قوله تعالى:
﴿وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾
[ سورة المائدة]
* الوجه الأول:-
ظاهر التوكل لعوام المؤمنين العلم بأن قضاءه لا رادَّ له
وحقائق التوكل التي لخواص المؤمنين شهود كل ما يحدث بالله ومِنْ الله ولله فإنَّ مَنْ فَقَدَ ذلك انتفى عنه اسم الإيمان
( لطائف الإشارات للقشيري)
* الوجه الثاني:-
أكثر الناس الكلام في التوكّل وحقيقة التوكل بأنه ثقة القلب وحصول الطمأنينة بوصول القسمة الأزلية للعبد
بحركة أو سكون من خير وشر ونفع وضرّ دين ودنيا وآخرة، قليلاً أو كثيراً، مؤقتاً محدوداً بزمانه ومكانه
وليس هذا إلاَّ من مقام الإيمان بأنه تعالى لا يخلف وعده في قوله: ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا﴾[ سورة هود ].
وأما العقل مجرداً عن الإيمان فإنه لا يعطي التوكّل بل يجوز أن الله يرزق عبده وأن لا يرزقه لأنه عز وجل لا يجب عليه شيء لأحد.
فليس التوكّل إلاَّ الثقة والطمأنينة لا ترك الأسباب مع الشك والاضطراب فليس هذا من التوكل المطلوب في شيء
ولو كان ترك السبب والحركة توكّلاً للزم إذا وضع الخبز بين يدي هذا المتوكل أن بألا يتناوله ويرفعه إلى فمه فإن هذا سبب وحركة لوصول الخير إلى بطنه
وإذا وضع الخبز في فمه يلزمه أن لا يمضغه ولا يحرك لساناً ولا غيره فإنه كلّها أسباب لوصول الرزق إلى البطن.
فلا يقول بترك الأسباب إلاَّ جاهل بالطريق وبالسنّة الشريفة فتارك السبب مع التمكن منه مأزور ( وعليه إثم ) بترك الحكمة وتعطيل صفة من صفاته سبحانه وتعالى
فمن نظر إلى باطن العارفين بالله تعالى تجدهم مثل جبلاً لا يتحرك ثابتّاً لا يتدكدك ليس لهم نظر إلى الأسباب ولا عبرة لهم بها.
ومن نظر إلى ظاهرهم رآهم كالطائر من غصن إلى غصن، ومن شجرة إلى شجرة
فهذ سيد العارفين وإمام المتوكلين سيدنا محمد ﷺ جنّد الأجناد وحفر الخندق، وادّخر قوت سنة لعياله ، وتداوى واحتجم وما ترك سبباً إلاَّ فعله
قال تعالى: ﴿وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾
وقال تعالى. ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً﴾
إلاَّ من أقامه الحق سبحانه وتعالى في مقام التجريد وعسرت عليه الأسباب بحيث أنه لا يجد إليها سبيلاً ولو سعى
فهذا عبد كامل ولو ترك الأسباب ( وهذا قليل في الخلق بل نادر والنادر لا يعمم ولاحكم له )
وكذلك الزهد يتصوّره عوام أهل الطريق على غير وجهه وإنما هو صرف القلب عن الرغبة فيما سوي المولي عز وجل وفيما يقرّب إليه لا غير ذلك
فإنّ ما يزهد فيه إمَّا أن يكون من نصيب الزاهد وقسمته أو ليس من قسمته
فإذا كان من قسمته تناوله أحبّ أم كره ولا يندفع عنه ولو استعان بأهل الأرض والسماء
وإمَّا أن لا يكون مقسوماً له، فزهد في ماذا؟! أيزهد في قسمة غيره؟ فما قُدِّر لفكيك أن يمضغاه لابدَّ أن يمضغاه.
( المواقف الروحية للجزائري)
والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
.
* المراجع:-
* تفسير لطائف الإشارات للقشيري
* المواقف الروحية لعبد القادر الجزائري موقف رقم ١٦٥ بتصرف يسير.
جواهر العارفين في الحديث والقرآن المبين