جواهر العارفين في الحديث والقرآن المبين

حديث النبي ﷺ ما زال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتي احبه

روي عن النبي ﷺ عن ربه عز وجل:-؛

لَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ به وبصره الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَلِسَانَهُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يبطش بِهَا  ورجله التي يمشي بها وَلَئِنْ سَأَلَنِي لِأَعْطِيتُهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأعيذنه

  ( آخرجه البخاري والبيهقي)

* البيان:- 

اعلم أن التقرب الي الله تعالى بالنوافل قائم علي الحب لله عز وجل خالصا من شهوة النفس والحظ من طلب دنيا أو آخرة بل حبا فيه جل جلاله 
حتي يتحقق المراد في الحديث 

والنوافل كل ما يرضي الله تعالى من شريعة نبيه سيدنا محمد  ﷺ من صلاة وعمرة وحج بعد الفريضة ودراسة علم وتعليمه لوجه الله تعالى 

وذكر وتلاوة وخدمة عباده ومعونتهم والسعي بالحلال شريطة أن يكون قلبك متعلقاً بالله وحده وترك كل ما يشغلك عن ربك 
الا ما هو واجب عليك 


* أقوال العارفين في ذلك:  الوجه الأول:- 

قال ابن عطاء الله :   إن الله عباداً محق أفعالهم بأفعاله  وأوصافهم بأوصافه وحملهم من أسراره ما يعجز عامة الأولياء عن سماعه وهم الذين غرقوا في بحر الذات وتيار الصفات

وفي الحديث إشارة إلى الفناء وهو ثلاثة :

 أن يفنيك عن أفعالك بأفعاله وعن أوصافك بأوصافه وعن ذاتك بذاته

وقال الإمام الطيبي  :

أجعل سلطان حبي غالباً عليه حتى يسلب منه الاهتمام بشيء غير ما يقربه إلي فيصير متخلصاً عن الشهوات ذاهلاً عن الحظوظ واللذات

لا تطرق حالته الغفلة ولا تحول دون شهوده الحجب  ولا يعتري ذكره النسيان ولا يخطر بباله الأحداث والأعيان

يأخذ بمجامع قلبه حب الله تعالى فلا يرى ولا يسمع ولا يفعل إلا ما يحبه الله تعالى منه

ويكون الله سبحانه وتعالى في ذلك له يداً ومؤيداً وعوناً ووكيلاً يحمي سمعه وبصره ورجله عما لا يرضاه جل جلاله 


** الوجه الثاني:- 

أي حافظ سمعه الذي يسمع به فلا يسمع إلا ما يحل سماعه وحافظ بصره فلا يبصر إلا ما يحل إبصاره وحافظ يده فلا يبطش بها إلا فيما يحل  وحافظ رجله فلا يمشي بها إلا فيما يحل المشي إليه إما إيجاباً وإما ندباً أو إباحة .

( تقريب الأصول للزيني دحلان  ) 

وقال الإمام القونوي في شرح التعرف :- 

يتولى المولي عز وجل من أحبه في جميع أحواله كما يتولى الوالد والوالدة جميع أحوال الطفل بحيث أنه لا يمشي إلا برجل أحدهما ولا يأكل إلا بيده

فكأنه فنيت صفاته وقامت صفات الوالدين مقامها لشدة اعتنائهما بحفظه وتسخير الله إياهما له وكذلك ورد في الحديث (اللهم كلأة ككلأة الوليد)

فمعنى «كنت سمعه» إلى آخره أحاطت عنايتي ولطفي به بحيث يصير فعله وإدراكه كأنه فعلي وإدراكي 

اعلم أن الحق سبحانه وتعالى ما زال سمعاً وبصراً ويداً للعبد حقيقة بدليل قوله ( كنت )

وإنما ظهرت له حقيقة هذا الحال حينئذ بعد أن كان معميا عنه فافهم      ( التعرف شرح القونوي ) 

** الوجه الثالث:- 

قال الإمام الدمرداش الجركسي :- 

بهذا الحديث يُعلم أن الله سبحان وتعالى نزل لعباده رحمة لهم ليقرب البعيد ويرحم العبيد لأنه أقرب إلينا من حبل الوريد بل هو عين بواطن الوجود وظواهره

وهذا التنزل لم يكن نزول مسافة وإنما هو بطريق الأسماء أي نزول رحمة ولطف وحنان من حيث مراتب الألوهية

وبهذا كان الحق قواك لكونه سمعك وبصرك ولسانك ويدك، فإذا عَلِمْتَهُ وظفرت به فما يكون عَلِمَهُ وظَفَرَ به إلا هو عز وجل 

إذ لا يخلو منه تعالى وجه في كل شيء إلا وهو حق ذلك الوجه ولو لم يكن الأمر كذلك ما كان إلها ولكان العالم يستقل بنفسه دونه وهذا محال كخلو وجه الحق من العالم

( القول الفريد في معرفة التوحيد للدمرداش ) 

** الوجه الرابع :- 

قال الإمام شهاب إبن علان :-

في قول ابن عطاء الله السكندري:-  ( تحقق بأوصافك يمدك مولاك بأوصافه تحقق بفقرك يمدك بغناه تحقق بضعفك يمدك بقوته تحق بالذل يُمدك بعزه تحقق بعجزك يمدك بقدرته ) 

ينتقل ( الأولياء ورثة النبي ﷺ) من مكان لمكان في لحظة كأهل الخطوة ومنهم من يعرج إلي السماوات والملكوت بقدرة الله تعالى ومعونته

لأنهم شربوا من كأس العبودية وبشريعة النبي ﷺ مقاما وأفعاله وأحواله سلوكا ومنهاجا 

فَعَلَيْكَ بمتابعة النبي ﷺ  في الأفعال والأقوال والأحوال تكُن آخذاً من العبودية وهذا من باب خَرْق العوائد الصادِرَة عَنْ أَوْلِيَاء الله تعالى 

،فهي صادرة عنهم في الظاهر وهُمْ بِمَعْزِل عَنْهَا فِي الْبَاطِن  لأَنَّهُمْ لا يَرَوْنَ لَهُمْ فِعْلاً وَلَا وَصَفَا وَلَا وُجُود

ومِنْ هُنَا يَظْهَر لَكَ لَمْعَة مِنْ قَوْلِهِ ﷺ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِي :- وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ به ، وبصره الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ  ...الخ الحديث 

فمن كان الحق سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله كيف يُستغرب مِنْهُ صُدُورُ شَيْءٍ مِنَ الخوارق ( والكرامات ) من اسرائه بروحه وانتقاله من مكان لآخر في لحظة وشفاء المريض بلمسة من يده
 واستجابة دعاؤه بلا إمهال

فمن حصل له مقام المتابعة لحضرة النبي ﷺ حصل له مقام المحبة والاصطفاء فأي شيء يستغرب منه وكُلُّ مَا يُشاهد منه إنَّما هو من الله تعالى

وإنما ذلك العبد مظهر من مظاهره تعالي ( تجلي عليه مولاه بصفاته وأفعاله لانه مرآءة صافية قابلة لإمداد الهي )

ولخروج ذلك العبد عن أفعاله وأوصافه ووجوده  فلا يرى فعلاً إلا فعل مولاه ولا وصفاً إلا وصف مولاه  ولا وُجُوداً إِلَّا وُجُودَ مَوْلاه

( شرح قصيدة ابن بنت الميلق لإبن علان ص ٦٦  )


وقال الإمام إبن عجيبه الحسني:- 

أول ما يقذف الله في قلب عبده الذي يريد أن يصطفيه لحضرته ويعرفه به محبته فلا يزال يلهج بذكره، ويتعب جوارحه في خدمته ويتعطش إلى معرفته

فلم يزل العبد يتقرب إلي ربه عز وجل بالنوافل حتى يحبه الحق فإذا أحبه أفناه عن نفسه وغيبه عن حسه

فكان سمعه وبصره ويده وجملته ثم رده إليه وإبقاء به فعرفه في كل شيء وراء قائما بكل شيء ظاهرا في كل شيء، والله تعالى أعلم.

