حديث النبي ﷺ عن البركة وهل هي مجاز ام حقيقة:-
روي عن حضرة النبي ﷺ
أتاني الليلةَ آتٍ من ربِّي وأنا بِالعَقِيقِ أنْ صَلِّ في هذا الوَادِي المُبارَكِ .
( صحيح البخاري عن سيدنا عمر بن الخطاب وأخرجه ابن ماجه وابن خزيمة )
- البيان:-
روي عن سيدنا عمرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه سَمِع النبيَّ ﷺ وهو خارجٌ إلى حَجةِ الوداعِ وهو في وادي العَقيقِ -ويقَعُ قُرْبَ البَقيعِ .
أنَّه أتاهُ آتٍ إمَّا سيدنا جِبرِيلُ عليه السَّلامُ أو آتٍ في المَنامِ ورؤيا الأنبياء وحْيٌ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ فقال له صَلي في هذا الوادي المُبارَكِ ففيه دليل علي فَضلُ وادي العَقِيقِ، وبَركَتُه .
تنبيه. ( قاعدة فقهية ) :-
[ حضور النية يجعل المباح مكرمة وتتحول العادة الي عبادة ]
وبناءا على هذه القاعدة بتبين معني وفهم الأعمال والأمور الدنيوية الي أعمال صالحة وثواب يؤجر المرء عليها والي بيان معني الحديث بناءً على ذلك:-
التبرك ثلاثة أنواع
١- تبرك بالمكان
٢- التبرك بالزمان
٣- التبرك بالإنسان الكامل من رسول أو نبي أو ولي من أولياء الله الصالحين .
- أقوال العلماء والعارفين في ذلك :-
أولا التبرك بالمكان :-
- قال عياض في الشفا : "من إعظام رسول الله ﷺ وإكباره تعظيم جميع أسبابه وإكرام مشاهده وأماكنه وكل شيء لمسه (ومسه جسد النبي أو جوارحه ) أو عرف به
وقيل للإمام مالك رضي الله عنه : لماذا تنزل الي وادي العقيق؟ فإنه يشق بعده من المسجد فقال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبه ويأتيه.
- وقال ابن عبد البر :-
كان عبد الله بن عمر يدير ناقته في المكان الذي رأى فيه رسول الله ﷺ على ناقته وقال: لعل ناقتي تطأ الموضع الذي وطئت عليها راحلة رسول اللّه ﷺ قال ابن رشد هذا دلالة من ابن عمر في التبرك بأثر النبي ﷺ
وهذا الفعل من سيدنا ابن عمر غاية في الاقتداء والتاسى برسول الله ﷺ
وقال الصحابي الجليل عتبان يا رسول الله صل فى بيتي مكاناً اتخذه مصلى
قال ابن رشد: "فإذا كان موضع يصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة واحدة خير من سائر البيوت فمن باب أولى موضع كان رسول الله ﷺ يصلي فيه ويواظب عليه
وفي حديث عتبان التبرك بالمواضع التى وطئها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام عليها
قال ابن بطال في شرحه للبخاري :- ومن هذا الدخول في الغار الذى اختفى فيه رسول الله ﷺ على صعوبة الارتقاء إليه والدخول فيه. يحمل على ذلك فرط المحبة في النبي ﷺ
وفي صحيح البخاري إن الصحابي الجليل سالماً كان يتحرى أماكن الطريق فيصلي فيها لأنه رأى النبي ﷺ يصلي في تلك الأماكن.
تتمة :--
مما سبق دليل واضح علي أن الأمكنة التي صلي وأقام فيها النبي ﷺ أو جلس فيها تنال البركة منه وفياسا علي ذلك التبرك بالاماكن التي كان فيها ال بيت النبي ﷺ وورثته من العلماء و الاولياء الصالحين
فليس الحجر الاسعد في الكعبة الذي يتقاتل البعض من الناس في تقبيله أو السلام عليه اشرف وأعظم من مكان فيه مقام ال بيت النبي ﷺ والاولياء
فليس الحجر أعز علي الله تعالى من عبد وولي صالح كرمه الله علي العالمين كما قال تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم)
فزيارة آل بيت النبي ﷺ والاولياء في مقامهم مثل سيدنا الحسين أو السيدة زينب أو غيرهم أو الأحياء منهم سنة حسنة لها أصل من الشرع ولا تخالفه كما تبين لك سابقا وليس ذلك بشرك أو بدعة مذمومة أو جهل بدين الله تعالى كما يقول المتشددين بجهل في دين الله عز وجل
*** ثانيا :- التبرك بالإنسان الكامل من نبي أو أو رسول أو ولي من أولياء الله الصالحين:-
كان أبا محذورة مؤذن النبي ﷺ كان له قصة في مقدم رأسه إذا قعد وأرسلها أصابت الأرض
فقيل له ألا تحلقها فقال لم أكن بالذي أحلقها وقد مسها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة بيده.
- وكان في قلنسوة خالد بن الوليد شعرات من شعر رسول الله ﷺ فسقطت قلنسوته في بعض حروبه فشد عليها شدة أنكر عليه أصحاب النبي ﷺ كثرة من قتل فيها
فقال لم أفعل ذلك لسبب القلنسوة بل لأني وضعت فيها شعرة من شعر رسول الله ﷺ لئلا أسلب بركتها وتقع بيد المشركين.
وفي البخاري لما حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ، كان أبو طلحة أول من أخذ شعره وقسم بقية شعر النبي ﷺ للناس
- وفي البخاري أيضاً اتخذ النبي ﷺ خاتماً من فضة كان في يده ثم كان بعد ذلك في يد عثمان فسقط له في بئر أريس. قال الراوي: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان ننزح البير فلم نجده.
قال ابن بطال: "في هذا استعمال آثار الصالحين ، ولباس ملابسهم ، على جهة التبرك. . التبرك بـعـرق النبي ﷺ . وفي رواية عند مسلم دخل علينا النبي ﷺ فقال عندنا ( أي نام عندنا وقت الظهيرة وهو القيلولة ) فعرق فجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها
فاستيقظ النبي ﷺ فقال يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين قالت هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو من أطيب الطيب . .
-
وفي صحيح البخاري حديث المرأة التى جاءت بالبردة للنبي ﷺ فقبلها فسألها منه رجل ليتخذها كفناً
قال ابن بطال "ينبغي التبرك بثياب الصالحين ويتوسل بها إلى الله في الحياة والممات"
وقد غسل الامام الشافعي ثوب الإمام أحمد في الماء ثم اغتسل منه ثم رده الي من أرسله إليه
فالتبرك بما يخص الصالحين من ثياب أو سبحة أو كتاب أو غيره لا بأس فإن البركة تسري من صاحبها الي كل ما يلمسه.
*** البركة في الزمان :-
وهو ما أشار إليه حضرة النبي ﷺ في قوله إن لله في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها
فإن المولي عز وجل خلق الانسان واصطفي منهم الانبياء والرسل والاولياء
وخلق الشهور واصطفي منهم الأشهر الحرم ورمضان
وخلق الأيام واصطفي منها يوم عرفة ويوم الجمعة ويوم الإثنين وايام العيد والعشر الأولي من ذي الحجة ويوم عاشوراء
وخلق الليالي واصطفي منها ليلتي العيد وليلة القدر وليلة والنصف من شعبان وليلة عرفة وليلة مولد النبي ﷺ
فهذه الأيام والليالي والشهور التي اصطفاها المولي عز وجل ايام وليالي وشهور بركة تضاعف فيها الأعمال ويضاعف فيها الثواب فلا تتركها وتحرم نفسك منها
فإن من لم يكن بصيام وقيام فبالذكر والاستغفار والصلاه والسلام على النبي المختار ﷺ والصدقة
*** بركة المكان:-
كذلك خلق الله تعالى الأمكنة من جبال ووديان وسهول وبلدان وعلي يد الإنسان كاسباب والخالق هو الله وحده جل جلاله
فاصطفي جبل الطور حيث كلم سيدنا موسى علي نبينا وعليه الصلاة والسلام وجبل عرفات وكذلك البيت الحرام والمسجد النبوي الشريف والمسجد الأقصى ومسجد قباء ومسجد عمروا بن العاص وغيرها
وكما روي عن حضرة النبي ﷺ في الإسراء والمعراج حيث قال له انزل فصلي اي انزل من علي البراق فقال له أتدري اين صليت قال لا قال حيث ولد عبسي
فالأماكن تتشرف بالبركة من جهة الانبياء والمرسلين والصالحين مثل ماء زمزم ببركة قدم سيدنا اسماعيل عليه السلام وحيث ولد النبي ﷺ
وكما هو في الحديث الذي نحن بصدد شرحه اول الكلام والذي تم ذكره في اول الكلام :
عن سيدنا عمرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه سَمِع النبيَّ ﷺ وهو خارجٌ إلى حَجةِ الوداعِ وهو في وادي العَقيقِ -ويقَعُ قُرْبَ البَقيعِ .
أنَّه أتاهُ آتٍ إمَّا سيدنا جِبرِيلُ عليه السَّلامُ أو آتٍ في المَنامِ ورؤيا الأنبياء وحْيٌ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ فقال له صَلي في هذا الوادي المُبارَكِ ففيه دليل علي فَضلُ وادي العَقِيقِ، وبَركَتُه .
وعن نافع أن عبد الله بن عمر أخبرنا أن الناس نزلوا مع رسول الله ﷺ على الحجر (؛في ) أرض ثمود فاستقوا من آبارها وعجنوا به العجين
فأمرهم رسول الله ﷺ أن يهريقوا ما استقوا ويعلفوا للإبل العجين وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة. ( رواه مسلم )
فقال الإمام النووي رضي الله عنه في شرحه لصحيح مسلم وفي هذا الحديث من الفوائد وهو التبرك بآثار الصالحين
اي إذا كانت الاماكن التي فيها نزلت لعنة الله وغضبه نهانا النبي ان نشرب أو نستريح فيها بسبب ذلك فمن باب أولي الأماكن الصالحة التي حل عليها رضوان الله وحبه لعباده الصالحين من رسول أو نبي أو ولي من أولياء الله الصالحين والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين .
-
المراجع :-
-
شرح صحيح البخاري لابن بطال
-
صحيح مسلم كتاب الزهد
-
سنن المهتدين للمواق طبعة دار ابن حزم بيروت
-
البيان والتحصيل لإبن رشد
-
مفاهيم يجب أن تصحح للعلوي المالكي الحسني .