حديث النبيﷺ مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا
أحاديث المعاملات

فضل العلم والتعلم

روي عن حضرة النبيﷺ مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا ، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ ، وإنَّ الملائِكَةَ لتَضعُ أجنحتَها لطالِبِ العلمِ رضًا بما يصنعُ وإنَّ العالم ليستغفِرُ لَهُ مَن في السَّمواتِ ومن في الأرضِ ، حتَّى الحيتانِ في الماءِ ، وفضلَ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ ، وإنَّ العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا إنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه في سننه

    * الإشارة الأولي في الحديث* 

حتي تتعلم ونستفيد بالعلم لابد وأن تحترم من تتعلم منه فإن لم يكن ذلك فلست ممن ينالهم هذا الفضل من الحديث لأن الضرير لا يري نور الشمس والقمر كذلك اعمي القلب والبصيرة إذا أساء الأدب وحقرت عالما واستصغرت شأنه فلن يصل إليك نور العلم حتي وان علمته كمثل الحمار يحمل اسفار فنور العلم كنور القمر لا يدخل قلبك إذا عميت بصيرتك بسوء أدب لسانك وكبرياؤك علي من تتعلم منه

قال العارف بالله عبد الوهاب الشعراني:- ( لابد ومن الواجب) أن نكرم العلماء ونجلهم ونوقرهم ولا نرى لنا قدرة على مكافأتهم ولو أعطيناهم جميع ما نملك أو خدمناهم العمر كله.

وقد أخل بذلك غالب طلبة العلم والمريدين حتى لا نكاد نرى أحدا منهم يقوم بواجب حق معلمه، وهذا داء عظيم في الدين مؤذن باستهانة العلم وبأمر من أمرنا بإجلال العلماء وهو حضرة النبيﷺ

   * ومن علامات الأدب مع العالم "

قال العارف بالله عبد الوهاب الشعراني:- ١- بلغنا عن الإمام النووي أنه دعاه يوما شيخه الكمال الإربلي ليأكل معه فقال يا سيدي أعفني من ذلك فإن لي عذرا شرعيا فتركه

فسأله بعض إخوانه ما ذلك العذر؟ فقال أخاف أن تسبق عين شيخي إلى لقمة فآكلها وأنا لا أشعر.

٢- وكان النووي رضي الله عنه إذا خرج للدرس ليقرأ على شيخه يتصدق عنه في الطريق بما تيسر ويقول اللهم استر عني عيب معلمي حتى لا تقع عيني له على نقيصة .

٣- وقبَّل زيد بن ثابت يد ابن عباس حين أخذ ابن عباس بركابه، وقبَّل علي بن أبي طالب يد العباس ورجله،

قال النووي رضي الله عنه: تقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه أو صيانته أو نحو ذلك من الأمور الدينية لا يكره بل يستحب.

فينبغي للطالب أن يخاطب شيخه بالإجلال والإطراق وغض البصر كما يخاطب الملوك ولا يجادله قط بعلم استفادة منه في وقت آخر على سبيل التعرف، فيقول يا سيدي سمعناكم تقررون لنا أمس خلاف فماذا تعتمدون عليه من التقريرين الآن حتى نحفظه عنكم؟ ونحو ذلك من الألفاظ التي فيها رائحة الأدب، . فلقد روي عن حضرة النبيﷺ البركة مع أكابركم رواه الطبراني والحاكم

وروي عن حضرة النبيﷺ ليس منا من لم يوقر الكبير ويرحم الصغير. رواه الإمام أحمد والترمذي وابن حبان

وروي عن حضرة النبيﷺ تواضعوا لمن تعلمون منه. ( رواه الطبراني مرفوعا )

حكمة:- (من حرم الأدب حرم المدد ومن نظر للعالم بحسن التربية أصبح من أهل الترقية ) من تعلم باب من العلم فهو نجم خافت ضؤه لانه ينفع نفسه ومن تعلم علما وعمل به وعمل به غيره فهو كالقمر ضوءه ساطع ولغيره نافع .

كما روي عن حضرة النبيﷺ عن أَبِي ذَرٍّ قَالَ قال لِي رَسُولُ الله ﷺ :  يَا أَبَا ذَرٍّ لَأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ وَلَأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ بَابًا مِنْ الْعِلْمِ عُمِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْمَلْ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ..

