حسن الظن بالله تعالى:-
روي عن حضرة النبيﷺ أنا عند ظنِّ عبدي بي فليظُنَّ بي ما شاء. { أخرجه الدارمي وابن حبان }
وروي عن حضرة النبي ﷺ
إن حسن الظن بالله من حسن عبادة الله.
(أخرجه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه)
* البيان :-
يندرج معني الحديث في قول الحكيم : (إن الله يرزق العبد على قدر همته ) لأن الهمة تنشأ من قوة ظن العبد بربه فإذا هممت بشئ قائم على حسن ظنك بربك فإن الله تعالى يعطيك علي قدر همتك بحسن ظنك ولا يخيب ولا يخيب رجاؤك ابدا .
* أقوال العارفين في ذلك:-
* قال الامام القرطبي :-
يقصد به ظن الإجابة عند الدعاء وظن القبول عند التوبة. وظن المغفرة عند الاستغفار وظن المجازاة ( بالثواب والجنة ) عند فعل العبادة بشروطها تمسكًا بصادق وعد الله تعالى لمن اطاعه
* االحاصل من الله سبحانه وتعالى أنه على قدر الاستعداد يأتي الإمداد فلا يدخل عمل العبد على الله إلا بحسن ظنه بالله تعالى
ويكفي في حسن الظن ما جاء عن الله بلسان رسول اللّه ﷺ : أنا عند ظن عبدي بي
وما أعظمها من إشارة وأكرمها من بشارة لمن كان ظنه بالله حسنا فإنه يجد الله عند ظنه بالحسنى، وما أطمها من نذارة وخسارة لمن كان ظنه بالله سيئًا فإنه يجد الله عند ظنه بمثله
فاحذر أن يكون الله عند ظنك السيئ فتشقى واجهد أن يكون الله عند ظنك الحسن فتسعد في الآخرة والأولى
فهو سبحانه يقول: «فليظن بي ما شاء»، ويقول: «أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيرًا فله، وإن ظن شرا فله
وقال بعض أكابر المحققين من أهل الله : إن الله عند ظن عبده به فإذا ظن به أنه لم يستجب له فإن الله تعالى لا بستجيب له بعد ذلك،
فإن رسول اله يقول: «إن الله يستجيب للعبد ما لم يقل العبد لم يستجب لي».
فاحذر من مكر الله بك من حيث لا تشعر لاسيما وقد علمت أن لكل أمر شرطاً في حصوله وليس إلا الاستعداد، قال الله تعالى: ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَزْدَاكُمْ﴾
فالظن الخير بالله ينجي من الردى فإذا رجوت الله في أمر فلا بد من ذلك الأمر أن يكون لك أو مثله فلا تستبطئ ذلك فإن الأمور عند الله مؤقتة، فإذا جاء الوقت ظهر الأمر
وكن على ثقة من الله لا بد لك أن يحصل لك ما تعلقت بتحصيله همتك أو مثله أو أعظم منه
* تنبيه :-
استلزمت هذه القاعدة تنبيه الناظر في سير الصحابة والتابعين والأولياء والسلف الصالح أن يحترز من النكبة الخفية ومدرجة المكر التي هي أكبر فتنة وبلية
وذلك أن كثيرا من العباد ومن المريدين السالكين إذا وقفوا على ما منح الله به الصحابة والتابعين من كثرة الصيام وقيام الليل وأعمال البر والخير والتقوي
وما فعله الأولياء المتقدمين وما أقدرهم عليه من مشاق المجاهدات مما يخرج عن طور حكم العادات
كما روي الجنيد عن السري أنه أتت عليه إثنين وتسعون سنة ما رؤى مضطجعا إلا في علة الموت
وما روى عن الشيخ عيسى بن حجاج أنه صام أربعين سنة عن الطعام والشراب وأمثال هذه الآثار المروية
فتقول ليس هذا في وسع البشر ولا سبيل لي هذا ولا ذرة ولنفرض أني شرعت في عمل مثل هذه الأعمال فلعل القدر لا يساعدني أو لا يفي عمري بمدة أحد هؤلاء الرجال
فإذا لا استطيع أن الحق بهم أو أصل الي ما وصلوا إليه بنهاياتهم ولا سباق إلى غاياتهم
فيكون ذلك سبب انقطاعك عن الله والعياذ بالله فيقطعك عن اللحاق بهم و تحرم من نيل ما نالوه من المكر والخذلان.
بل اعمل وتعبد وأحسن الظن بربك ولا تنسي قول حضرة النبي ﷺ اعملوا فكل ميسر لما خلق له فما استطعت فعله فهو مراد ربك واعانك علي قدر استعدادك
ولقد روي عن حضرة النبي ﷺ :
ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر».
