالفضل والرحمة قال تعالى : {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ( سورة الجمعة) } {والله يختص برحمته من يشاء ( سورة البقرة) }

الدنيا صوركم والآخرة صوركم وجميع ما في الكونين صوركم .

فالمقامات حركات الظواهر والأحوال حركات السرائر ، والتوحيد والمعرفة وراء الظواهر والسرائر ولا يصل العبد بروح التوحيد وصفاء المعرفة إلا بكفاية ورعاية وعناية من الحق تعالى وتقدس ]] { مقامات الشيخ أبي سعيد ص 295 }

    * قصة للبيان*
  • [[ قال ذو النون المصري: إنه خرج بمصر يستسقي، فاستعان برجل اصابه الشلل النصفي وقد قطع الجذام يديه ورجليه وسأله أن يستسقي فنظر الرجل المفلوج إلى السماء وضحك وقال : بقرب ماكان بيننا البارحة. ثم قال : ریـاه أنت خلقتنـي ورزقتنـي وسـتـرتنـي

وعـن العبـاد بفضـل مـا خـــــولـتـنـي أغنيتــــي

وإذا مـرضـت شفيتنـي وإذا دعـوت أجبتنـي

وإذا هـربـث رددتنـي وإذا زللـتُ أقلتنـي

وإذا عصيت رحمتني وإذا أطعـت جـزيتنـي

بـاسـيـدي كن راضيا عنّي، فقـد أرضيتنـي

ثم قال الرجل ياذا النون إن الله تعالى يريد قرب القلوب لاعمل الجوارح ( بلا حضور للقلب ) قال ذو النون فنزل المطر كأفواه القرب .]] { المختار من مناقب الأخيار ج٥ ص ٤٣١ }

[[ مر الحسن البصري على باب صومعة حبيب العجمي وقت صلاة العشاء وكان قد قام للصلاة ووقف، فدخل الحسن ليصلي خلفه وكان حبيب يقرأ الحمد ( الهمد ) بسبب أن لسانه أعجمي فقال الحسن إن الصلاة خلفه ليست صحيحة ولم يقتد به وكبر للصلاة بنفسه.

ولما حل الليل نام الحسن البصري فرأى الحق تبارك وتعالى في المنام، فقال: يا إلهى، فيم (يكون) رضاؤك ؟ قال المولي عز وجل كنت قد أدركت رضاءنا يا حسن فلم تعرف قدره قال: يا إلهى وما هو ؟

فقال المولي عز وجل لو أنك صليت خلف حبيب لكنت قد نلت رضانا وسوف تكون هذه الصلاة أفضل من صلوات عمرك كلها لكن منعك سقم العبادة عن صحة النية وفرق كبير بين استقامة اللسان واستقامة القلب.]]

{ تذكرة الأولياء للعطار ترجمة حبيب العجمي}

  • الإشارة الثانية:-

[[ وقال عبد القادر الجزائري:-

من بعض ما دل عليه هذا الخبر من المعاني:- أن المولي عز وجل لا ينظر بمعني لا يبالي ولا يتوجه بنظر خاص نظر عناية فهو سبحانه وتعالى يرى ويبصر الأشياء حال عدمها وحال إيجادها ولكنه لا ينظر إليها بمعنى يتوجه إليها توجها خاصا بنظر مخصوص ورؤية مخصوصة ، بخير أو شر إلا إذا أراد ذلك ولله عز وجل كذا وكذا نظرة في اليوم إلى القلب . (يشير الامام الي الخبر الوارد :- أن الله تعالى ينظر في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة إلى قلب العبد )

وقوله إلى أجسادكم؛-

يعني إذا كان الجسد مثلاً في المسجد والقلب في السوق أو في أرضه وذرعه أو كان الجسد في أحد الأماكن الشريفة مكة أو المدينة أو بيت المقدس والقلب في غيرها من المشرق أو المغرب فلا ينظر الله - تعالى - إلى الجسد ، بمعنى لا يبالي به حتى يتوجه إليه بالنظر الخاص والرؤية الخاصة ليفيض عليه من خيراته ، وأنواع كرامته وتجلياته .

،وقوله ولا إلى صوركم:-

يعني لا يبالي بها إذا كانت جميلة كاملة أو كانت قبيحة ناقصة فإن الله تعالى ما رتب على ذلك خيرا ولا شرا ، ولا ثوابا ولا عقابا ، ولا كرامة ولا إهانة.

لأن الإنسان ما حصل له الشرف على جميع المخلوقات بحسن شكله وصورته فإن الصورة في الحائط أو الورق مثله ، ولا بكبر جسمه فإن الفيل أكبر . ولا يشجاعته فإن الأسد أشجع منه ولا بكثرة نكاحه فإن أقل العصافير أكثر سفادا منه فما كان له الشرف إلا بإنسانيته وهي قلبه

عليك بالنفس فاستكمل فضائلها فأنت بالقلب لا بالجسم إنسان

ولذلك قال « وإنما ينظر إلى قلوبكم » لأنها محل تجلي الحق سبحانه وتعالى وهي التي وسعته بالعلم والمعرفة والظهور بالأسماء والصفات . كما روي في الخبر عن رب العزة جل وعلا :- « ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمنين فلا يسعه سبحانه وتعالى إلا علمه فالقلب هو علم الحق تعالى فافهم .

*معنى نظر المولي عز وجل للقلوب *

أنها هي التي يبالي بها ( فنظره تعالي من جهتين )

الجهة الأولي:-

يتوجه بالنظر الخاص إليها للإسعاد والإكرام بالعلوم وأنواع الكرامات الحسية والمعنوية والجهة الثانية :-

نظرة الشقاء والإبعاد والحجاب وأنواع الإهانة.

فلا يقبل الحق سبحانه وتعالى الأعمال الصالحة إلا تبعا للقلوب ولا يعاقب على الأعمال السيئة إلا مع القلوب فإن القربات لا تكون قربة إلا مع النية . كما قال النبيﷺ : « إنما الأعمال بالنيات » وهي القصد بمعنى حضور القلب المستلزم لحضور الرب وكذلك السيئات لا تكون سيئة حقيقة في الدنيا والآخرة إلا مع القلب .]]

{ المواقف الروحية للجزائري الموقف رقم ٨٧ بتصرف }

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين