قطرة من بحر حكمة العارفين ج ٣٨ 
قطرة من بحر حكمة العارفين

قطرة من بحر حكمة العارفين ج ٣٨  :-

*  النفس عدوة  فمن أطاعها عصاه الكون كله ومن خالفها
اطاعه الكون كله

معنى وحقيقة الإرادة : -

إرادة العبد عين حظه وهو رأس الدعوى وإنما الجمع والوجود فيما يراد بالعبد من الله لا فيما يريد قال تعالى : ﴿ وإن يردك بخير فلا راد لفضله )

فصحة الإرادة بذل الوسع واستفراغ الطاقة مع ترك الاختيار والسكون تحت مجاري الأقدار فتكون بين يدي ربك كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء .

  • كل شيء تتعلق به سوي مولاك فهو حجاب ولن تدخل حضرته وأنت متعلق بالدنيا وشهواتها وبنفسك

فإذا أخرجت من قلبك السوي ولم يبق فيه إلا المولى أعانك مولاك وأفناك عنك وصلحت لحضرته

قال العارف بالله عبد القادر الجيلاني : 

ما وصلت إلى الله بقيام ليل ولا صيام نهار ولا دراسة علم ولكن وصلت إلى الله تعالى بالكرم والتواضع وسلامة الصدر

[ فإن بالكرم تخرج من علائق الدنيا وبالتواضع تخرج من علاقة النفس وبسلامة الصدر تخرج من علاقة السوى ولم يبق مطلب إلا المولى وهذا غاية بغية العارفين ونهاية مطلب الوارثين المتمكنين ]

قال ابن عباد النفري في مخاطباته :-

اوقفني الحق تعالى بين يديه وقال لي أعلم عبادي أني لا أتعرف لأحد منهم إلا بعد فراغه من الميل إلى شيء سواي في الدارين كما عليه أنبيائي وأوليائي

فإن كل من مال إلى سواي لا يصح له معرفتي بل أسجنه في سجن ذلك الغير وإذا سجنته فيه جهلني وحجبته عني بأعظم الحجب

كما إني لا أتعرف لأحدٍ من عبادي إلا بعد حجابه عن شهود نفسه وبعد تجرده من رؤية حسناته وسيئاته .

اللهم إني أسألك الإقبال عليك والإصغاء إليك والفهم عنك والبصيرة في أمرك والنفاذ في طاعتك والمواظبة على إرادتك والمبادرة في خدمتك وحسن الأدب في معاملتك والتسليم والتفويض إليك

من عرف ربه لا يحزن وانظر إلى قوله تعالي علي لسان النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى

[ إلَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ] كيف علل عدم الحزن بالمعية فهي دافعة للحزن أينما كان المرء من سهل أو إلى جبل أو بر أو بحر أو حديقة أو شوك أو بلاء أو غيره

فعلى المرء ألا يطمع في شيء سوى الحضور مع الله فإنه لو لم يكن مع الله لم يحصل له مطلبه

  • حقيقة الإخلاص في العبودية لله تعالى:-

قال العارف بالله اسماغيل حقي الخلوتي :

اشتكيت إلى حضرة شيخي يومًا عن كثافة الحجاب فقال لي من وجه العتاب: هذا ليس من كلام أهل الطريقة

إنما اللائق بك أن تنظر إلى قوله تعالى: [ مُخْلِصِينَ لَهُ الدين ] فتعبد ربك وأنت عبد حق لا أن تعبده لإزالة الحجاب وظهور الحرارة للقلب وحصول الكشف والعلوم والأذواق

فإن دنيا أهل الطريقة العلم الظاهر من القوانين والرسوم وهو حجاب ظلماني ومن يبحث عن العلم الباطن من الأذواق والكشف هو حجاب نوراني والتقيد بكليهما حجاب عن ربك عز وجل

فإن الدنيا والآخرة حرام على أهل الله وإنما المنع والعطاء بيد الله وينبغي لعبد الحق عز وجل أن يكون المنع والعطاء سواء عنده ألا ترى إلى قوله تعالى: [ لكيلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ]

فإن جذب المحبوب ودفع المكروه من الشهوات عند أهل الله فاترك التصرف بتصرف الحق فيك بما أراد اللهم اجعلنا عبيدا مطلقين وبحقيقة العبودية متحققين

وإلي الجزء ٣٩ من بحر حكمة العارفين:- .