قطرة من بحر حكمة العارفين ج ٥٢
قطرة من بحر حكمة العارفين

قطرة من بحر حكمة العارفين ج ٥٢

  • الهموم بلا سبب كفارة لبعض الذنوب والانشراح الذي بلا سبب هو ثمرة عمل صالح

  • حقيقة التوكل عند العارفين:

من عادة المتوكل السكون عند القبض. ومن جرى مع الله على عادة العوام رزقه من الكسب والعناء ومن جرى معه على عادة أوليائه رزقه من غير كسب ولا عناء.

أرزاق المتوكلين تجري لهم على أيدي غيرهم والغير فيها متعوب

إن السيدة مريم عليها السلام في ابتدائها رزقها الله من غير سبب فكان زكريا إذا دخل عليها وجد عندها رزقاً

فلما عرفت الله سبحانه وتعالى أمرها بالأسباب فقال لها ( وَهُزِي إِلَيْكِ بجزع النخلة )

فلما عرفت مريم عليها السلام ربها عز وجل أمرها بالتسبب إثباتا للأسباب المقتضى الحكمة الإلهية وهذا تحقيق مقام التوكل وأعلى درجته وهو مقام محققي المتوكلين ودونه هو السكون إلى الله من غير اضطراب بالأسباب

فمقام مريم الأول وهو مقام عارفي المتوكلين ودونهما الاضطراب بالأسباب من غير اعتماد عليها وهو مقام غاية المتوكلين

فالمحققون من المتوكلين أعلي بالعلم من غيرهم الذين جهلوا حقيقة التوكل بالاعتماد علي الله تعالى مع الأخذ بالأسباب فأثبتوا ما أثبتته الحكمة الإلهية وعملوا به تحقيقا للعبودية والله هو الحكيم العليم.

  • حكمة تلقين الشهادة للمحتضر :-

قال اسماغيل الجبرتي :

ورد أن المحتضر تحضره الشياطين في صورة من مات من أهله ليغووه فمن أراد الله أن يثبته وثباته على الدين الحنيفي نصره حينئذ بحضور الملائكة تطرد عنه تلك الشياطين

أو يؤيده الله تعالى بالتعريف لهم أنهم شياطين فلا يقبل قولهم ولهذا شرع تلقين المحتضر شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله

إلهاما له وتذكيرا، وتأنيسا، وتثبيتا فإن فتنة ذلك الوقت أشد الفتن أعاذنا الله منها وثبتنا وحمانا عنها.

( العطر الوردي في كرامات اسماعيل الجبرتي )

وقال محيي الدين ابن العربي:-

فيما قال في الاستعاذة من فتنة المحيا والممات فمنها ما لا يعانيه عند كشف الغطاء عن بصره

فيعاني ما يكون في حال النزاع من رؤية الشياطين الذين يتصورون له على صورة من سلف من آبائه وأقاربه وإخوانه

بأحسن زي وأحسن صورة ويعرفونه بأنهم ما وصلوا إلى ما هم فيه من الحسن إلا بكونهم ماتوا مشركين بالله

فيقولون له مت نصرانيا، أو يهوديا، أو مجوسيا، أو معطلاً ليحولوا بينه وبين الإسلام

فينبغي للحاضرين عنده في ذلك الوقت من المؤمنين أن يلقنوه شهادة التوحيد ويعرفوه بصورة هذه الفتنة ليتنبه بذلك فيموت مسلما موحدا مؤمنا

فإنه عند ما يتلفظ بشهادة التوحيد ويتحرك لسانه بها ويظهر نورها في قلبه بتذكره إياها فإن ملائكة الرحمة ترد عنه تلك الصور الشيطانية التي تتولاه وتطرد تحضره.

( الفتوحات المكية لإبن العربي )

وإلي الجزء ٥٣ من بحر حكمة العارفين:- .