( شرح الحكم العطائية لأبن عجيبه حكمة رقم ١٧٣


* * الوجه الخامس :- 

قال الإمام السيوطي:- 

قوله كنت له سمعاً وبصراً ... الحديث، فليس في هذا الخبر أن العبد متحد بالله تعالى وأن الله تعالى يتحد بالعبد أو يحل فيه

بل معنى قوله كنت له سمعاً وبصرا كقوله له : خالقاً ورازقاً بي يتخلق وبي يرتزق وهذا جواب كاف

ولكن حقيقة الأمر أن المراد من قوله «كنت له سمعاً وبصراً» له بصفة سمعي وبصري فيتقوى بهذا التجلي ما سمعه أي ينجلي له الظاهر فيسمع بهذا التجلي ما لم يكن يسمع من قبل ويبصر ما لم يكن يبصر من قبل

مثال ذلك رجل صحيح الحاسة في بيت مظلم وفيه أشياء لا يراها فلو أشعل مشعلة رأى بضيائها الأشياء الحاضرة ولا شبهة أنه يراها بضياء الشمعة ولا شبهة أن ضياء المشعلة لم يتحد به ولم يصبح جزءاً له وإنما يرى ما رأى بها.

وإيضاح ذلك أن نور الحق سبحانه إذا تجلى على نور العبد استتر نور العبد في نور الحق تعالى كما يستتر نور الكواكب عند طلوع الشمس فيصير نور الحق غالباً ونور العبد مغلوباً

فكان الحكم للغالب فحينئذ ما بقي للعبد تصرف بنفسه وإنما تصرفه بربه تعالى لأن الله تعالى يصرف عنه دواعي الباطل ويزين له دواعي الحق

كما قال تعالى (؛وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانُ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَهُ إِلَيْكُمُ الكفر والفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾

فحينئذ يعصمه من ارتكاب المعاصي ويحفظه من التقصيرات في الفرائض وحدود الشرع، وينكشف له جلية الحق ويصير مستغرقاً به

فإن هو نظر إلى معرفته فلا يعرف إلا الله وإن نظر إلى توحيده فلا يرى غير الله وإن نظر إلى همته فلا همة له سواه، فيكون كله مستغرقاً به مشاهدة وهمة

وذلك لكل من حصلت له طهارة الظاهر والباطن وتهذيب الأخلاق فتبين بذلك أن الرب تعالي لا يتحد بالعبد ولا العبد بالرب فافهم 

( تأييد الحقيقة لجلال الدين السيوطي ص ٨٥-٨٦) 

وقال الإمام علي البيومي:-؛

( عندما يصبح العبد يسمع ويبصر ويتحرك بربه جل جلاله وليس بنفسه فهذا يسمي فناء ) والفناء لا يحصل إلا بالتوجه التام إلى جناب الحق سبحانه وتعالى 

إلى أن يقهر النفس ويفنيها بالأصالة فالقطعة من الفحم المجاور للنار تحترق قليلاً إلى أن تصير نارًا فيحصل منها ما يحصل من النار 

فلا يخلو مسلم قط في حال من الأحوال عن تلبسه بصفة محبوبة إلي الله تعالى بسبب دوام نظر الحق تعالى إليه ( حتي يشهد العبد معني كنت سمعه وبصره ..الخ ) وما زاد عن ذلك فهو من العوارض

( رسالة الفضل والمنة لعلي البيومي ص ٢٢٠ بتصرف يسير طبعة العلمية ) 


* * الوجه السادس :- 

قال الإمام الفاكهي :-  

قوله كنت سمعه فهو فيما يظهر لي على حذف مضاف،والتقدير كنت حافظ سمعه الذي يسمع به فلا يسمع إلا ما يحل سماعه  وحافظ  بصره كذلك إلى آخره

 لا يسمع إلا ذكري ولا يتلذذ إلا بتلاوة كتابي  ولا يأنس إلا بمناجاتي ولا ينظر إلا في عجائب ملكوتي فلا يمد يده إلا في رضاي ومحبتي ولا يمشي برجله إلا لذلك .

( فتح الباري لابن حجر  نقلا عن الفاكهي ) 
.

** الوجه السابع :- 

قال الإمام البيهقي :-  معني الحديث أني أسرع إلى قضاء حوائجه من سمعه في الإسماع وعينه في النظر ويده في اللمس ورجله في المشي

(  البيهقي في الزهد عن أبي عثمان الجيزي ) 

وقال الإمام أبو الحسن الشاذلي رضي اللّه تعالى عنه : العبودية جوهرة أظهر بها الربوبية . 

واعلم أن سر الخصوصية الذي جعله اللّه في بواطن أوليائه وستره بظهور وصف بشريتهم قد يظهره عليهم على وجه خرق العادة 

 فقد يظهر على وليه من قدرته وعلمه وسائر كمالاته ما تحار فيه العقول وتذهل فيه الأذهان ، لكن لا يدوم ذلك لهم ، بل يكون على سبيل الكرامات وخرق العادات ( لانه قال كنت سمعه وبصره فهو بالله ولله في كل فعل وحركة وسكون ) 

فيشرق عليهم شموس أوصافه فيتصفون بصفاته ، ثم يقبض ذلك عنهم فيردهم إلى حدودهم ، فنور الخصوصية وهي المعرفة ثابت لا يزول ، ساكن لا يحول ، وسرها وهو كمالاته تعالى

تارة يشرق على أفق بشريتهم فيستنير بأوصاف الربوبية ، وتارة ينقبض عنهم فيردون إلى حدودهم وشهود عبوديتهم ، فالمعرفة ثابتة والواردات مختلفة واللّه تعالى أعلم .

( شرح الحكم العطائية لأبن عجيبه حكمة رقم ٩٠ ) 


* الوجه الثامن :- 

قال الإمام عبد الكريم الجيلي :-؛

قول النبي :- مازال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ... الحديث  )

هذه أول مرتبة من مراتب أهل الغيب وهي مرتبة تجلى الله بأفعاله وهو أول التجليات الالهية التي لا يكون للعبد فيها من شيء  إلا مقدار قبوله لتلك التجليات من حيث كونه ذات صرف  تقبل الانطباع بما شاهده من تجليات الحق تعالى التي يظهر بها على ما يشاء من عباده . 

فتجلى الأفعال :- 

إذا وصل الإنسان إلى مرتبة تجلى الله تعالى بافعاله و شهد جريان القدرة فى الأشياء فيُشهده سبحانه وتعالى أنه محركها ومسكنها بنفى الفعل عن العبد واثباته للحق تعالى . 

وفي هذا المشهد من المشاهد الإلهية لا ينسب الفعل إلى العبد بل الله هو الفاعل على الحقيقة 

 وقد ظهر ذلك في قصة موسى عليه السلام والعبد الصالح ( الخضر ) .. فعندما اعترض موسى على خرق العبد الصالح لسفينة المساكين الذين يعملون فى البحر وعلى قتله للغلام الذي لقياه في الطريق ، وعلى بنائه للجدار التي أوشك أن ينهار دون المطالبة بأجر البناء

 أوضح العبد الصالح الموسى عليه السلام الحكمة الإلهية من هذه الأفعال الثلاثة ، فقد كان هناك ملك ظالم يأخذ سفن المساكين ليعد بها أسطولاً لإحدى حملاته البحرية 

فأراد العبد الصالح أن يعيب سفينة المساكين فلا يغتصبها الملك منهم حتى إذا مر الملك وابتعد  أصلحوها واستعانوا بها على رزقهم . 