فيطلب منا المولي سبحانه وتعالى العبودية والدعاء والاستغفارا ليستجيب ويعطي ويغفر مكرراً ذلك كل ليلة
فهل هذا منه عز وجل بنا إلا من شديد العناية وبذل الفضل لنا وأكيد الرعاية وطلبا لنا منه إليه وترغيبا لنا في جزيل ما لديه
* قال أبي حامد الغزالي:
وهذا يدل على أن العبادة على الرجاء أفضل لأن المحبة أغلب على الراجي منها على الخائف وكذلك أمر الله تعالى بحسن الظن ولذلك قال : {{ سلوا الله الدرجات العلا فإنكم تسألون كريما ،}}
وإذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة فإنه لا يتعاظم على الله شيء إذا رجوت الله في أمر فلا بد من ذلك الأمر أن يكون لك أو مثله فلا تستبطئ ذلك
فإن الأمور عند الله مؤقتة فإن ربك ليس من شأنه العجلة لأنه حليم فإذا جاء الوقت ظهر الأمر وكن على ثقة من الله تعالى الله حتما بكرمه وجوده وحسن ظنك به عز وجل
أن يعطيك ما تعلقت به همتك بتحصيله أو مثله أو أعظم منه ولا يحملك تأخير ذلك والاستبطاء على ترك العمل الصالح من عبادات وتلاوة وذكر وخدمة ورعاية لعباد الله فإن لم تستطع أن فعل فعل الصالحين
قال محي الدين ابن عربي :-
من صدق في شيء وتعلقت همته بحصوله كان له عاجلاً أو اجلاً. فإن لم يصل إليه فى الدنيا فهو له فى الآخرة ومن مات قبل الفتح الرباني رفعه إلى محل همته
( ويستدل على هذا بحديث قارئ القرآن في الآخرة حيث روي عن حضرة النبي ﷺ
يقال لقارئ القرآن: اقرأ ورتل وارتق كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها)
( أخرجه أبو داود في السنن )
ومما يقوي همتك أيضاً وعدم اليأس مما تطلبه من ربك وحسن ظنك به سبحانه وتعالي هو ما روي عن حضرة النبي ﷺ أنه قال :
من تشبه بقوم فهو منهم
وقال من أحب قوما حشر معهم
بشرط بذل المجهود بقدر الاستطاعة وليس الكسل والأماني التي هي مصائد ابليس والنفس والهوي
واعلم أن الله تعالى يحب الملحين في الدعاء والملحين في العمل لأن الدوام علي عبادة وعمل صالح هو إلحاح منك عملي وليس قولي فقط
ولذلك كثرت من النبي ﷺ في غزوة بدر مناشدته ربه ودعاؤه بطلب النصرة لعلمه بذلك وغاب عن أبي بكر ما علم رسول الله له من ربه الذي جعله يكثر مناشدته في ذلك،
فلكل أمر شرطاً في حصوله وليس إلا الاستعداد فإنه علم أن النصرة في ذلك اليوم مشروطة بمناشدته ولا علم لغيره بذلك.
واعلم أن المثابرة مع حين الظن مع الدوام علي الصالح من الأعمال والعبادات هو وقوف بأدب علي باب ملك ت
الملوك والملك كريم ويفتح لك باب فصله وقتما يريد لا ما تريد
فلقد قال بعض الصالحين من شق عليه ركوب الأهوال لم يرتقي إلى معالي الأحوال ومن لم يرتق إلى معالي الأحوال لم يبلغ مبالغ الرجال
:
وعليك مع حسن الظن حسن العمل بشرط التعلق برحمة الله وفضله وليس اعتماداً على عملك وعبادتك
لأن من دوام النظر إليه عز وجل فهو لا يرى إلا الله وفعله
فما ثم أحسن من دوام الحضور مع الله بذلك الحال
فدوام النظر إلي ربك وأنه معك وتكون مراقبا له بذلك اسرع الطرق الي نيل رضاه
فدوام الحضور مع الله ومقام دوام النظر إليه وهما مقامان عظيمان لا يناله إلا أكابر الورثة المحمديين الذين لا يرون إلا الله ولا يسمعون إلا منه ولا ينطقون إلا به
فإن رسول اللّه ﷺ كان ذاكرًا الله سبحانه على كل حاله، وكل أحيانه ولا يكون كل أحيانه إلا من كان حاضراً مع الله دائم النظر إليه في كل أحيانه.
وكل ما بلغك من فضل عمل وقول صالح عمله الصالحين حتي ولو قيل إنه لم يرد في السنة أو ضعيف ما دام لا يخالف الشرع وهو منه فاعمل به ولو مرة وأحسن الظن بقبوله عند ربك جل جلاله
فلقد روي عن حضرة النبي ﷺ :-
من بلغه عن الله فضيلة فلم يصدق بها لم يبلغها .
والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
.
* المراجع:-
* صحيح البخاري والترمذي
* الطبقات للشعراني والكواكب الدرية للمناوي ترجمة
الجنيد والسري السقطي
* الفتوحات المكية لإبن عربي
* إحياء علوم الدين الغزالي انظر باب الرجاء
* العطر الوردي في كرامات ومبشرات وعلوم سيدي
الشيخ اسماعيل الجبرتي
* مختصر الفتوحات المكية لإبن عربي لمحمود الغراب
.
.