جواهر العارفين في الحديث والقرآن المبين

حديث النبي ﷺ من رآني في المنام فسيراني يقظة

روي عن حضرة النبي ﷺ 

من رَأَني في المنامِ فسيراني في اليَقَظَةِ

( أخرجه أبو داود والبخاري ومسلم بنحوه ) 
.
* أقوال العارفين في ذلك:- 

* الوجه الأول:- 

قوله  ﷺ فسيراني في اليقظة ليس مخصوص بيوم القيامة فكل أمته يرونه يوم القيامة من رآه منهم ومن لم يره

* الوجه الثاني:- 

من آمن به في حياته ولم يره لكونه حينئذ غائباً عنه فيكون مبشراً له لأنه في النوم فلا بد وأن يراه في اليقظة قبل موته

أثر في ذلك :- 

١-  كان الشيخ خليفة بن موسى  المالكي كثير الرؤية لرسول الله ﷺ يقظة ومناماً  فكان يقول:  إن أكثر أفعاله تلقاها بأمر من النبي ﷺ الله إما يقظة وإما مناما رآه في ليلة واحدة سبع عشرة مرة

وقال له النبي ﷺ في مرة منها  يا خليفة لا تضجر مني فكثير من الأولياء مات بحسرة رؤيتي ( اي لعدم روؤيتي أو كثرة رؤية النبي ﷺ ثم لم يره بعد ذلك فتحسر حرمانا من ذلك ) 

٢-  قال الشيخ صفي الدين رأيت الشيخ الجليل الكبير أبا عبد الله القرطبي وكان أكثر إقامته بالمدينة النبوية

وكان له بالنبي ﷺ وصلة وأجوبة ورد للسلام فحمله النبي ﷺ رسالة للملك الكامل، بمصر  فتوجه بها إلى مصر وأداها وعاد إلى المدينة

( هامش كشف الواردات الطالب الكمالات وغاية الدرجات ) 

٣- وقال اليافعي : 

أخبرني بعضهم أنه يرى حول الكعبة الملائكة والأنبياء وأكثر ما يراهم ليلة الجمعة وليلة الاثنين وليلة الخميس وعد لي جماعة كثيرة من الأنبياء

 وذكر أنه يرى كل واحد منهم في موضع معين يجلس فيه حول الكعبة ويجلس معه أتباعه من أهله وقرابته وأصحابه 

وذكر أن نبينا يجتمع عليه من أولياء الله تعالى خلق لا يحصي عددهم إلا الله تعالى ولم تجتمع على سائر الأنبياء
،
وأن سيدنا إبراهيم وأولاده يجلسون بقرب باب الكعبة بحذاء مقامه المعروف وسيدنا موسى وجماعة من الأنبياء بين الركنين اليمانيين 

وسيدنا عيسى وجماعة معه في جهة الحجر ورأى نبينا ﷺ جالساً عند الركن اليماني مع أهل بيته وأصحابه وأولياء أمته  ( روض الرياحين لليافعي) 

وقال فريد الدين العطار :- 

معناه أن من رأى النبي ﷺ في المنام فسيراه يوم القيامة أو يراه عند موته وقال بعض المحققين من العارفين  بجواز رؤيته في اليقظة

وذلك إذا صفا القلب عن الكدر النفسي  والظلمات الجسمانية وتنوّر بأنوار الواردات القدسية والإلهامات القدوسية

ثم توجه عند استغراقه في بحر محبة الله تعالى ورسوله عليه السلام إلى روح النبي ﷺ فلا يبعد أن ينكشف له روح النبي ﷺ على كيفية لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى 

أثر في ذلك  قال فريد الدين العطار : - 

أن رجلاً أراد أن يرتحل إلى العراق لسماع الحديث فشاور الشيخ أبا أبو الحسن الخرقاني فمنعه الشيخ عن السفر ثم قال له

هنا من سنده أعلى من أسانيد أهل العراق. فأنكر الرجل هذا الكلام ولم يقبل منه فقال الشيخ : فضل الله تعالى علي أكثر من أن تُعد وتُحصى فأنعم علي بامتنانه، وعلمني بلطفه وإحسانه.

