قطرة من بحر حكمة العارفين ج ٥٧
قطرة من بحر حكمة العارفين

قطرة من بحر حكمة العارفين ج ٥٧

  • الاعتكاف هو فخ التجريد :-

اعلم أن الاعتكاف هو فخ التجريد وهو من لباب العبودية وهو أعظم أوصاف الذات وفي الأصل العبودية كلها اعتكاف

فالصلاة والصوم والذل والقراءة وقيام الليل والعزلة والصمت وغض البصر والسمع والمجالسة بين يدي الرجال، وعدم التدبير والاختيار، والرضى بالواقع

ومراقبة الله تعالى والتجريد، والزهد والقناعة من الدنيا واليقظة، ومجانبة أهل النقص، كل ذلك اعتكاف، وتخريب الجاه، وعدم الرياسة اعتكاف أيضاً

إلى ما ليس له حصر من أوصاف العبودية الظاهرية والباطنية فالعبودية كلها جلال وهي مفتاح الجمال الذي هو أعظم من الاعتكاف بل الاعتكاف شجرة وأوصاف العبودية كلها أغصان لها .

  • من نظر الي الله في الوجود كله :-

اعلم أن الله سبحانه وتعالى قال [ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمُ عَلِيمٌ ﴾ . ومن ذلك أنك إذا نظرت في الوجود كله غير الله نظر الوجود كله فيك غير الله

فإذا تكرمت على الوجود تكرم عليك الوجود كله وإذا بخلت على الوجود بخل عليك الوجود كله. وإذا ظننت في الوجود سوء ظن الوجود كله فيك سوءاً

وإذا ظننت في الوجود خيراً ظن الوجود ومن فيه كله فيك خيراً. وإذا أحسنت للوجود أحسن الوجود كله لك. وإذا أسأت للوجود أساء الوجود كله لك

وإذا خنت الوجود خانك الوجود كله وإذا عظمت الوجود عظمك الوجود كله وإذا حقرت الوجود حقرك الوجود كله وهكذا إلى ما لا ينحصر .

معني ذلك أن الوجود كالمرآة بما قابلته يُقابلك وذلك لأن نَفْسَكَ نسخة من الوجود والوجود نسخة منك ونفسك تعدل الوجود كله والوجود يعدل نفسك

الشاهد علي ذلك قوله تعالى : [ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا نَكَانَما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ]

  • من استقر في حالة ولم يتخلق بضدها فهو محجوب عن مولاه عز وجل. :-

وهذا قياس صحيح لأن كل من تراه استقر في حالة ولم يتخلق بضدها فهو محجوب عن مولاه فيها وعلامات الكمال هو التطور بك في المقامات والأحوال

فمن كانت همته بالله أو في الله حتماً لا يستقر في حالة واحدة وإنما يكون وصفه هو وضف مولاه ومن أوصاف مولاه [ كل يوم هو في شأن ﴾ طيب الماء من طيب الرمل وطيب العبد من طيب الموالي .

.

وإلي الجزء ٥٨ من بحر حكمة العارفين .