الأحاديث الفقهية حقيقة الاعتكاف الرباني
الأحاديث الفقهية

حقيقة الاعتكاف الرباني :- [ الاعتكاف هو فخ التجريد ]

روي عن حضرة النبيﷺ "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. رواه سيدنا عبدالله ابْنِ عُمَرَ وفي رواية عن سيدنا نافع رضي الله عنهم أجمعين.

بيان :- { هذا حديث من احاديث وفيرة تتكلم عن الاعتكاف سواء كان في الدخول للمسجد لأداء صلاة أو في رمضان

ولكن ثمرة الاعتكاف:- هي حبس النفس علي التوجه إلي الله تعالى قلبا وقالبا وإن يمتنع الإنسان بإيصال الشرور للناس وترويض النفس علي القيام بين يدي الله سبحانه وتعالى وعدم الانشغال بالدنيا ونعيمها من مال وعز وشهوة وعن الخلائق.

فإذا اشتدت المعيشة والزمان تغير والسعي أصبح ليس سهلا بل وعدد ساعات العمل أكثر من ساعات النوم احيانا فكيف نحرم عباد الله تعالي من هذه الحالة والخصلة المحمودة لله تعالى وهي الاعتكاف ؟

الجواب :- كما علمت أن ثمرة الاعتكاف هي التوجه والتعلق بربك بالقلب والقالب ولكن هذا في الخلوة والمكان البعيد عن الناس مسجد أو بيت أو كهف الخ. أما العبد المشتغل بالاسباب والسعي علي أهله ونفسه فله أيضا اعتكاف لكن بالقلب. أما القالب فمع الناس في العمل وغيره

فإذا كان قلبك مع ربك متوجها إليه تعلم أنه يراك ويري حالك واحوالك وما يجول في خاطرك فتكون شديد الحذر أن تمتد يدك الي حرام او تؤذي انسان أو تطلق لسانك علي الناس لأنك تخشي ربك فأنت في اعتكاف حتي ولو لم تكون في المسجد . لان الأساس هو رؤية ربك بقلبك إيماناً وتصديق بأن ربك اقرب اليك من كلام لسانك بلسانك واقرب إليك من قرب لحمك بعظمك واقرب إليك من خواطرك حتي وان كان الخاطر بخير أو شر في اقل من لحظة

فإذا كان هذا حالك فأنت معتكف وأعظم قدرا عندا الله من المعتكف في الخلوة أو المسجد الذي لا يجد مشقة في التوجه لربه بسبب بعده عن الناس . لأنك تعاشر الناس وتصبر عليهم وتخشي أن يراك ربك تقول كلمة أو تفعل حركة لا ترضيه وهذا هو الاعتكاف المطلوب الذي يجعل حركاتك كلها توافق مرضاة الله وتقيم الشرع بالادب وتنفع المجتمع وهذا مراد ربك من أعمار الدنيا . فأفضل العباد عند الله من كان قلبه مع ربه وجسده في خدمة خلقه وهي درجة عالية جدا من درجات العارفين بالله تعالى. }

[[ قال العارف بالله علي الجمل: اعلم أن الاعتكاف هو فخ التجريد وهو من لب العبودية وهو أعظم أوصاف الذات وفي الأصل: العبودية كلها اعتكاف فالصلاة والصوم والذل والقراءة وقيام الليل، والعزلة، والصمت، وغض البصر والسمع، والمجالسة بين يدي الرجال ، وعدم التدبير والاختيار، والرضى بالواقع، ومراقبة الله تعالى، والتجريد، والزهد، والقناعة من الدنيا، واليقظة، ومجانبة أهل النقص ( أهل السوء علي قدر جهدك ) كل ذلك اعتكاف وكذلك تخريب الجاه ( اي تتواضع وتخدم الناس ولا تتعالي عليهم مع انك صاحب جاه ومنزلة او رئاسة ) أيضا اعتكاف.

إلى ما ليس له حصر من أوصاف العبودية الظاهرية والباطنية. فالعبودية كلها جلال ( الجلال هو المشقة والتعب والاجهاد والاجتهاد في العبادات ومعاملة الخلق من تحمل قسوة الناس وشدة التعب من العمل والكدح في طلب الرزق والعلم وخدمة الناس ومشقة العبادات علي الجسد من قيام للصلاة وجلوس طويل للعلم وصيام وحج وعمرة وقيام الليل وعلي النفس من الصبر علي ضيق الرزق وانتظار الفرج ومقابلة سوء الأخلاق من الناس بالحسني والصبر عليهم وكل ذلك الجلال علي الجسد والنفس هو (*) مفتاح الجمال الذي هو أعظم من الاعتكاف بل الاعتكاف شجرة وأوصاف العبودية كلها أغصان لها .]]

الجسد مع الخلق بالخدمة والقلب مع الرب في الحضرة ( * ) بتصرف يسير علي قدر فهم العبد الصغير الحقير والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم )

                               * * * *