أما عن قتل الغلام فقد كان هذا الغلام لأبوين مؤمنين وكان سيرهقهما طغياناً وكفراً فأراد الله بهما خيراً بموت الغلام وتعويضهما

وكان الجدار لطفلين يتيمين في المدينة وكان تحت كنز لهما وضعه أبيهما قبل موته من أجل طفليه  فأراد الله أن يطول عمر الجدار فلا ينهار قبل بلوغهما مبلغ الرجال ويستخرجا كنزهما رحمة من الله بهما وبوالدهما الذي كان صالحا 

 والأمر المهم هنا ، هو أن العبد الصالح يعقب على كلامه بقوله « وَمَا فَعَلْتُهُ من أمرى وكأنما يؤكد بذلك على المعنى الذي ذكرناه من أن العبد في مرتبة تجلى الفعل الإلهى 

فما هو إلا أداة في يد القدرة الإلهية وسبب من الأسباب التي يجعلها الله لتنفيذ مشيئته في خلقه .

 وأهل مرتبة تجلى الأفعال الإلهية رغم حسن استعدادهم وعلو مقامهم بين الواصلين  فإنهم في واقع الأمر محجوبون فالذي يفوتهم من الحق تعالى أكثر مما ينالهم ذلك أن تجليات الأفعال الإلهية حجاب ( لتجليات أعلى منها  هي تجليات الحق تعالى في أسمائه الالهية ) 

ثانيا تجلي الأسماء:- 

عندما يتجلى الله تعالى على عبد من عباده بإسم من أسمائه  يهيم العبد بهذا الإسم ولا يتعلق بشيء غيره عز وجل 

وأول الاسماء التي تتجلى على العبد في هذه المرتبة هو اسمه تعالى الموجود فيظل العبد آنذاك في حالة فناء تام من حيث وقوعه تحت أنوار تجلى الموجود  الحقيقي  فلا بقاء لوجوده الإنساني الموقوت 

أما أعلى الاسماء في هذا التجلى فهو اسمه تعالى (  الله )  حيث يتجلى تعالى بإسمه « الله » فيهيم العبد في بحار هذا الاسم ، ويمحى أسم العبد ولا يبقى غير إسم ( الله ) تعالى 

فَمَا ثُم غَيْرُ الله في الورى

وَمَا تُم مَسمُوعُ وَلا ثَمَ سَامِعُ

فالإنسان الكامل هو الولى الذي داوم على مجاهداته حتى اجتباه الله فتجلى عليه فليس هناك مجلى للذات الالهية بكمالها في الكون الأ ذلك الإنسان الكامل 

فهو خليفة الله تعالى في الأرض كما جاءت بهذا الآيات القرآنية التي قال تعالى فيها للملائكة ( إني جاعل في الأرض خليفة )

وفي الحديث النبوى عن حضرة النبي ﷺ :- 

إن الله تعالى مائة خلق وسبعة عشر خلقاً  من أتاه بخلق منها دخل الجنة 

والتخلق بأخلاق الله تعالى هو الاتصاف بها  بحيث يقابل كل خلق منه خلق الهى ، فتتبدل منه الأخلاق السيئة كالحرص والبخل والحسد إلى أخلاق الكرم والخير والغبطة فيكون في تخلقه بأخلاق الله  خليفة الله وصورة له 

ثم يمر الإنسان في طريقه للكمال حيث تفيض عليه الحقائق الإلهية التي تجل عن الوصف ثم البرزخ الثالث وهو معرفة الحكمة الإلهية فى الخلق  والتوصل إلى مقام « كن » الذي تكون فيه الكرامات وخرق العادات

فلا يزال الإنسان في هذا البرزخ تخرق له العادات حتى يصير له خرق العوائد عادة . 

