جواهر العارفين في الحديث والقرآن المبين

قوله تعالى أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ *وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ

قال تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ *وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ﴾[ سورة النحل:  52- 53].

* قال الإمام أبن عجيبة:- 

 أبى المحققون أن يشهدوا غير الله لما حققهم به من شهود القيومية وإحاطة الديمومية فمن فتح الله بصيرته، لم يشهد مع الحق سواه ( أي أن الخلق ليس بيديهم شئ من عطاء ونفع بل الله وحده والخلق والمخلوقات أسباب ) 

إذ الأكوان ثابتة بإثباته، ممحوة بأحدية ذاته فما حجبك عن الحق وجود موجود معه إذ لا شيء معه وإنما حجبك توهم موجود معه 

* وقال الإمام عبد القادر الجزائري:- 

نفي وإنكار على من يتّقى ويخاف غير الله، ويرى نعمة الله من غيره تعالى فيرجوه، وإذا مسّه الضر، جأر إلى الله كما يجأر للبعيد منه الغائب عنه فإذا كشف الضّر عنه أشرك به ونسب الكشف إلى غيره تعالى . 

ومابك من خير وشرّ فمن الله أفغير الله ترجونه منعماً فترجونه: ﴿وَمَ بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ﴾

أنكر المولي عز وجل عليهم  جهالتهم وكشف لهم ضلالتهم، أن يتّقوا ويخافو مخلوقاً، مع اعتقادهم أنه غير الله

فإن غير الله لا ملك ضراً فلا يُتَّقى، مع أنهم في نفس الأمر ما اتقوا إلاَّ الله. ولكن التبس عليهم الأمر، إذ لا غير أصلاً لوحدة الحقيقة 

فالأغيار أوهام وتخيّلات، فجهلوا جهالتين جهالتهم بالله وعدم معرفته

وجهالة اتقاء الغير مع اعتقادهم أنه غير

ولو عرفوا لاتقوا الله في مظاهر أسمائه الانتقامية وهي مقدراته ومصوّراته ومكوناته  التي جعلها مَجَالاً يخلق الضر عندها وبها

﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ﴾

كما اتقيتم غيره تعالى مخافة ضره بأوهامكم العاطلة، كذلك رأيتم نعمه عليكم من غيره فرجوتموه طمعاً في نعمه، وتوهّمتهم أن النعمة الواصلة إليكم بواسطة مظاهره تعالى هي في غيره. كلا وحاشا:

﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ﴾

لا من غيره، إذ غيره تعالى لا يعطي ولا يمنع، ولا يضر ولا ينفع، ثم إذا مسَّكم الضر، حيث ما نفعكم اتقاء من اتقيتموه فأوصل إليكم ضره وشره، على اعتقادكم. أو خاب رجاؤكم فيمن رجوتموه 

فما وصلتكم منه نعمة جأرتم إلى الله تعالى بالتضرّع والدعاء جؤار الجهلاء ودعوتموه 

برفع أصواتكم دعوة الجفلاء لأنكم توهمتم بعده منكم وانفصاله عنكم، وهو أقرب إليكم من جلسائكم، ومن حبل وريدكم، بل أقرب إليكم من أنفسكم

فإذا أجاب دعائكم وكشف الضرّ عنكم مع هذه الجهالات والآداب السيّئة والأوهام الباطلة إذا فريق منكم بربّهم يشركون

فينسبون ما حصل من كشف ضرّ، ورفع شرّ وجلب نعمة، وإفضال ورحمة إلى الأسباب المعهودة والوسائط المشهودة

ونسيتم الله تعالى مسبّب الأسباب، وخالق الوسائط. فحجاب الأسباب أعظم بليّة وأكبر رزيّة، على أهل الحجاب

ولا تتوهّم إذا رأيت عارفاً يخاف أو يرجوا مخلوقاً أو اعتبر الأسباب في ظاهره أنه مثل المحجوب في هذا هيهات!! 

فالعارف إنم يخاف الله في مظاهره ( من تجليات أسمائه علي خلقه ) فيرجو الله منها

 إذ هو تعالى وضع الوسائط والِأسباب وأمر بمراعاتها حكمة وعدلاً

 فشرك العارف حكم لا حقيقة إذ هو متحقق بالوحدة الحقيقية فهو موحّد خالص التوحيد، لا غير بالذات عنده. 

فمراعاته للأسباب علامة كماله ورسوخ قدمه في المعرفة بربّه، والأدب معه تعالى.

( كما تداوي النبي بمرضه وحفر الخندق في غزوته ...الخ فهو صلي الله عليه وسلم يشهد

 ويري المسبب الفاعل الحقيقي في النفع والضر والعطاء والمنع فالاسباب حكمته والفعل بها أو بغيرها قدرته فافهم تسلم ) 
.
* المراجع:- 

* القرآن الكريم سورة الفاتحة 
* تفسير البحر المديد لابن عجيبة الحسني سورة النحل 

 * المواقف الروحية للعارف بالله عبد القادر الجزائري  الموقف ١٧٤ ( بتصرف للتوضيح والتيسير) 

* التنوير في إسقاط التدبير لابن عطاء الله السكندري 
.