المعرفة الإلهية و العقيدة

عبودية الله تعالى بلا طلب ولا علة

روى أبو نعيم في الحلية :-

قال وهب بن منبه : قال حكيم من الحكماء: إني لأستحي من الله عز وجل أن أعبده رجاء ثواب الجنة قط فأكون كالأجير السوء إذا أعطي عمل وإذا لم يعط لم يعمل

وإني لأستحي من الله عز وجل أن أعبده مخافة النار قط فأكون كالعبد السوء إن خاف عمل وإن لم يخف لم يعمل، وأنه يستخرج حبه مني مالا يستخرجه مني غيره.

( حلية الأولياء لأبو نعيم ) .

  • أقوال وأحوال العارفين في ذلك:-

قال ابن عطاء الله السكندري:

من عبده لشيء يرجوه منه أو ليدفع بطاعته نزول العقوبة عنه فما قام بحق أوصافه .

  • قال ابن عجيبه الحسني :-

اعلم أن الناس في عبادة الله بإعتبار أخلاصهم على ثلاثة أقسام فمنهم من يعبد الله خوفاً من عقوبته معجلة أو مؤجلة أو طمعاً في رحمته وحفظه عاجلاً وآجلاً وهم عوام المسلمين وفيهم قال عليه السلام لولا النار ما سجد لله ساجد فهذا عبادته بنفسه لنفسه

ومنهم من يعبد الله محبة في ذاته وشوقاً إلى لقائه لا طمعاً في جنته ولا خوفاً من ناره ونكاله وهم المحبون العاشقون من السائرين وهءا عبادته بنفسه لله

ومنهم من يعبد الله قياماً بوظائف العبودية وأدباً مع عظمة الربوبية أو تقول صدقاً في العبودية وقياماً بوظائف الربوبية وهم المحبون العارفون وهذا النوع عبادته بالله لله ومن الله إلى الله

فمن عبد الله تعالى لشيء يرجوه منه في الدنيا أو في الآخرة أو ليدفع عنه بطاعته ورود العقوبة في الدنيا أو في الآخرة فما قام بحق أوصاف الربوبية التي هي العظمة والكبرياء والعزة والغني وجميع أوصاف الكمال ونعوت الجلال والجمال

لأن نعوت الربوبية من العظمة والجلال تقتضي خضوع العبودية بالأنكسار والأذلال أرأيت أن لم تكن جنة ولا نار ألم يكن أهلاً لأن يعبد الواحد القهار أ

رأيت من أنعم بنعمة الإيجاد والأمداد أليس أهلاً لأن يشكره جميع العباد فمن كان عبداً مملوكاً لسيده لا يخدمه في مقابلة نواله ورفده بل يخدمه لأجل عبوديته ورقه وسيده لا محالة يقوم بمؤونته ورزقه

فلا تقصد شيئاً من هذه الأمور التي يجازيك الحق تعالى بها كانت معجلة أومؤجلة فإن ذلك نقص في أخلاصك وناقض لصدق عبوديتك

تذكر جميلي فيك إذ كنت نطفة

ولا تنس تصويري لك في الحشا

وكن واثقاً بي في أمورك كلها

سأكفيك منها ما يخاف ويختشي

وسلم إلى الأمر وأعلم بأنني

أصرف أحكامي وأفعل ما أشا

فأستحي من الله تعالى أن تطلب أجراً على عبادة أجراها عليك الواحد المنان وأذكر قوله تعالى ( الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) وقوله وقوله تعالى ( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله)

روي عن حضرة النبي ﷺ لا يكن أحدكم كالعبد السوء أن خاف عمل ولا كالأجير السوء أن لم يعط الأجرة لم يعمل

وفي أخبار سيدنا داوود أيضاً عليه السلام أن الله أوحى إليه : إن أود الأوداء إلى من عبدني لغير نوال لكن ليعطي الربوبية حقها

ثم أن رفعت همتك عن طلب الحظوظ صبت عليك الحظوظ فقد ورد في بعض الأخبار أن الله يحفظ الأولاد وأولاد الأولاد بطاعة الأجداد

لقوله تعالى (وكان أبوهما صالحاً ) فقد حفظ الحق تعالى كنزهما بصلاح أبيهما فقد صبت الحظوظ على الأولاد وهو حفظهم بترك الآباء

  • وقال العارف بالله أبو بكر الواسطى

إن تكن ابن الأزل والأبد أفضل من أن تكن ابن الإخلاص والصفاء، والصدق والحياء.

