العارف بالله ابراهيم الدسوقي
من أحوال وأقوال بعض العارفين

من اقوال وحكم العارف بالله ابراهيم الدسوقي:-

  • لا يكمل الرجل حتى يكون محباً لجميع الناس مشفقاً عليهم ساتراً لعوراتهم فإن ادعى الكمال وهو على خلاف ما ذكرناه فهو كاذب

.* ليس الزهد خروج العبد عن الشيء ( من عمله وحرفته) إنما الزهد أن تكون داخلا في إمارتك أو صنعتك وقلبك ذاكر مفكر مجاهد مرابط مخمول الذكر ( بين الناس) مشتغلا بذكر الله عز وجل

( كما قال أحد العارفين: الرجل الكامل من يكون مع الناس ببدنه يتاجر ويعمل وقلبه مع ربه )

.

  • لا تنكروا على العبد الطالب لربه حاله ولا لباسه، ولا طعامه، ولا على أي حال كان، ولا على أي ثوب يلبس ولا إنكار على أحد إلا إن ارتكب محظوراً صرحت به الشريعة

لأن الإنكار يورث الوحشة والوحشة سبب لانقطاع العبد عن ربه عز وجل فإن الناس أصناف منهم خاص وخاص الخاص ومبتدي وواصل ومتشبه، ومتحقق، ويرحم الله تعالى البعض بالبعض والقوي ما يقدر أن يمشي مع الضعيف وعكسه .

.

  • يا حامل القرآن لا تفرح بحمله حتى تنظر هل عملت به أم لا فإن الله عز وجل يقول: . "مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً" ولا تخرج عن كونك حماراً إلا إن عملت بجميع ما فيه ولم يكن منه حرف واحد يشهد عليك،

يجب على من يقرأ القرآن الكريم أن يطهر فمه للتلاوة من اللغط والنطق الفاحش ولا يأكل إلا حلالا صرفاً فإن أكل حراماً أساء الأدب ويعطر ثيابه، وبدنه

وقد كان النبي ﷺ يتعطر لذلك حتى كان إذا لمس شيئاً يمكث يفوح الطيب منه زماناً

.* لا ينبغي لحامل القرآن العظيم أن يدنس فمه بكلام حرام ولا أكل حرام ولا يتكلم في عرض مؤمن ولا مؤمنة قال تعالى:
{ "إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة" ( سورة النور ) }

ومثال من ينطق بالقرآن العظيم مع تدنس فمه بغيبة أو نميمة أو بهتان مثل من وضع المصحف في مكان فيه قاذورات.

.

  • كيف تطلبون من الله سبحانه وتعالى أن ينبت لكم الزرع أو يدر لكم الضرع وأنتم تسلون السيوف على أحد من هذه الأمة المحمدية وتلطخون السيوف من دمائهم،

  • احذر يا أخي أن تدعي أن لك معاملة خالصة ( أو خاصة مع ربك) أو حالا ( أو مقام من ولاية )

واعلم أنك إن صمت فهو الذي صومك وإن قمت فهو الذي أقامك وإن عملت فهو الذي استعملك وإن رأيت فهو الذي أراك وإن شربت شراب القوم فهو الذي أسقاك وإن اتقيت فهو الذي وقاك وإن ارتفعت فهو الذي رقى منزلتك وإن نلت شئ فهو الذي أعطاك ومنحك، وليس لك في الوسط شيء .

إلا أن تعترف بأنك عاص وليس لك حسنة واحدة وهو صحيح من أين لك حسنة وهو الذي أحسن إليك وهو الحاكم فيك إن شاء قبلك، وإن شاء ردك

.

  • يجب على المريد السالك إلى ربه أن يأخذ من العلم ما يجب عليه في تأديته الفرض والنفل ولا تشتغل بالفصاحة والبلاغة فإن ذلك شغل لك عن مرادك بل تفحص عن آثار الصالحين في العمل وتواظب على الذكر

.

  • أكل الحرام يوقف العمل ويوهن الدين، وقول الحرام يفسد على المبتدئ عمله، والطعام الحرام يفسد على العامل عمله، ومعاشرة أهل المعصية تورث الظلمة في البصر والبصيرة

وما دام لسانك يذوق الحرام فلا تطمع أن تذوق شيئاً من الحكم والمعارف الربانية ( أو أن تشعر بحلاوة الذكر والعبادة وتلاوة القرآن)

.

  • إن الله عز وجل يحب من عباده أخوفهم منه وأطهرهم قلباً وفرجاً ولساناً ويداً وأعفهم وأكثرهم عفوا وأكرمهم وأكثرهم ذكراً وأوسعهم صدراً.

  • عليك بالعمل وإياك وشقشقة اللسان بالكلام في الطريق دون التخلق بأخلاق أهلها ( فالطريق علم معه عمل ومجاهدة وتربية للنفس والخلق الحسن) وقد كان حضرة النبيﷺ يجوع حتى شد الحجر على بطنه وقام حتى تورمت قدماه

ثم تبعه أكابر الصحابة رضي الله تعالى عنهم على ذلك فكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا تنهد يشم لكبده رائحة الكبد المشوي، وأنفق ماله في سبيل الله كله

وكان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه شديد العمل والكد حتى رقع رداءه بالجلود ولف رأسه بقطعة خيش

وكان سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه يختم القرآن قائماً كل ليلة على أقدامه ( مع صيامه حتي لقي ربه وهو صائم)

وكان سيدنا علي رضي الله تعالى عنه من زهاد الصحابة، ومجاهديهم حتى فتح أكثر بلاد الإسلام

هؤلاء خواص الصحابة رضي الله عنهم مع قربهم من رسول الله ﷺ ( ومن صحابته الكرام ومن المبشرين بالجنه ومع ذلك ) كان هذا عملهم واجتهادهم وزهدهم وجوعهم فأحكموا الحقيقة والشريعة

.

  • أحبب مولاك ( واطعه بالعمل الصالح والعبادة ) يحبك أهل الأرض والسماء وأطع مولاك يطع لك الجن والإنس ويجف لك البحر والماء ويسخر لك الهواء،

  • إذا اشتغل المريد بالفصاحة والبلاغة ( واي علوم لا فائدة منها سوي ضياع الوقت وحظ للنفس ) فقد ترك الطريق وما اشتغل أحد بذلك إلا وقطع به.

وأما حكايات الصالحين، وصفاتهم فمطالعتها للمريد جند من أجناد الله تعالى ( فتذداد همة ونشاط لتكون مثلهم)

.

  • من قام في الأسحار ( اي أواخر الليل وقبيل الفجر ) ولزم فيها الاستغفار كشف الله تعالى عن الأنوار وسقاك من دن الدنو ( القرب ) من خمار الخمار ( التجليات) وأطلعت في قلبك شموس المعاني

  • إن أردت أن تجتمع على ربك فطهر باطنك وضميرك من الخبث والنية الرديئة والإضمار بالسوء لأحد من خلق الله عز وجل

.

  • لا يعصي أحدكم ربه عز وجل ويمر على الهوام ( الحشرات والكائنات الصغيرة ) الضعيفة إلا وتتمني أن الله تعالى يعطيها قوة لتبطش بك غيرة منها على جناب الحق تعالى ولا تمر على الطيور والوحوش إلا ويستعيذون بالله تعالى من رؤيتك ولا تمر في الهواء إلا ويود أن لا يكون مر بك

.

  • إذا صدقت في الإقبال على الله تعالى انقلبت لك الأضداد فعاد من كان يبغضك يحبك ومن كان يقاطعك يواصلك ومن كان لا يشتهيك يثني عليك ولا يصير يكرهك إلا مجرم أو منافق،

  • ما قطع مريد ورده يوماً إلا قطع الله تعالى عنك المدد في ذلك اليوم

  • اعلم يا ولدي أن طريقتنا هذه طريق تحقيق وتصديق وجهد وعمل ونزاهة وغض بصر وطهارة يد وفرج ولسان فمن خالف شيئاً من أفعالها رفضته الطريق طوعاً أو كرهاً

.

  • إذا سألكم أحد عن التصوف مثلا أو عن المعرفة والمحبة فلا تجيبوه قط بلسان القول والكلام حتى يبرز لكم من صدق معاملتكم ما برز للقوم فيكون كلامكم عن حاصل وعن محصول ( اي ذوق ومشاهدة)

فإذا قام أحدكم بالأوامر الدينية وصدق في العمل ترجم لسانه بالفوائد التي أثمرت من صدقه

وكل من ادعى الصدق، والإخلاص ولم يحصل عنده ثمرة الأدب والتواضع فهو كاذب وعمله رياء وسمعة لا يثمر له إلا الكبر والعجب والنفاق، وسوء الأخلاق شاء أم أبى.

  • عليكم بتصديق القوم ( العارفين ) في كل ما يقولون فقد أفلح المصدقون وخاب المستهزئون فإن الله تعالى يقذف في قلوب خواص عباده ما لا يطلع عليه ملك مقرب ولا صديق، ولا ولي.

.

  • من شأن المريد الصادق أن لا يكون عنده حسد ولا غيبة ولا ظلم ولا خداع ولا عناد ولا رياء ولا تملق ولا مكاذبة ولا كبر ولا عجب ولا ترف ولا افتخار ولا شطح ولا حظوظ نفس

ولا تصدر في المجالس ولا تري نفسك على أخيك ولا جدال ولا تنقيص لأي أحد ( حتي وان كان مشركاً) ولا سوء ظن بأحد من عباد الله تعالى ولا تقدح قط في ولي من الأولياء أو غيره من الناس إلا إن خالف صريح الكتاب والسنة

.

  • ما أجهل من جهل قدر الاولياء والتصوف الصحيح وماذا يقال في قوم كلهم طالبون الله تعالى أينكر عليهم مسلم؟ كلا والله.

وسأل الناس الإمام للجنيد رضي الله عنه :- إن قوماً يتواجدون ويتمايلون ؟ فقال دعهم مع الله تعالى يفرحون ولا تنكر إلا على العصيان المصرح به في الشريعة

أما هؤلاء القوم فقد قطع الطريق أكبادهم ومزق التعب والنصب أمعاءهم وضاقوا ذرعاً فلا حرج عليهم إذا تنفسوا مداواة لحالهم ولو ذقت يا أخي مذاقهم لعذرتهم في صياحهم وشق ثيابهم

. ( الإمام الجنيد لاةيقصد ما يحدث الآن في زماننا وبعض الأزمنة السابقة ممن يرقص ويترنح يمينا وشمالا وهو مع هوي نفسه ولم يذق شئ مما ذاقه العارفين الذين قطعوا أكبادهم بالصيام والقيام والذكر خفاءا والتحري من لقمة الحلال وكثرة النوافل وماتت نفوسهم من شهوات الدنيا والمباح فيها

فزماننا هذا نجد فيه الكذب والادعاء بالولاية كثير والرقص والتشنج حدث ولا حرج فكل ذلك مرفوض لأن هذه أحوال خاصة لا يفعلها بنفسه فهي تكون رغما عنه وتكون نادرة وليس عادة وتكون في حال ستر مع الله وليس أمام الناس كما يحدث اليوم نسأل الله العفو والعافيه) .

  • من لم يكن عنده شفقة على خلق الله ( برهم وفاجرهم الطائع والعاصي المسلم وغير المسلم إنسان أو حيوان ) فإنك لن ترقى مراقي أهل الله تعالى. فقد ورد أن سيدنا موسى عليه السلام لما رعى الغنم لم يضرب واحدة بعصا منهن ولا جوعها ولا آذاها .

فلما رأي منه المولي ذلك وهو اعلم بذلك من قوة شفقته على غنمه بعثه الله نبياً وجعله كليماً راعياً لبني إسرائيل وناجاه . فمن أعز الخلق وأشفق عليهم ترقى إلى مراتب الرجال والسلام. .