فقال الرجل ممن أخذت الحديث؟ قال الشيخ أبو الحسن الخرقاني سمعت من الرسول  ﷺ وأخذت منه  فما التفت إليه الرجل 

حتى رأى النبي ﷺ في المنام فقال للرجل : لا تنكز على الفتيان فإنهم يصدقون في المقال ففي اليوم الثاني جاء الرجل واشتغل على الشيخ ابو الحسن بالحديث

فكان القارئ إذا وصل إلى حديث لم يكن للنبي ﷺ فيقول الشيخ أبو الحسن ليس هذا  من قول النبي ﷺ 

فيقول القارىء بم عرفت يا شيخ؟ فقال الشيخ إني أنظر إلى وجه النبي ﷺ عند قراءة الحديث فإذا كان الحديث موضوع أرى عبوسًا في وجه النبي ﷺ، فبذلك أعلم أن ذلك الحديث لم يقله النبي ﷺ 

( تذكرة الأولياء للعطار ص ٤٩٣ ) 

* الوجه الثالث :- 

قال  البيهقي :- 

أجمع المتكلمون المحققون على أن نبينا حي بعد وفاته وأنه يفرح بطاعة أمته ويحزن بمن فعل معصية منهم

وأنه  ﷺ تبلغه صلاة كل من يصلي عليه من أمته ( في أي مكان علي الارض في أي زمان ليل أو نهار ) 

والأنبياء لا تبلي أجسادهم ولا تأكل الأرض منهم شيئاً ويدل على ذلك أن الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء يرزقون فرحون وهذه صفة الأحياء في الدنيا

فإذا كان هذا في الشهداء فالأنبياء أحق بذلك وأولى وقد صح في الأحاديث أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء.

ولقد قال النبي ﷺ في اسرائه ومعراجه :- 

مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره وهذا صحيح في إثبات الحياة لموسى فإنه وصفه بالصلاة وأنه كان قائماً ومثل هذا لا توصف به الروح وإنما يوصف به الجسد،

* وقال السيوطي: -

فحصل من مجموع هذه النقول والأحاديث أن النبي ﷺ  حي بجسده وروحه وأنه يتصرف ويسير حيث شاء في أقطار الأرض في الملكوت

وهو بهيئته التي كان عليها قبل وفاته ولم يتبدل منه شيء وأنه مغيب عن الأبصار كما غيبت الملائكة مع كونهم أحياء بأجسادهم

فإذا أراد الله رفع الحجاب عمن أراد إكرامه برؤيته رآه على هيئته التي هو عليها لا مانع من ذلك ولا داعي إلى التشخيص برؤية المثال انتهى باختصار.
.
* الوجه الرابع:- 

قال بهاء الدين البيطار:- 

معناء الظاهري :  من رآني في المنام فقد رأى الرؤيا الحقة الصادقة.

وقد جاء في بعض الأحاديث: فإن الشيطان لا يتمثل بي، وذلك لأن الشيطان مظهر الاسم المضل بالفعل وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مظهر الاسم الهادي بالفعل

فلا يظهر أحدهما في صورة الآخرة صونا للحقائق، وضبطا للمراتب. هذا هو المعنى الظاهري 

وأما المعنى الحقيقي للحديث فهو : 

إن من رأه في المنام أو في اليقظة فقد رأى الحق سبحانه وتعالى ( لأنه مرآة الحق في الخلق بلا حلول ولا اتحاد) 

ولأن الله تعالى خلق آدم على صورته وهو أكمل أفراد آدم فقد خلقه على صورته الحقيقية الأسمائية والصفائية

فمن رآه وهو مظهر تام الحقائق جميع الأسماء والصفات فقد رأى الحقيقة الالهية متجلية بجميع الحقائق. 

