جواهر العارفين في الحديث والقرآن المبين

قوله تعالى .فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ

1 دقيقة للقراءة
47 قراءة

قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾[ سورة النحل أية ٩٨].

* قال الإمام النيسابوري:- 

 الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وآله ظاهراً وفي الحقيقة هو لأمته  لأن شيطانه أسلم على يده فلم يحتج إلا الاستعاذة من شياطنه

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم وخواص أمته كقوله: { إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا } وفيه أن الشيطان ليس له تسلط على أولياء الله إلا بالوسوسة

( غرائب القرآن للنيسابوري) 

* وقال الإمام ابن كثير :- 

هذا أمر من الله تعالى لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا قراءة القرآن أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم

وهذا أمر مندوب ليس بواجب والاستعاذة عند ابتداء القراءة لئلا يلبس على القارىء قراءته ويخلط عليه ويمنعه من التدبر والتفكر

* وقال الإمام علي الجمل :- 

عداوة العدو ( الشيطان)  هو اشتغالك بمحبة الحبيب وأما إذا اشتغلت بعداوة العدو، فاتك محبة الحبيب ونال مراده منك

فالعاقل هو الذي يشتغل بذكر الله باللسان، ثم بالقلب، ثم بالروح، ثم بالسر، فحينئذ يذوب الشيطان ولا يبقى له أثر قط

وفي الحكم:  إذا علمت أن الشيطان لا يغفل عنك فلا تغفل أنت عمن ناصيتك بيده . فإذا تعلقْتَ بالله القوي المتين هرب عنك الشيطان اللعين.

( تفسير البحر المديد لإبن عجيبة الحسني) 

* وقال الإمام نجم الدين كبري:- 

فأما تخصيص الاستعاذة بالله عند قراءة القرآن من الشيطان الرجيم لمعانٍ وفوائد:

أولا :  لكي يتذكر القارئ واقعة الشيطان ويتفكر في أمره إنما صار شيطاناً رجيماً بعد أن كان ملكاً كريماً، لأنه فسق عن أمر ربه وخالفه وأبى أن يسجد لآدم{ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ } أي: فصار من الكافرين

فتنبه لذلك عند قراءة القرآن وتصفي نيتك قبل القراءة على أن تأتمر بما أمر الله في القرآن وتنتهي عما نها عنه وتحذر المخالفة فإن فيها الطرد واللعن والفسق وإنها مظنة العذاب يوم القيامة 

ثانياً :   لأن العبد لا يخلو من حديث النفس وهواجسها ومن إلقاء الشيطان ووساوسه وقلبه لا بد يتشوش بذلك

فلا تجد حلاوة لكلام الله تعالى فأمرك بالاستعاذة تزكية للنفس عن هواجسها وتصفية للقلب عن وساوس الشيطان لتتحلى بنور القرآن فإن التحلية تكون بعد التزكية والتصفية، فافهم 

ثالثاً:    في كل كلمة من كلمات القرآن توجد فيها  لله تعالي إشارات ومعانٍ وحقائق لا يفهمها إلا قلب مطهر عن تلوثات الهواجس

والوساوس معطر بطيب أنفاس الحق وذلك مودع في الاستعاذة بالله تعالى فأمر بها لحصول الفهم.

(  التأويلات النجمية في التفسير الإشاري للإمام نجم الدين كبري )
 
* وقال الإمام عبد القادر الجزائري:- 

الحكمة في الأمر بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند قراءة القرآن وعدم الأمر بذلك عند إرادة الصلاة أو الصوم أو الذكر أو غير ذلك من سائر العبادات

لأن القصد الأول  من القرآن هو بيان الأحكام من حلال وحرام ووجوب وذكر قصص الأنبياء وأخبار الأمم البائدة والقرون الماضية

مع ذكر الجنّة والنار وما أعدَّ لأهلهما من الكرامة والإهانة والوعد والوعيد

فكأن قارئه لا يقصد منه غالباً، إلاَّ معرفة ما ذكر في القرآن فأمر لذلك بالتحصين من الشيطان 

لئلا يضلّك عن طريق الرشاد ويزيغ قلبك عن القصد فيما يقصد معرفته على مراد الله تعالى

فإنَّ القرآن العزيز كما قال فيه تعالى ( يضلّ به كثيراً ويهدي به كثيراً ) ولهذا ترى جميع الفرق الإسلامية الثلاث والسبعين، تأخذ أدلتها والحجج لمذاهبها مع تباينها من القرآن العظيم

وما ذلك إلاَّ لإعجازه وخروجه عن طوق البشر بخلاف سائر العبادات. فليس المقصود منها عند التلبس بها إذا كانت جارية على مراد الله منه في أدائه إلاَّ مجالسة الحق تعالى

والخلوة به مع صرف النظر عن كل مخلوق ونسيان كلّ سوى والاشتغال بمشاهدة من ليس كمثله شيء، والغيبة عن الجنة والنار، والملك والملكوت.

ومن كانت عبادته على هذا الوجه فليس للشيطان عليه من سبيل فعبادته هي حصنه من الشيطان الرجيم 

فتبين من هذا أن المقصود الأغلب من قراءة القرآن أحكام الله تعالى ومخلوقاته والمقصود من سائر العبادات: عينه جل جلاله 

ولهذا ترى العارفين بالله بطريق السلوك إليه يأمرون مريديهم بالأذكار وسائر نوافل الخيرات ولا يأمرونهم بالتلاوة إلاَّ قدر الحاجة.

لأنَّ تلاوة القرآن للمبتدئ الجاهل بالله تعالى لا تجديه غالباً في رفع حجبه والترقي إلى المراتب العلّية

أما العارف الكامل يتلوه على طريق لا يهتدي إليها غيره فيستخرج منه الأسرار والعلوم والمعارف والفوائد التي تحار العقول فيها.

( المواقف الروحية للجزائري موقف رقم ٤١ ) 

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم على نبينا سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين 

* المراجع:- 

* غرائب القرآن ورغائب الفرقان للنيسابوري
* تفسير ابن كثير  سورة النحل 
* تفسير البحر المديد لإبن عجيبة الحسني
* الحكم العطائية لأبن عطاء الله السكندري 
* التأويلات النجمية في التفسير الإشاري    
   نجم الدين كبري 
 * المواقف الروحية لعبد القادر الجزائري ج١ 
    ص ٩١ طبعة العلمية 
.

شارك هذا المقال: