قال تعالى ﷽ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾.
* أقوال العارفين في ذلك :-
* قال الإمام عبد القادر الجيلاني:-
إِيَّاكَ نعبد لا إلى غيرك إذ لا غير في الوجود معك { نَعْبُدُ } نتوجه ونسلك على وجه التذلل والخضوع فلا معبود لنا سواك ولا مقصد إلا إياك
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } أي ما نطلب الإعانة والإقدار على العبادة لك إلا منك؛ إذ لا مرجع لنا غيرك.
* وقال الإمام السلمي:-
إياك نعبد بأمرك وإياك نستعين بفضلك فلا تحرمنا معونتك
إياك نعبد بالتوفيق، وإياك نستعين على شكر ما وفقتنا له من عبادتك.
* وقال العارف بالله بهاء الدين البيطار:-
اعلم أن الله تعالى قدم المعبود على العابد وقدم المستعان على المستعين للحصر
أي: لا نعبد إلا أنت ولا نستعين بسواك فيقتضي هذا الحصر مشاهدة الله تعالى في كل معبود وفي كل مستعان
أي : ليس المعبود سواك وليس المستعان سواك وكل من أحب شيئًا أو استعان به ولم يشهد وجه الله تعالى في ذلك الشيء فهو كاذب في قوله : إِيَّاكَ نَعْبُدُ.
( الواردات الإلهية للبيطار ج٢ ص ١١٧ )
* وقال البيطار أيضاً :-
قول النبي.ﷺ : إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله .. الحديث.
أي اسأل الله في كل مسؤول واستعين به في كل مستعان ( لأنه ليس في الوجود إلا الله تعالى وحده كما قال ( فأينما تولوا فثم وجه الله) ( النفحات القدسية ص ١٣٥ )
* وقال الإمام عبد القادر الجزائري:-
هذا خبر بمعنى الأمر فهو تعليم لنا وأمر لنا، أن ندعوه بهذا الدعاء. فليس المراد الإخبار بذلك فحسب
فلا نمر بالآية مرور الحاكي لكلام الله تعالى من غير قصد الدعاء بالحصول على ذلك
بل نقصد الطلب . والعبادة لغة الخضوع والانقياد والوقوف عند الأمر والنهي
فأمر العبد المؤمن بسؤال ربّه أن يجعله مشاهداً له في كل مظهر يحصل منه له تذّلل وخضوع وانقياد
بحيث تكون عبادته بمعنى تذلّله وخضوعه وانقياده للظاهر سبحانه و تعالى بذلك المظهر الخلقي أي مظهر كان
فإننا أمرنا أن نشهد الحقّ تعالى في كل مظهر ، ونعامله بحسب ذلك الظهور كما أمر سبحانه وتعالى
وليس ذلك برياء فإِنَّ الرياء لا يكون إلاَّ مع رؤية الغير، وأمَّا رؤية الحق تعالى وشهوده في ظهوراته وتعيناته فلا رياء ولا سمعة.
والحاصل إننا أمرنا بطلب الخلاص من الشرك، وإفراد الخضوع والانقياد لله سبحانه وتعالى
ولا يكون ذلك إلاَّ برؤية وجه الحق في كل شيء، ووجه ذاته المتعيّنة ببعض الأسماء
فالتذلّل و الخضوع والانقياد لشئ وهو الحق في شهود الخاضع المتذلل ( فليس هذا ) شرك
فالعارف خضوعه وتَذَلُّلُهُ وانقياده لا يكون إلاَّ لذلك الوجه الظاهر المتعين
كما قال: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ بمعنى توحيد الطاعة وتخليص الانقياد ولا يكون إلاَّ بهذا الشهود
فإنه لابدَّ لكلّ مخلوق من الخضوع والانقياد لمخلوق آخر ( في ظاهر الأمر لكن في الحقيقة غير ذلك )
فعلمنا المولي سبحانه وتعالى الخلاص من الشرك ( برؤية وجه الله تعالى في كل شيء)
وبمثل ما تقدم أمرنا في الاستعانة فنشهد الحق تعالى في كل شيء نستعين به في الأسباب والوسائط كقوله: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾[ سورة البقرة].
وسواء في ذلك فيما أمرنا بالاستعانة به، أو أبيح لنا من إنس وملك وحيوان وجماد
إذ لابد لكل إنسان من الخضوع لمن تكون حاجته عنده من الخلق ومن الاستعانة به
فإذا رحمك الله تعالى بمعرفته وشهود وجهه في كل شيء تخلّصت من الشرك فكنت لا تعبد إلاَّ الله ولا تستعين إلا َّ به.
( بشهود وجه الله تعالى في كل شئ وفي كل سبب ووسائل ووسائط كما قال تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله بلا حلول أو اتحاد في شئ)
.
* المراجع :-
* القرآن الكريم سورة الفاتحة
* تفسير عبد القادر الجيلاني سورة الفاتحة
* حقائق التفسير للسلمي بتصرف
* الواردات الإلهية في التفسير على طريقة
الصوفية لبهاء الدين البيطار طبعة العلمية
* المواقف الروحية للعارف بالله عبد القادر
الجزائري موقف ١٧٩ ( بتصرف للتوضيح )
* النفحات القدسية في شرح الصلوات
الأحمدية لبهاء الدين البيطار ص ١٣٥ طبعة
دار الكتب العلمية
.
جواهر العارفين في الحديث والقرآن المبين