      * الإشارة الثانية* 

قول حضرة النبيﷺ العالم ليستغفِرُ لَهُ مَن في السَّمواتِ ومن في الأرضِ

أن استغفار من في السماء والأرض تكريما لاهل العلم ولأن العالم مهما كان قدره فإنه ليس بمعصوم كالانبياء والمرسلين فإذا زلت قدمه بمعصية يقبل توبته قبل أن يستغفر ويتوب لأن الملائكة دعاؤها مستجاب فيظل طاهرا

ومن جهة أخري أن من معاني الاستغفار أن الملائكة ومن في السماء والأرض من ملك وانس وجان يستغفرون له فيكون الاستغفار وقاية له من الوقوع بكثرة الذلات لأن المغفرة من المغفر الذي يوضع علي الرأس في الحرب حتي يحفظ راس المحارب من ضربة السيف فيكون الاستغفار وقاية له من الوقوع في الخطأ ولا حرج على فضل الله تعالى

   * الإشارة الثالثة *

قول حضرة النبيﷺ حتَّى الحيتانِ في الماءِ اختص بالذكر الحوت لعله بسبب الكرم الذي اكرم الله تعالي هذا المخلوق به وهو دخول سيدنا يونس في بطن الحوت وظل يذكر ربه ويستغفره بقوله لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين.

فأصبح بطن الحوت مسجدا لنبي الله سيدنا يونس فكانت تلك كرامة ومنحة لهذا المخلوق فيستغفر الله تعالى للعالم والعلماء من باب الشكر تبعا لفضل الله تعالى علي سيدنا يونس لأن العلماء ورثة الأنبياء لتكريم الوارث وهو العالم بالاستغفار هو حقيقة تكريم لمن ورثه وهو نبي الله سيدنا يونس

        * الإشارة الرابعة * 

قول حضرة النبيﷺ وفضلَ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ

الوجه الأول: شبه العالم بالقمر لأن القمر يستمد نوره من الشمس والعالم يستمد نوره من نور المصطفي علما وحالا ومقالا بسنته وهديه فهو شمس العافية في الدنيا وشمس العفو بالشفاعة يوم القيامة وشمس التوحيد بدخول العباد في وحدانية الله تعالى

الوجه الثاني:- وكذلك شبه العالم بالقمر لأنه غير محرق كالشمس بل هاديء ولطيف وتلك صفة العالم الهادئ الذي يكون نورا لقلوب العباد ويخرجهم من ظلمات الفساد والوهم والجفاء والبعد الي رحمة الله والشفقة علي العباد فيكون العالم مصباح نور يهتدي الناس به الي شاطئ النجاة الذي يقف عليه حضرة النبيﷺ منتظرا أمته لبدخل بهم الي الجنة وسعة رحمة الله تعالى

الوجه الثالث:- أن القمر يبدأ هلال في أوله ثم يصبح بدر وسط الشهر ثم يصبح محاق وهو آخر الشهر كذلك العالم يبدأ هلال فيكون في بداية علمه ثم باخلاصه وفضل الله عليه اولا واخرا يصبح بدرا للأمة ثم يقترب اجله ويخفق نوره بالموت وهو المحاق ثم يبعث المولي عالما اخر يجدد للأمة أمور دينها وهكذا سنة الله في خلقه كما قال حضرة النبيﷺ إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد للأمة أمر دينها .

     * الإشارة الخامسة * 

قول حضرة النبيﷺ وإنَّ العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا إنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ

اعلم يا ولي في الله أن الميراث عامة نوعان ظاهري وباطني الظاهري من العلم الظاهر من معاملات واخلاق وطريقة وأسلوب والميراث الباطني من علم القلوب والاحوال والمقام عند الله تعالى

ميراث الظاهر :- علماء الشريعة مما جاء به سيدنا المصطفي ﷺ من سنته قولا وفعلا وتقريرا من عبادات ومعاملات

وميراث الباطن ؛- من علوم الأحوال القلبية والعلاقة الخاصة بينةسبدنا النبي ورب النبيﷺ وهو ميراث حاله مع ميراث أحواله وهي لاهل الله من الأولياء والصالحين الذين ورثوا الظاهر والباطن الشريعة والحقيقه الاسلام والإحسان

فعلي قدر حال وعلم العلم والعارف يرث من حضرة النبيﷺ ما يفتح الله تعالى به عليه وكلاهما العلماء والاولياء نبراس ونور هداية للأمة . واعلم أن الوارث لا ينال ذرة من ميراث حضرة النبيﷺ الا بحسن الأدب مع حضرته بتعظيم
قدره وقدر سنته ومعرفتهم به واجلالهم لشريعته وفيامهم بادابه

[[ قال العارف بالله أبو العباس الملثم:- لم تكن الأقطاب أقطابا والأوتاد أوتادا والأولياء أولياء إلا بتعظيمهم رسول الله ﷺ ]] { رفع أعلام الـنـصـر بـذكـر أولياء مصر ج٣ ترجمة الإمام}

ولن يكتمل هذا الميراث جملة وتفصيلا الا بالمهدي الذي يظهر اخر الزمان ثم بنزول سيدنا عيسى عليه السلام فيكون الميراث النبوي الظاهر والباطن حالا ومقام وقولا وفعلا وتقريرا بالمهدي وسيدنا عيسي

فكما بدأت النبوة وختمت بالنبي كاملة متكاملة تختم الولاية العلمية والعملية بالميراث كاملة متكاملة بالمهدي وبسيدنا عيسي حيث يكون نبيا ولكن بشرع رسول اللهﷺ فيكون واحدا من أمته .

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين