جواهر العارفين في الحديث والقرآن المبين

حديث النبي ﷺ من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ

روي عن حضرة النبي ﷺ  

 من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ والحسنةُ بعشرِ أمثالِها لا أقولُ (الـم) حرفٌ ولكنْ (ألفٌ) حرفٌ و(لامٌ) حرفٌ و(ميمٌ) حرفٌ

( أخرجه الترمذي والبيهقي وأبو نعيم)

* أقوال العارفين في ذلك :- 

* قال الإمام محي الدين ابن عربي:- 

اعلم أن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن حروفا منظومة من اثنين إلى خمسة حروف متصلة ومفردة وجعله كلمات وآيات وسور

( وسماه الحق سبحانه وتعالى)  نورا وشفاء وهدى ورحمة وذكر وعربيا وكتابا ومحكما ومتشابها ولكل اسم من هذه الأسماء وصف ليس للآخر وكله كلام الله تعالى 

فكونه حروفا فله حروف اللفظ وحروف الكتابة والحق يتجلى يوم القيامة في صور مختلفة فيعرف وينكر ولا يبعد أن تكون حروف القرآن بعض هذه الصور كما يليق بجلال الحق. 

ونقول أنه تكلم بصوت وحرف كما يليق بجلاله ، وتحملها محمل الفرح والضحك والقدم والعين وغير ذلك من غير كيف ولا تشبيه والقرآن كبير كثير لو تكلمنا على الحروف والآيات والسور لم يف العمر بذلك

وكونه كتابا كصورة الشهادة وكونه كلاما كصورة الغيب فأنت بين كثيف ولطيف والدلالة لطيفة على كل وجه 

وجعل الله للقرآن قلبا وهو سورة "يس" تعدل القرآن عشرة أوزان وجعل آية الكرسي سيدة أي القرآن والكل كلامه فلا تفاضل فيه فاضرع إلى الله يفهمك ما أشرنا إليه

وكون القرآن نورا بما فيه من الآيات التي تطرد الشبه المضلة والنور ينفر الظلمات

وكونه ضياء لما فيه من الآيات الكاشفة للأمور والحقائق

وكونه شفاء كفاتحة الكتاب وآيات الأدعية كلها

وكونه رحمة فلما فيه من من الوعد لعباده بالخير والبشرى 

وكونه هدى فهو كل آية محكمة وكل نص لا يدخله الاحتمال ولا يفهم منه إلا الظاهر لأول وهلة

وكونه ذكرا فلما فيه من آيات الاعتبار وقصص الأمم في إهلاكهم بكفرهم كقصة قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة وفرعون وقومه وأصحاب الفيل ...الخ

وكونه عربيا فلما فيه من حسن النظم وبيان المحكم من المتشابه وتكرار القصص بتغيير ألالفاظ من
زيادة ونقصان مع توفية المعنى المطلوب في التعريف والإعلام مع إيجاز اللفظ

وكونه مبينا فيما أبان من صفات أهل السعادة وأهل الشقاء فقد جعل الله القرآن جامعا لهذه النعوت والمعاني كلها التي لا توجد إلا فيه .
.

* واعلم أن الحروف المقطعة في أوائل سور القران الكريم فإنها صور ملائكة وأسماؤهم فإذا نطق بها القارىء أجابوه واستغفروا له وهم أربعة عشر ملكا :- 

ألف، لام، ميم، صاد، راء، كاف هاء، ياء , عين ,  طاء، سين , حاء، قاف "نون

[[  وهذه الحروف المقطعة في اوئل السور من غير تكرار مجموعة في قوله ( نص حكيم له سر قاطع ) ]]

وهذه الحروف ظهرت في ۲۸ سورة على عدد منازل القمر وصورها مع التكرار ٧٩ ملكا بيد كل ملك من الملائكة شعبة من شعب الإيمان

فالإيمان بضع وسبعون شعبة والبضع من ثلاثة إلى تسعة  ومن نظر في هذه الحروف يرى العجائب وتكون أرواح هذه الحروف تحت تسخيره تمده بشعب الإيمان التي بيدها وتحفظها عليه. 

وهذه الحروف الأربعة عشر لها ظاهر هو صورتها وباطن هو روحها ولكل حرف ليلة من الشهر يمده القمر فيها بقوى خاصة ولها منافع في جلب المنافع ودفع المضار والعمل بالحروف يحتاج إلى علم دقيق.