فالإنسان الكامل يُصْبِحُ عَبْداً رَبَّانِياً يَقُولُ لِلشَيء كُنْ فَيَكُون » 

فالولاية هى تولى الحق تعالى لعبد من عبيده بظهور أسمائه وصفاته عليه بخلاف النبوة فهى تولى الحق تعالى لعبده ثم إرجاعه إلى الخلق ليقوم بأمورهم في زمن معين ليعلمهم ويدعوهم إلى الصلاح 

( الانسان الكامل لعبد الكريم الجيلي ) 

وقال الجندي :-

إن أهل الله يحصل لهم من العلم بالله قوى مختلفة توجب مشاهد مختلفة بحسب استعداداتهم الخصوصة، فيحصل للبعض قوة بها يكون الحق سمعه وبصره وسائر قواه وجوارحه جمعاً وفرادى موقتاً وغير موقت

وفيها طبقات أهل قرب النوافل ويحصل أيضاً كذلك لآخر قوة يكون هو بها عين الحق وسمعه وبصره فيه، يبصر الحق ويسمع وينطق ويفعل به ويحصل للبعض قوة يجمع بها بين الشهودين والوجودين فافهم

وليس حصول هذه القوى فيهم إلا بالعلم والاختلاف بحسب القابلية والصلاحية الاستعدادية الذاتية الخصوصية لا غير.

( شرح مؤيد الدين الجندي لفصوص الحكم شرح كلمة هودية ص ٣٥٥ ) 
.

* تتمة :- 

أعلم أنه إذا أردت الوصول لأن يتجلي عليك الحق سبحانه وتعالى فتكون سنعه وبصره لابد وأن ترفع الموانع عن مرآة قلبك قال العارف بالله عبد القادر الجزائري :- 

العمل في رفع الموانع وحصول الشرائط لحصول ما هو مطلوب بالاستعداد الكلي الذاتي هو الاستعداد الجزئي.

 فكل إنسان من حيث إنسانيته وحقيقته مستعد بالاستعداد الكلي إلى ظهور الصورة الإلهية فيه

ولكن قد يتوقف حصول هذا التجلي المستعد له بالاستعداد الكلي على رفع موانع وحصول شروط
 
فخوض السالك لطريق أهل الله تعالى في ا الرياضة النفسية والمجاهدات البدنية ومعانقة الآداب الشرعية لرفع الموانع الطبيعية والاقتضاءات الشهوانية النفسية

وتحصيل الشرائط بتصفية محل التجلي وتنويره بالأذكار ومواصلة الاعتبار والتعرض لنفحات الحق سبحانه وتعالى بالأسحار

فهذا هوالاستعداد الجزئي العرضي وهذا ما ذكره بعض الأكابر ( من العارفين) وهو أن المرآة من حيث هي مرآة لها قابلية لأن ينظر الملك جل جلاله فيها وجهه

وليس للمرآة ( القلب ) إستعداد لأن ينظر فيها وجهه إلا إذا كانت محلاة بأنواع الجواهر مزينة بالحلي الفاخر ( من أتباع الكتاب والسنة والذكر الدائم وترك العوائق والعوائد من الشهوات النفسية والجسدية) 

( المواقف الروحية للجزائري موقف رقم ٢٥٩   
   بتصرف يسير )

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين 

* المراجع :- 

* صحيح البخاري وسنن البيهقي 
* شرح الإمام الطيبي لسنن الترمذي 
*  تقريب الأصول لتسهيل الوصول لمعرفة الرب  
    والرَّسُول لزيني دحلان طبعة دار المنهاج 
* التعرف شرح القونوي 
* القول الفريد في معرفة التوحيد للدمرداش 
    الجركسي طبعة العلمية  
* شرح قصيدة ابن بنت الميلق لإبن علان  طبعة 
   مكتبة الرحمة المهداة 
* شرح الحكم العطائية لأبن عجيبه حكمة رقم ١٧٣
* تأييد الحقيقة وتشييد الطريقة لجلال الدين   
   السيوطي طبعة العلمية 
* رسالة الفضل والمنة لعلي البيومي بتصرف يسير 
   طبعة العلمية  
*  فتح الباري لابن حجر العسقلاني  
* البيهقي في الزهد عن أبي عثمان الجيزي 
*  شرح الحكم العطائية لأبن عجيبه 
* الانسان الكامل لعبد الكريم الجيلي 
* شرح مؤيد الدين الجندي لفصوص الحكم شرح 
    كلمة هودية طبعة العلمية 
*  المواقف الروحية للجزائري طبعة العلمية موقف 

.