  • لا يكون الصوفي صوفيا حتى يكون حمالا للأذى من جميع الخلائق إكراماً لمن هم عبيده سبحانه وتعالى

فلا يؤذي من يؤذيه ولا يتحدث فيما لا يعنيه، ولا يشمت بمصيبة، ولا يذكر أحداً بغيبة ورعاً عن المحرمات موقوفاً عن الشبهات

وإذا بلى صبر وإذا قدر غفر يغض الطرف يعمر الأرض بجسده والسماء بقلبه طريقه كظم الغيظ وبذل المال بكرم والإيثار والعفو والصفح والاحتمال لكل من يتحدث فيه بما لا يرضيه

  • كيف يدعي أحدكم أنه مريد طريق الله تعالى، وهو ينام وقت الغنائم ووقت فتوح الخزائن ( الثلث الأخير من الليل ) وهو وقت نشر العلوم ( المعارف والنفحات الربانية بالتجليات ) وهو وقت تجلي الحي القيوم

.

  • لا يوجد عمل أزكى ولا أنور ولا أكثر فائدة من علم أهل الله عز وجل ( العارفين) فإن الذرة من عملهم ترجح على جبال من عمل غيرهم لأن أعمالهم خالية من العلل وأيضاً فإن عملهم بقلوبهم وأبدانهم،

أما عمل غيرهم فيكون بأبدانهم دون قلوبهم ولذلك لا يزدادون بكثرة الطاعات إلا كبراً وعجباً

  • لو خشع قلبك يا ولدي في صلاتك لاختلط عقلك وذهب لبك، ولم تقدر أن تقرأ سورة واحدة من كتاب الله عز وجل في تلك الحضرة.

فإن موسى عليه السلام خر صعقاً يتخبط كالطير المذبوح حين تجلى له المولي عز وجل بمقدار جزء واحد من تسعة وتسعين جزءاً من سم الخياط وهذا التجلي واقع لكل مصل لو عقل كما عقل موسى عليه السلام

  • أهل الشريعة يبطلون الصلاة باللحن الفاحش وأهل الحقيقة ( العارفين) يبطلون الصلاة بالاخلاق الفاحشة فإذا كان العبد في باطنه حقد أو حسد أو سوء ظن بأحد أو محبة للدنيا فصلاته باطلة عندهم

لأن أهل هذه الأخلاق السيئة في حجاب عن شهود عظمة الله تعالى في الصلاة ومن كان قلبه محجوباً فإنه لم يصلي لأن الصلاة صلة بالله تعالى.

  • وقال رضي الله عنه : إن الله سبحانه وتعالى يطلع على قلوب عباده في اليوم والليلة اثنتين وسبعين مرة فنظفوا يا أولادي محل نظر ربكم واجعلوه طاهراً مطهراً حسناً نقياً زاهراً صادقاً خالصاً لترتع في رياض القرب ويظهر فيها النور فإن الإناء إن لم يكن شفافاً لا يظهر للفتيلة فيه نور

.

  • ومن وصاياه لمن احب طريق الله *

  • يا أولادى أوساخ الدنيا تسود القلوب وتوقف المطلوب وتكتب بها الذنوب

  • أحب يا ولدى أن تكون متنسكاً لا تحيد خاشعًا خاضعا حمالاً لكل هول ( أو بلاء ) سكرانا بمولاك لا التفات لك إلى زوجة ولا إلى ولد ولا أخ ولا صاحب ولا وظيفة دنيوية ولا تلتفت لسوي مولاك

  • إن كنت تطلب أن تكون من أولادى فقم قياماً دائماً وجاهد جهادًا ملازماً ، ولا تمل ولا تول ولا ترخص لنفسك فى ترك الاشتغال بالعبادة فى حجة خوف الملل

فإن الناقد ( الله عزّ وجل ) بصير والنفس من شأنها التلبيس على صاحبها

. والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

  • المراجع *

  • الطبقات للشعراني ترجمة الإمام الدسوقي ( بتصرف يسير )

  • الجوهرة المضيئة للإمام القطب السيد إبراهيم الدسوقى القرشى

  • انظر الكواكب الدرية للمناوي