روي عن حضرة النبيﷺ
"إنَّ الله طيب لَا يقبل إلَّا طيبا وَإِنَّ الله أمر المؤمنين بِمَا أمر بِهِ المرسلين فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا"،
وَقَالَ تَعَالَى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ"
ثُمَّ ذَكَرَ الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يَمُدُّ يديه إلَى السماء يَا رب يَا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وَغُذِّيَ بالحرام فأني يستجاب لَهُ
( رواه مسلم عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه ) .
- الحكمة :-
عن ذي النون المصري :-
اتق الله إذا خلوت يَستجب لك إذا دعوت
- البيان :-
مما يستنبط من الأحاديث والايات في باب الدعاء أن قبول دعاؤك متوقف علي أسباب بالنسبة لك
أما بالنسبة لله عز وجل فعطاؤه ومنعه لا يتوقف علي سبب اوةعله كما قال تعالى ( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ )
والأسباب حكمته في خلقه فلابد منها ومن أسباب قبول الدعاء طاعة ربك وان يكون طعامك من الحلال وأن لا تتعجل القبول لأنه من الأدب وحسن الظن بربك
وأن تتقي الله تعالى في السر والعلانية وعدم قبول الدعاء مع تقواك ليس معناه بخلا من ربك وانما لحكمة وبيان ذلك كله في أقوال العارفين :-
* اقوال العارفين في ذلك *
- قال العارف بالله أحمد الرفاعي:-
الاستعجال في قبول الدعاء من غَلَبَةِ الإشتغال بما تطلبه دون خالقك وهذا من نُقصان المعرفة فإن العارف لا يشغله شيء عن ربه ( سواءا استجاب لك أم لا )
- روي أن إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه قال مررتُ علي رجل يرعي الغنم فقلت له هل عندك شُربةً من الماء أو من اللبن فقال لي أيُّهما أحبُّ إليك قلت الماء
فضرب الراعي بعصاه حجراً صلباً لا صدْعَ فيه فانفجرت منه الماء فشربتُ منه وهو أبرد من الثلج وأحلى من العسل
وظللت متعجباً فقال الراعي لا تتعجب فإن العبد إذا أطاع الله أطاعه كلُّ شيء.
- وقال الإمام الحسن البصري رضي الله عنه:
خرج سلمانُ الفارسي رضي الله عنه من المدائن ومعه ضيف، فإذا بظباءٍ تسير في الصحراء وطيور تطير في الهواء، فقال سلمان
ليأتيني غزال وطيرٌ سمينان فقد جاءني ضيفٌ وأحب إكرامه فجاء الغزال والطير لسيدنا سلمان فقال الرجل له
سبحان الذي سخَّر لك الطيرَ في الهواء فقال سيدنا سلمان للرجل :-
أتتعجبُ من هذا هل رأيتَ عبداً أطاع الله فعصاه شئ
- وقال عبد الواحد بن زيد:
بينما أنا وأيوب السختياني نسير في طريق الشام فإذا نحن برجل أسودَ اللون أقبل إلينا يحمل علي رأسه حزمة من الحطب
فقلت له يا رجل مَن ربُك قال الرجل ألمثلي تقول هذا فرفع رأسه إلى السماء وقال إلهي حوِّل هذا الحطب ذهباً فإذا هو عيدان من الذهب
ثم قال الرجل الأسود أرأيتم هذا قلنا نعم فقال الرجل اللهم أعده حطباً فصار كما كان أولاً عيدان حطب
ثم قال الرجل لنا اسالوني فإن العارفين لا تفنى عجائبهم فقال أيوب بقيتُ خَجِلاً من العبد واستحييتُ منه حياءً ما استحييت مثله من قبل ذلك من أحد قط
ثم قلت للرجل أمَعَكَ شيءٌ من الطعام قال فأشار فإذا بين أيدينا وعاء فيها عسل أشد بياضاً من الثلج وأطيب ريحاً من المسك وقال كلوا
فوالله الذي لا إله إلا هو ليس هذا من بطن النحل فأكلنا فما رأينا شيئاً أحلى منه فتعجَّبنا فقال الرجل لهما
ليس بعارفٍ من تعجّب من الآيات ومن تعجب فهو بعيد من الله ومن عبد ربه على رؤية الآيات ( أي الكرامات أو النعم ) فهو جاهل بالله .
{ حال اهل الحقيقة مع الله لأحمد الرفاعي}
- عدم قبول الدعاء مع وجود التقوي :-
لا يستجيب المولي عز وجل لعبده في كل ما طلب ( ليس بخلا كيف ذلك وهو الكريم الجواد وخزائن مولاك لا تنفد )
وانما لا يستجيب رحمة وَشَفقَة عَلَيْك أَنْ يدخل عليك الغرور بذلك فتتعرض لِلمَكرِ الإلهي وتغفل عَن آداب الخدمة لربك
- علي قدر استجابتك لنداء ربك يستجيب لك:-
إذا سمعت نداء الصلاة أو نداء الواجب عليك من إغاثة ملهوف أو مريض أو رحم واجبت بسرعة أجاب الله تعالى دعاؤك بسرعة واذا تاخرت عن الواجب تاخرت عليك الإجابة
وإذا أديت بعضا من الواجب عليك أجاب الله سبحانه وتعالى بعضا من دعاؤك وليس كله لأن الجزاء بالمثل فالجزاء من جنس العمل
قال أحد العارفين :-
كَمَا أَنَّ المولي سبحانه وتعالى دعا عَبْدَهُ إِلَي فعل كل ما هو مأمور به فلم يفعل إِلَّا بعضا منه كذلك لما دعا العبد ربه لم يستجيب له إِلَّا فِي بَعْضٍ جزاء وفاقا
- حكمة *
طهر اللقمة واتق ربك في العلانية والخلوة يستجب دعاؤك بلا مهلة وكن له كما يريد يكون لك كما تريد . من دعاء العارفين : -
اللهم إني أعوذ بك من بدن لاينتصب بين يديك، وأعوذ بك من قلب لا يشتاق إليك وأعوذ بك من دعاء لايصل إليك وأعوذ بك من عين لاتبكي عليك اللهم إنا نبات نعمتك فلا تجعلنا حصائد نقمتك
يا مسبب كل سبب ويا أمل كل مأمول رد علي ما ذهب ( دعا به اعرابی مات جمله فأحياه الله تعالى له )
من دعاء العارف بالله معروف الكرخي :-
اللهم يا من وفق أهل الخير للخير وأعنتهم عليه وفقنا للخير وأعنا عليه واجعلنا من أهله يا رب العالمين ياعالم بكل شيء ويا من لايخفى عليه شيء ويامن هو يحيط بكل شيء
وسبب الدعاء السابق :-
جاء رجل إلي معروف الكرخي فقال معروف ما الذي جاء بك ياأبا بكر ؟ قال إن ابني قد غاب عنا وقد ضيق على النساء من بكائهن .
فقال معروف :. ياعالم بكل شيء ويا من لايخفى عليه شيء ويامن هو يحيط بكل شيء أوضح لنا أمر الغلام ثلاث مرات فوجدوا الغلام.
{ المختار من مناقب الأخيار ج٥ ص ٤٣ بتصرف } .
والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
-
المراجع :-
-
صحيح مسلم والترمذي وغيرهما
-
الكواكب الدرية للمناوي ومناقب الأخيار لإبن الأثير ترجمة العارفين بالله احمد الرفاعي وعبد الواحد بن زيد والحسن البصري
-
حال اهل الحقيقة مع الله لأحمد الرفاعي
-
المختار من مناقب الأخيار لابن الاثير
-
روض الرياحين في حكايات الصالحين لليافعي ترجمة ذي النون المصري