قوله تعالى: ﴿وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا﴾ [الشورى].
وقال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ﴾ [الإسراء ].
* ورد في بعض الأحاديث الربانية أنه تعالى يقول: «يا دنيا من خدمك فاتعبيه ومن خدمني فاتبعيه».
فاعلم أنه لا اختلاف بين الآيتين والحديث الرباني، وإن توهم بأن المراد بالحديث الرباني أمر الدنيا بالإعراض وعدم إقبالها عمن خدمها
بل المراد من قوله (فاتعبيه) أقبلي عليه بوجهك وعانقيه وانبسطي له وتوسعي حتى يتعب ويتعذب بسبب إقبالك عليه
إذ انبساط الدنيا وإقبالها على من خدمها ورغب فيها عقوبة من الله تعالى لخادم الدنيا كما قال لرسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
﴿فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾.
وقال له: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾.
وقوله: (ومن خدمني فاتبعيه) هو أمر من الله تعالى للدنيا بأن تكون خلف من خدم الله تعالى فلا تواجهه ولا تقبل عليه ولا تنبسط له لئلا تشغله عن خدمته تعالى
فالدنيا شاغلة عن خدمة الله تعالى إلا من رحم ربك وقليل ما هم، كسيدنا سليمان عليه السلام والكمل من أولياء الله تعالى الذين كانت الدنيا في أيديهم لا في قلوبهم، وفي ظاهرهم لا في باطنهم
فتصرفوا فيها تصرف المستخلف لا تصرف المالك. ومع هذا فقد ورد أن سيدنا سليمان (عليه السلام) يدخل الجنة بعد الأنبياء بأربعين سنة
وورد أن عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه) يدخل الجنة حبواً. ولا نشك أنهم أخذوا الدنيا بحق وأخرجوها بحق
وقال تعالى لسيدنا سليمان (عليه السلام) ـ: ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾
( انتهي )
* ذم الدنيا يطول فيه الحديث ، وهو معلوم لكل عاقل وما انقطع السالك إلا من حب الدنيا ومظاهرها من مال وجاء وغير ذلك
والاشغال بالدنيا من أجل الدنيا سم قاتل أما الانشغال بها من أجل الله فهى مطية المؤمن للدار الآخرة فلا ضرر في ذلك
وما ورد من حبو سيدنا عبد الرحمن بن عوف في الجنة فهو لتحذير الخلق من الدنيا
قال سيدنا أحمد التيجاني : حبو عبد الرحمن بن عوف أسرع من طيران أكابر الأولياء ( لان مقاييس الآخرة غير الدنيا)
وخطاب الرسول لصحابته وأهل بيته خاص به صلي الله عليه وسلم
وانظر إلى الأمير عبد القادر الجزائري وكلامه معاً فهل ترك الدنيا ، كلنا نعرف حاله فيها عاشها معززاً مكرماً مجاهداً عالماً معروفاً في الشرق والغرب ( بحروبه مع فرنسا وأمواله وعقارات يملكها )
ونشر الله له من الجاه والصيت والاحترام والتقدير ( عند المسلمين والغرب ) ما لم ينله أحد فى عصره
ولم يشغله كل هذا عن الله سبحانه وتعالى، فليس ذم الدنيا دعوة إلى التقوقع والتكاسل والتبلد والانعزال
وتركها لأعدائنا يتمكنون منها ويسيطرون علينا بها كما نراه الآن ولكن ذمها لتزهد فيها فتكون في أيدينا لا في قلوبنا .
.
المراجع :-
.
* المواقف الروحية العارف بالله عبد القادر الجزائري موقف رقم ٤
* المفاخر في معارف الأمير الجزائري عبد القادر والسادة الأولياء الأكابر للدكتور أحمد كمال الجزار ( بتصرف يسير جدا )
.
جواهر العارفين في الحديث والقرآن المبين