جواهر العارفين في الحديث والقرآن المبين

قوله تعالى وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ

قوله تعالى : 

﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ [الحديد ٤] 


* أقوال العارفين في ذلك:- 

قوله تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ إنما هو المعية الذاتية عند العموم لا المعية بالعلم ولو أريدت المعية بالعلم وخوطب بها العموم؛ لقيل علم الله، أو علمه أو علمي معكما أينما كنتم

فإن المولي سبحانه وتعالى أعلم بمراده بكلامه من المؤولين الصارفين مفاهيم الألفاظ إلى غيرها. فكون المفسرين أجمعوا على المعية بالعلم لا يصلح

وقوله تعالى لسيدنا لموسى وهارون. (  إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ). فهذه المعية معية مخصوصة يُراد منها المعية بالمعونة فما اتحدت بالمعية المطلقة الذاتية وإذا اختلف الموضوع في المسألة انتفى التناقض بينهما 

فقوله تعالى : 

{ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾

 فالمعية هنا أيضاً معية مخصوصة وهي المعية بالنصرة فلم تناقض المعية الذاتية.

وكذلك قول حضرة النبي ﷺ
  «إن الله لا ينظر إلى صوركم»:

 أي نظر رحمة وإن كان ينظر مطلقاً ( لمعيته المطلقة )

والقول بالمعيَّة الذاتية هو مذهب أهل التحقيق، وأهدى إلى سواء الطريق؛ وذلك لظهور تحقق علمه تعالى بكل الأشياء فرداً فرداً، وذرة ذرة

فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة وهو بكل شيء عليم، ولا يؤوده حفظهما لأنه تعالى إذا كان مع الأشياء يعلم من علمه بنفسه الأشياء، ولا أقرب من هذا، ولا أكمل .

وقال ابن اللبان في قوله تعالى: ﴿وَنَحن أقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ) :- 

في ذلك دليل على أن قربه سبحانه من عبده قرب حقيقي مع تعاليه عن المكان لأنه لو كان يراد بالقرب قربه بعلمه أو بقدرته أو صفاته لقال ولكن لا تعلمون ونحوه 

فقوله: (ولكن لا تُبْصِرُونَ ) يدل على أن المراد القرب الحقيقي المدرك بالبصر والبصر لا تعلق لإدراكه بالصفات المعنوية وإنما يتعلق بالحقائق المرئية

وكذلك قوله تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾  يدل على ذلك لأن أفعل من يدل على الاشتراك في القرب ولا اشتراك بين قرب الصفات وقرب حبل الوريد

 لأن قرب الصفات معنوي بخلاف قرب حبل الوريد ففي نسبة أقربيته تعالى إلى الإنسان من حَبْلِ الْوَرِيدِ الذي هو حقيقي دليل على أن قربه تعالى حقيقي أي بالذات اللازم لها الصفات

فانتفى أن يكون المراد بالقرب قربه بصفاته فقط بل قربه بالذات أيضاً ويلزم من القرب بما ذكر معيته تعالى بما ذكر أيضاً إذ هي بمعناه فلا يعقل مجرداً عنها 

ولا يلزم من ذلك في حق المولي سبحانه وتعالى وجوده بالمكان لما تقرر ويشهد لذلك قوله تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } 

وكلمة ( أين ) إذا أطلقت لإفادة معية الله للمخاطبين في الأين اللازم لهم وليس لله سبحانه وتعالى فهو مع كل صاحب أين بلا أين  ونحو ذلك.
.

* قيوميته ووجوده بكينونة كل شيء:- 

قال السلمي:- 

المولي عز وجل ما فارق الأكوان الحق ولا قاربها كيف يفارقها وهو موجدها وحافظها وكيف يقارن الحدث العدم وبه قوام الكل وهو بائن عن الكل

( حقائق التفسير السلمي سورة الحديد) 

* وقال البيطار :-

 ومن هنا تعلم المراد باسمه المحيط فإن فهمت الهوية الإلهية علمت معنى قوله تعالى : اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ محِيطًا [النساء ] وعلمت معنى قوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ )

 فهو بذاته محيط بكل شيء، وبذاته مع كل شيء إذ ليس في الوجود إلا ذاته والأسماء والصفات هي الأشياء والذات محيطة بها، أي بمعنى أنها عينها لا غيرها     ( فتح الرحمن الرحيم للبيطار ص ٣٤٢ ) 
.

* معية الإحاطة ظاهراً وباطناً:- 

قال ابن عجيبه الحسني:- 

وهو معكم أينما كنتم بذاته وصفاته على ما يليق بجلال قدسه وكمال كبريائه إذ الصفة لا تُفارق الموصوف فإذا كانت المعية بالعلم لَزِمَ أن تكون بالذات فافهم

 فبحر الذات متصل لا يتصور فيه انفصال ولا يخلو منه مكان ولا زمان، كان ولا زمان ولا مكان

فجميعَ الوجوه مرآةَ وجوده وهو ظاهر لكل شيء، من كل شيء منزّه عن البينونة والحلول والافتراق والاجتماع

( تفسير البحر المديد لإبن عجيبه بتصرف ) 
.
والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين 
.

* المراجع :- 

* حقائق التفسير السلمي سورة الحديد
* فتح الرحمن الرحيم لبهاء الدين البيطار دار إحياء 
 التراث العربي بيروت لبنان
*  تفسير البحر المديد لإبن عجيبه الحسني  
* كشف الواردات لطالب الكمالات وغاية الدرجات  
  لابن قاضي سيماو طبعة العلمية