* قبسات نورانية للقران :- 

١- قال الامام السيوطي :- 

أنزلت التوراة لست مضين من رمضان والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان وأنزل الزبور الثمان عشرة خلت من رمضان

وانزل الفرقان لأربع وعشرين والنبوة للنبي  ﷺ كانت ٢٤ سنه ونزل القرآن فى ٢٤ سنه خلت من رمضان 

٢- الحكمة في إنزال القرآن متفرقا ؟ قيل لوجوه:-

الأول  :-  إرادة أن تكون الرسالة متصلة بين نبينا ﷺ  وبين الله فى كل وقت ويكون الحبيب على علم منه في كل ساعة 

 الثانى :-   لو نزل القرآن مرة واحدة لم يقدر على حفظه ألا ترى إلى قوله تعالى ( إن علينا جمعه وقرآنه 

 الثالث  :-  لو أنزله دفعة واحدة لثقل استعمال ما فيه من التكاليف كما ثقل على قوم موسى عليه السلام فأراد أن يكون عليهم يسيرا لقوله تعالى ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )

رابعا :-  أراد أن يكون معجزة للنبي ﷺ  في أخبار الكوائن كلما أرادوا شيئا نزل جبريل عليه السلام ببيانه وأخبر عما يكون فكان كما أخبر 

خامسا :   حتى لا يقنطوا من حياة النبي ﷺ ويعلموا أنه باق ما لم يتم القرآن 

سادسا  : أنه نزل متفرقا لئلا يستوحش النبي ﷺ وهذا معنى قوله تعالى ( لتثبت به فؤادك ) ويكون فيه إيناسه في كل ساعة فسبحان الحكيم القادر الصانع المتقن لا إله إلا هو رب العرش العظيم

* قال محي الدين ابن عربي:- 

إعلم أن القرآن الكريم جامعا لجميع الحقائق الإلهية والكونية على السواء فلم يكن فيه عوج ولا تحريف فمنزلته الاعتدال الذي هو منزل حفظ بقاء الوجود

فللقرآن الديمومة والبقاء ولما كانت هذه منزلة القرآن فكان ( ولازال كل ) من أنزل عليه رحمة للعالمين لأن الرحمة وسعت كل شيء فطلبها كل شيء طلبا ذاتيا . والقرآن ينزل على القلوب وفيه حقيقة الاعتدال

ولا يلتذ بتلاوة القرآن إلا صاحب الاعتدال ويجده جديدا في كل تلاوة وما كل قارئ للقرآن يشعر بنزوله لشغل روحه بطبيعته فينزل عليه من خلف حجاب الطبع 

وهم القوم الذين لا يجاوز القرآن حناجرهم ( فهولاء كان  نزول القرآن عليهم نزول على الألسنة لا على قلوبهم ) 

والذي ينزل القرآن على قلبه يجد لنزوله حلاوة تفوق كل لذة وينزل عليه بالفهم فيعرف ما يقرأ وإن كان بغير لسانه (  اي له لغة أخري غير العربية يتكلم بها )

ويعرف معاني ما يقرأ وإن كانت تلك الألفاظ لا يعرف معانيها في غير القرآن لأنها ليست بلغته ويجد في القرآن كل ما يريد

كما قال شيخنا أبو مدين ونزول القرآن في قلب العبد المؤمن هو نزول الحق جل جلاله فيه ويكلم الحق هذا العبد في سره من سره وهو قولهم:  ( حدثني قلبي عن ربي ) 

* والله أنزل الكتاب فرقانا في ليلة القدر وأنزله قرآنا في شهر رمضان كل ذلك في السماء الدنيا ومن هناك نزل في ٢٣ سنة فرقانا نجوما ذا آيات وسور

فمن يتلوه به فذلك القرآن ومنا من يتلوه بنفسه فذلك الفرقان ولا يصح أن يتلى بهما في عين واحدة

* وقال أبو مدين :- 

النزول انتهي بختم النبي ﷺ أما التنزل فهو باق الي يوم القيامة علي قدر صفاء القلب

( وعلي قدر القرب  يفتح الله تعالى علي العبد بفهم جديد واستنباط لمعانيه ومقاصده فهو بحر لا ينضب ونبع لن يجف ) 

* وقال إبراهيم النخعي :- 

إذا قرأ الرجل القرآن نهارا صلت عليه الملائكة حتى يمسي ولد ليلا صليت عليه الملائكة حتى يصبح

وإذا قال حين يصبح: أعوذ بالله من الشيطان عشر مرات أجير من الشيطان إلى أن يمسي وإذا قال ممسيا أجير حتى يصبح. 

( من سير السلف  للاصبهاني ج٢ ص ٣٢٤ )

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين 
.

* المراجع :- 

* الفتوحات المكية لإبن عربي الباب الخامس والعشرون 
   وثلاثمائة والسفر الحادي والعشرون طبعة دار صادر 
* شرح حكم ابي مدين لابن علان الصديقي 
* انظر ترجمة أبي مدين في الطبقات للشعراني 
  والكواكب الدرية للمناوي 
* مختصر الفتوحات المكية لإبن عربي  ج٣  اختصار  
   دكتور كمال الجزار طبعة الثقافة الدينية 
*  من سير السلف الصالحين للحافظ أبي القاسم 
  الاصبهاني طبعة العلمية 
.