حديث النبي  موتوا قبل أن تموتوا. ج١
جواهر العارفين في الحديث والقرآن المبين

حديث النبي  موتوا قبل أن تموتوا. ج١

روي عن حضرة النبيﷺ موتوا قبل أن تموتوا.

كشف الخفاء للعجلوني

هذا الحديث بهذا المتن استشهد به صدر المتألهين منسوباً إلى النبي ووصفه الفيض الكاشاني بالحديث المشهور وقال العجلوني قال الحافظ ابن حجر غير ثابت

  • الحديث له شاهد يعضده في القرآن الكريم  من باب الإشارة وراء العبار حيث قال سبحانه وتعالى. :-

{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ  *  وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ }

قال العارف بالله نجم الدين كبري:-

{ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }  في محبتنا عاشقين جمالنا يعني: اشتغلوا بالمجاهدة ليحصل لكم الموت الاختياري

{ وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ }  يعني: لا يشتغلون بالمجاهدة ولا يجتهدون في تضعيف النفس ولا يشتهون أن يكشف غطاؤهم بما كسبت أيديهم من الاشتغال بملاذهم العاجلة وشهواتهم

{ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ }  الذين ظلموا على قواهم بعد اشتغالهم بذكر الله، وتحصيل الاستعداد السري بالرجوع إلى مألوفات طبعهم وتركهم السلوك والذكر.

( تفسير سورة الجمعة لنجم الدين كبري )

حقيقة موت النفس عند الاولياء والعارفين  :-

  • قال عبد القادر الجيلاني:-

افن عن الخلق بإذن الله تعالى وعن هواك بأمر الله تعالى وعن إرادتك بفعل الله تعالى وحينئذ تصلح أن تكون وعاء لعلم الله تعالى

حيث قال تعالى:- { وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (سورة.المائدة) }.

ثم قال الإمام ( عن انواع الموت الحقيقي أي الفناء ) :

(١) فناء عن خلق الله تعالى:-

وعلامة ذلك انقطاعك عنهم وعن التردد إليهم واليأس مما في أيديهم

(٢) فناء عن هواك:-

وعلامة ذلك ترك التعلق بالاسباب ( اي تعمل وتسعي وعلي يقين كامل أن الأسباب لا دخل لها ) في جلب النفع والضرر فلا تحرك ولا تعتمد عليك ولا لك ولا تنتصر لنفسك وتكل ذلك كله إلى الله تعالى

لأنه سبحانه وتعالى قد تولاه اولاً فيتولاه آخراً كما كان موكولاً إليه في حال كونك مغيباً في الرحم وكونك رضيعاً طفلاً في مهدك.

(٣) فناء عن إرادتك بفعل الله:-

وعلامة ذلك أنك لا تريد مراداً قط ولا يكون لك غرض ولا يبقى لك حاجة ( أي) لا تريد مع إرادة الله سواها بل يجري فعل الله فيك

( أي من أقدار وأفعال بواسطة الناس أو الأسباب الحسية أو غيره فلا تريد دفع أو تغير ذلك بل تستسلم كلية لما قضاه وقدره حتي ولو كنت كارها لذلك )

فتكون أنت عند إرادة الله وفعله ساكن الجوارح مطمئن القلب منشرح الصدر منور الوجه غنياً بربك عن كل شئ تقلبك يد القدرة وأنت ( مستسلم بلا إرادة )

{ فتوح الغيب و وبهجة الأسرار للشطنوفي }

  • وقال اسماعيل الجبرتي:-

ادخلوا على الله عز وجل بالله فإنه لا يدخل على الله إلا بالله خالفوا هواكم تفوزوا بمولاكم من خالف هواه فاز بمولاه.  {العطر الوردي }

  • وقال العارف بالله محمد الصيرفي:-

بالجد والاجتهاد تدرك غاية المراد وبالعزم الصحيح يشرق صباح الفلاح وما حصلت الأماني بالتواني ( التراخي والكسل والتسويف )