ولأن يراك الله جل جلاله في مذلة الإفلاس والعجز والانكسار أفضل من أن يراك معجب بعملك ونفسك وعبادتك

فمن عبد الله تعالى من أجل الجنة فهو أجير نفسه ومن عبد الله تعالى من أجل الله فهو جاهل عنه أى أن الله غنى عن عبادته فهل تظن أنك تعمل من أجله إنك تعمل من أجلك أنت.

العبودية ألا تعتمد وتركن إلي الحركة والسكون وكلما زالت هاتان الصفتان عنك فقد بلغت حق العبودية

( اي اعمل وتعبد بشرط الاعتماد على الله عز وجل وليس علي عملك )

وطلب العوض والتطلع إليه من ثواب وأجر على الطاعات من علامات نسيان فضل الله تعالى عليك فالمقامات أقسام قسمت فكيف تستجلب بحركات أو تنال بالسعي . ( اي عليك السعي والعمل لكن لا تظن أنك بذلك تستحق ما عنده لأن ما في خزائن علمه كتبت لك منذ الأزل وقد قسمت لك )

{ تذكرة الأولياء لفريد الدين العطار ترجمة الإمام}

  • قال ذو النون المصري ( بينما أنا أسير في جبال أنطاكية وإذا بجارية كأنها مجنونة وعليها جبة من صوف فسلمت عليها فردت السلام ثم قالت : الست ذا النون المصرى ؟؟

قلت عافاك الله كيف عرفتيني ؟ قالت : فتق الحبيب بيني وبين قلبك فعرفتك باتصال معرفة حب الحبيب . ثم قالت : أسألك مسألة ؟ قلت سليني

فقالت : ما هو السخاء ؟ قلت لها البذل والعطاء قالت هذا السخاء في الدنيا فما السخاء في الدين قلت لها هو المسارعة إلى طاعة المولى عز وجل.

فقالت فإذا سارعت إلى طاعة المولى تحب منه خيرا فقلت نعم للواحد عشرة أى الحسنة بعشر أمثالها قالت إذهب بإ بطال هذا في الدين لشئ قبيح .

ولكن المسارعة إلى طاعة المولى أن يطلع إلى قلبك وانت لا تريد منه شيئاً بشيء .

ويحك يا ذا النون إنى أريد أن أقسم عليه في طلب شيء منذ عشرين سنة فأستحى منه مخافة أن أكون كأجير السوء إذا عمل طلب الأجر

ولكن أعمل وتعبد لربك تعظيماً لهيبته وعز جلاله قال ذا النون ثم ذهبت وتركتني

( حلية الأولياء لسيدي أبي نعيم الأصبهاني )

  • إذا عبدته لطلب كرامة أو مقام أو جنة أو غيره فأنت عبد لما طلبت وجعلت ربك وسيلة لما تطلبه :-

قال أرسلان الدمشقي:-

أنت مشتغل بك عنه أين الاشتغال به عنك، وهو عز وجل حاضر ناظر وهو معكم أينما كنتم .

قال عبد الغني النابلسي شارحا لهذا الكلام :-

أعلم أن هذه الأربعة من الشهوات والعبادات والمقامات، والمكاشفات ( و مطالبك من دنيا أو آخرة ) حجابا لك عن ربك بسبب دخولك تحت أسر هذه الأغيار (والمطالب)

يا من تزعم أنك تريد التقرب إليه، والإقبال عليه وهو الله سبحانه وتعالى (أين الاشتغال) المعهود لك يعني اشتغالك الذي تزعم أنه (به) أي بالله سبحانه وتعالى (عنك) أي : عن نفسك فضلاً (عن سائر مطالبك وعن ) الأغيار

لو كنت صادقاً ما التفت إلى شهوة أو عبادة ولا مقام ولا مكاشفة ( ولا مطلب من الدنيا أو الآخرة )

ولجعلت القصد إليه تعالى وحده دون جميع ما عداه، والجردت الهمة والعزم فيه تعالى، وتركت كل ما سواه

( خمرة الحان ورنة الالحان شرح رسالة الشيخ ارسلان لعبد الغني النابلسي )

  • اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، لا طمعا في برك ولا رَغْبَةً فيما عندك لان لك المئة علينا بإيجادنا قبل أن لم نكن فلك الحمد على ذلك .

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين

  • المراجع :-

  • حلية الأولياء لأبو نعيم الأصبهاني

  • شرح الحكم العطائية لإبن عجيبه الحسني

  • تذكرة الأولياء لفريد الدين العطار ترجمة الإمام ترجمة ابو بكر الواسطي

  • حلية الأولياء لأبو نعيم ترجمة ذو النون المصري

  • خمرة الحان ورنة الالحان شرح رسالة الشيخ ارسلان لعبد الغني النابلسي

.