ثم إن الله تعالى نبهنا أن نصلي عليه فنقول: اللهم صل على محمد ونداوم على ذلك ليحصل لنا هذا الكشف ويفتح لنا هذا السر

فبرؤیته صلي الله عليه وسلم تري الله تعالى، فالله تعالى مرئي أبدا في الصورة المحمدية الكلية الصورة الإنسانية 

* قال محي الدين ابن عربي :

إذا أردت أن ترى الله تعالى أعظم رؤية تكون فاطلب من الله رؤيته في مرآة محمد ﷺ فهي أعظم رؤية لله تكون

 ومعنى الكلام : إنك إذا رأيت الله في مرآة محمد ﷺ ترى الله من حيث الله أي : من حيث اسمه الجامع وهو ( الله ) 

لا من جهة الأسماء المقيدة بالمعاني كاللطيف والودود وغير ذلك، بل ترى الله تعالى في مرأة محمد بجميع أنوع رؤية الله ؛ أي: ترى الله على قدر الله من جميع الوجوه.

والحاصل: من لم يرى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بوجهه الذي رآه به أبو بكر وعمر فإنه لم يرى الله تعالى 

وإياك أن تقول: رؤيته الحسية لا يمكن الآن أن تحصل بل إنه موجود مشهود ولكنه محتجب عن الغافلين

فلو زال من الوجود بمرتبة من المراتب الأربع التي هي الأولية والآخرية والظاهرية والباطنية لم يكن كاملاً وحاشاه

ألا ترى إلى ما قاله العارف بالله علي الجمل أستاذ سيدي العربي الدرقاوي: مهما خطر في بالي رسول الله ﷺ أو تذكرته أراه هو وأصحابه العشرة رأيته حالاً - يعني : يقظة - لا مناما

(  الواردات الالهية  لبهاء الدين البيطار ) 

* وقال أيضا بهاء الدين البيطار :-

 قال المحققون من أهل الله : رؤية الله تعالى في المرآة المحمدية أعظم رؤية تكون حتى قال الغوث الكامل سيدي عبد العزيز الدباغ :-

مشاهدة النبي ﷺ سبب في الارتقاء في مشاهدة الحق تعالى، فمن زيد له في مشاهدة النبي ﷺ زيد له في مشاهدة الحق سبحانه، ومن نقص له منها نقص له من مشاهدة الحق بقدر ما نقص له من مشاهدة النبي ﷺ 

ولو كان الاختيار للعبد وكان عمره تسعين سنة مثلاً لاختار في جميع هذه المدة أن لا يشاهد إلا النبي صلى الله عليه وسلم 

وقبل موته بيوم يفتح له في مشاهدة الحق تعالى. فإنه يحصل له في هذا اليوم من الفتح في مشاهدة الحق سبحانه وتعالى

لأجل رسوخ قدمه في مشاهدة النبي ﷺ أكثر مما يحصل لمن فتحله في المشاهدتين معاً في تلك المدة من أولها إلى آخرها . انتهى كلامه رضي الله عنه .

( النفحات القدسية للبيطار ص ٣١١ ) 

* المراجع:- 

* دلائل النبوه للبيهقي 
* انظر  بشري الكئيب بلقاء الحبيب 
   لجلال الدين السيوطي 
* تذكرة الأولياء لفريد الدين العطار ترجمة 
   العارف بالله أبو الحسن الخرقاني
*  كشف الواردات الطالب الكمالات وغاية 
    الدرجات لابن قاضي سيماو.
* النفحات القدسية في شرح الصلوات 
   الأحمدية للبيطار  طبعة العلمية
* طبقات الأولياء لسراج الدين بن الملقن 
   ترجمة الشيخ خليفة بن موسى
* روض الرياحين لليافعي طبعة دار الفتح
.* الواردات الالهية في التفسير على طريقة 
    الصوفية بالإشارة  لبهاء الدين البيطار
* سلسله أعيان المغرب العارف بالله علي 
   الجمل 
* الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز الدباغ لاحمد بن المبارك.