وما ظفر بالأمل من استوطن فراش الكسل فإياك أن تقول إن قدر شيء وصل وإن كان في الغيب فهو مقضى حصل فبالحركة تكون البركة وبهز الشجر يسقط الثمر 

( الكواكب الدرية )

  • وقال  علي البيومي:-

راقب الله في خطراتك فإنه يعصمك في حركاتك ومن علم الدسائس فقد حاز النفائس ومن عرف نفسه لم يظفر بأنسه

وأصل كل طاعة ويقظة وعفة عدم الرضا عن النفس وعلامته اتهامها والتحفظ من آفاتها وحملها على المكاره في جميع أوقاتها

وأصل كل معصية وشهوة وغفلة الرضا عن النفس وعلامته الشفقة عليها والإغضاء عن عيوبها

فأقرب شيء إلى مقت الله رؤية النفس وأحوالها وأشد منه طلب العوض (  من ثواب وجنة ومقام وحال  )  على فعلها

فمن رأى نفسه واتبع هواه خسر دنياه وآخرته ومن خالفها ونهى هواه عن بلوغ مناه فالجنة مأواه.

  • وقال عبد العزيز الدباغ:-

علامة موت النفس:-

أن تكون أفعالك  خالصة لله فإذا كانت الأعمال لغير الله فذلك علامة حياة النفس

وعلامة أخرى إذا كان العبد يجد من نفسه وسواساً فهو علامة على حياة النفس وبقدر قوة حياة النفس يكثر الوسواس

فمن لا وسواس له فلا نفس له ومن له وسواس فله نفس حية ومن له نفس حية لا تكون أعماله الله تعالى بل لنفسه يسعى ولها يدبر .

واما علاج النفس الحية حتي تموت:-

هو معرفة الله تعالى ومشاهدته فإذا كان قلب العبد معمورا بها وعلم أنه من ربه تعالى بمرأى ومسمع وأنه لا يتحرك في شيء إلا إذا كان هو المحرك له تعالى

وأنه هو المنعم عليك سبحانه وتعالى بما شاء من النعم وأن مصيرك في الدار الأخرى إلى ربك فيدخلك أي دار شاء

فإذا فكرت فى هذا علمت قطعاً أنك لا تقدر على نفع نفسك ولا لغيرك في هذه الدار ولا في الدار الآخرة إلا إذا أعطاك ربك فعند ذلك لا تتشوف إلى غيره فتموت نفسك

واعلم إنما أخذ العبد الضعيف وكان تدميره في تدبيره حيث عزل ذاته عن الله تعالى وجعل ينظر في امرها بالتدبير والقيام عليها ويبذل مجهوده في تحصيل مطالبها

وهو في ذلك كله غافل عن الله تعالى فوكله الله تعالى إلى نفسه وجعله يشعر بالاغيار كما انقطع إلى الاغيار فتراه يتألم بالبرد والحر و تضره الجراحات وغير ذلك من أنواع الأذي

ولو أنه لم يعزل نفسه عن ربه عز وجل وجعل زمامها بيد خالقه وقطع النظر عن غيره ومحا من قلبه جميع الاغيار فإنه لا يحس حينئذ بألم من الآلام ولو كان يمشى على حسك الحديد

ولأجل هذه الغفلة عن الله سبحانه عظم الحمل على العبد وجاءته التكاليف وأرسلت إليه الرسل بالشرائع ليردوه عن الغفلة إلى الله سبحانه

ولولا الغفلة عن الله تعالى لكان البشر مثل الملائكة ولم يحتاجوا إلى تحمل هذه التكاليف الشاقة ولولا الغفلة عن الله تعالى لم تكن جهنم أصلا ولولا الغفلة عن الله تعالى لشاهد العبد أفعاله مخلوقة لربه سبحانه وتعالى

فلم تكن له نفس يشاهدها فضلا عن أن ينسب إليها شيئاً وإذا كان بهذه المثابة فإنه يكون فانيا دائماً فكيف يكلف مثل هذا والله تعالى أعلم .

(.الابريز  لعبد العزيز دباغ  ص ٢٩٤ و ٣٠٢ ) .

والي الجزء الثاني من بيان الحديث :- .