حديث النبيﷺ وجعلت قرة عيني في الصلاة
أحاديث المعاملات

روي عن حضرة النبيﷺ حبب إليّ من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة

( أخرجه النسائي)

[[ قال العارف بالله ابن غانم المقدسي :؛

تعلم من هذا الحديث أولا :-

لم يرد النبيﷺ بهذه الثلاثة التمتع للشهوة والدليل علي ذلك: أولا :. لأنه جاء بلفظ مفعول ما لم يسم فاعله بقوله حبب إلي فكأنه لم يكن الحب من نفسه ولا من تلقائه بل كأنه الزم بذلك

ثانيا :- أنه قال من دنياكم وأضافها إلينا ولو أحبها لأضافها إلى نفسه صلي عليه وسلم

فأما قوله : «الطيب» فما أحبه إلا لملاقاة الملائكة ومُناجاة الحق سبحانه وتعالى صاحب أن يتطيب لذلك، لا لأنه شهوة نفسه

وأما النساء فلأنه أراد التناسل العباد وكثرة الخلق لتكثر منه قال النبيﷺ تناكحوا تناسلوا فإني مُباه بكم الأمم يوم القيامة»،

وأما ما كان حظ قلبه ومرآة ربّه فأضافه إلى نفسه وإلى أحب الأعضاء إليه وأعزها عليه فقال وجُعِلَت قُرَّة عيني في الصلاة

فلا يتوهم متوهم أنه أحب شيئًا من الدنيا للتمتع والتلذذ فيُسيء الظن بنبيه، كيف وقد عرضت عليه مفاتيح كنوز الأرض وبطحاء مكة ذهبًا فأبى أن يَقْبلها أتراه أعْرَض عن الكل ثم يريد البعض حاشاه من ذلك وإنما لما وصلت إليه هذه الهدية رأى أنه لا بدَّ من قبول شيء منها ]] .

[[ قال العارف بالله عبد القادر الجيلاني :-

افن عن الخلق بإذن الله تعالى عن هواك بأمر الله تعالى حيث قال تعالى:- { وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (سورة.المائدة) } وعن إرادتك بفعل الله تعالى وحينئذ تصلح أن تكون وعاء لعلم الله تعالى.

وانواع الموت الحقيقي ( الفناء )

(١) فعلامة فنائك عن خلق الله تعالى:- انقطاعك عنهم وعن التردد إليهم واليأس مما في أيديهم،

(٢) وعلامة فنائك عن هواك ترك التكسب والتعلق بالسبب في جلب النفع والضرر فلا تحرك ولا تعتمد عليك ولا لك ولا تنتصر لنفسك تكل ذلك كله إلى الله تعالى لأنه سبحانه وتعالى قد تولاه اولاً فيتولاه آخراً كما كان موكولاً إليه في حال كونك مغيباً في الرحم وكونك رضيعاً طفلاً في مهدك, 

(٣) وعلامة فنائك عن إرادتك بفعل الله:- أنك لا تريد مراداً قط ولا يكون لك غرض ولا يبقى لك حاجة ولا مرام فإنك لا تريد مع إرادة الله سواها بل يجري فعل الله فيك.

فتكون أنت عند إرادة الله وفعله ساكن الجوارح مطمئن الجنان منشرح الصدر منور الوجه عامر البطن غنياً بربك عن كل شئ تقلبك يد القدرة ومعلمك ربُّ الْمِلَلْ ويكسوك من أنواره وينزلك منزلة أهل العلم فتكون منكسراً أبداً فلا تثبت فيك شهوة وإرادة وتكون نقيا من أخلاق البشرية فلن يقبل باطنك شيئاً غير إرادة الله عزَّ وجلَّ.

فحينئذ يمنحك ربك سر التكوين ( كن فيكون ) وتخرق لك العادات ( الكرامات ) فيرى الخلق ذلك منك في ظاهر الفعل والحكم وهو ( حقيقة) فعل الله وإرادته في العالم فتدخل حينئذ في زمرة المنكسرة قلوبهم الذين كسرت إرادتهم البشرية وأزيلت شهواتهم الطبيعية فاستؤنفت لهم إرادة ربانية .

كما قال حضرة النبيﷺ (حبب إليّ من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة)

فأضيف ذلك إليه بعد أن خرج منه وزال عنه تحقيقاً بما أشرنا وتقدم

( أي حببه الله تعالى في هذه الثلاث بسبب تعلقه وانشغاله بربه بفنائه فيه عز وجل فلما استقر حاله وثبت مقامه عاد إلي بدايته وسيرته التي اراداها الحق له لإعمار الوجود لانه لن يشغله شئ بعد ذلك عن ربه .]]

.

  • المراجع *

فتوح الغيب لعبد القادر الجيلاني*

  • إفراد الأحد عن إفراد العدد لغانم المقدسي

  • شموس الانوار ومعادن الأسرار للعارف بالله محمد المرون ص ٣٥٠ .

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين