قوله تعالي وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً
جواهر العارفين في الحديث والقرآن المبين

قوله تعالي وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً

قال سبحانه و تعالى:﷽.

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً﴾[ سورة الإنسان }

قال العارف بالله عبد القادر الجزائري:-

اعلم أن «علي» في قوله «على حبه» يصح أن تكون بمعنى عن، أي متجاوزين حبه إلى بذله لوجه الله تعالى . ويكون الضمير عائداً على الطعام

ويصح أن تكون ( علي ) بمعنى ( في ) على تقدير مضاف أي في يوم حبه أي حب الطعام كما قال تعالى: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾. ويكون الضمير عائداً على الطعام أيضاً

ويصحّ أن تكون ( علي ) بمعنى ا( للام ) أي لأجل حبه ويكون الضمير بعائداً على الله تعالى

كما قال تعالى. ﷽.

﴿ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾[ سورة البقرة ]. أي لأجل حبّ الله تعالى . واعلم أن المتصدقين انواع كل علي حسب معرفتهم بربهم عز وجل وعلي حسب نيتهم :- . ١- الطائفة أو النوع الأول :

طائفة تطعم الطعام لوجه الله، أي لأجل بقاء الوجه الإلهي الذي قامت به الصورة ظاهراً بها نافذ الحكم فيها، فإن لكل صورة وجها إلهياً، أي اسماً إلهياً توجه به الحق تعالى إلى إيجاد تلك الصورة، وهو الوجه الخاص بتلك الصورة دون سائر الصور

وهو سرّ الله تعالى بينه تعالى وبين كل مخلوق وإلى هذا الإشارة بما ورد في الصحيح قوله تعالى: «مرضت فلم تعدني وظمئت فلم تسقني». الحديث بطوله.

ووجه الشيء ذاته، فافهم واحذر أن تتوهم حلولاً للإله عز وجل أو اتحاداً أو نحو هذا. وهذا الوجه هو المسمى عند الطائفة العلية بالوجه الخاص، أي الخاص بتلك الصورة وتلك العين لا يشاركه فيهاغيره

من الأسماء من حيث الصورة لا من حيث العوارض العارضة لحقيقة الصورة. فإن الأسماء الإلهية تتداول على الصور تداول الأمراء على المملكة

وهذ الوجه الخاص هو لكل صورة كانت ما كانت من صورة ملكية أو إنسانية أو حيوانية أو نباتية أو جمادية أو عقلية أو خيالية

لأن لكل موصوف بالوجود وجه خاص ينفرد الحق تعالى بعلمه لا يعلمه العقل ولا النفس ،

وهو واسطة المدد بين الله تعالى وبين كل مخلوق، وهو روح الروح وسرّ السر، ولا يدخل تحت عبارة ولا يقدر مخلوق على إنكاره فهو المعلوم المجهول

وهوالتجلّي في الأشياء المبقى لأعيانها، وأمّ التجلي للأشياء فهو تجل يفني أحوالاًَ ويعطي أحوالاً في المتجلى له

، فلا يرى الحقّ عز وجل مما يراه إلاّ هذا الوجه، ولايسمع كلام الحق إلا بهذا، ولا يعبد كل عابد من الحضرة الجامعة إلاّ هذا الوجه،

ولا يسمع كلام الحق إلا بهذا ولا يعبد كل عابد من الحضرة الجامعة إلاّ هذا الوجه الخاص به ولا يعرف إلاّ هو،

وهذ الوجه أعلى ما يصل إليه الكمل إلى الأخذ منه في مرتبة الولاية إذا ترقوا عن الأخذ عن الأرواح والوسائط

فما دامت الصورة موصوفة بالوجود كان ذلك الوجه الخاص ظاهر الحكم، وإذا أخفيت خفي حكم ذلك الوجه الخاص

وكل هذا ذكر في القرآن الكريم بوجه الله تعالى كقوله:
﷽. ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ﴾

فالمراد هذا الوجه وهذه الطائفة لا تخص بإطعامها إنساناً من حيوان أعجم ولا مؤمناً من كافر ولا مطيعاً من عاص

بل يفعلون مع الصور النباتية والجمادية ما به بقاء وجه الله ظاهراً فإنه الوجه الذي يشاهده المشاهدون من العارفين في كل مخلوق كما قال إمام العلماء بالله محي الدين الحاتم رضي الله عنه :

انظر إلى وجهه في كل حادثة

من الكيان ولا تخبر به أحد

وقال بعضهم: ما رأيت شيئاً إلاّ رأيت الله معه. وقال الآخر: ما رأيت شيئاً إلاّ الله فيه

  • فقوله تعالى «لا نريد منكم جزاء».

أي لا نريد أن يحصل لنا بسبب إطعامكم جزاء، وهو ما يجازي به الله تعالى المطعمين ويثيبهم به في الدار الآخرة، لأن اليتيم والمسكين والأسير لا يتصور منهم جزاء وإثابة لمن أطعمهم،

٢- الطائفة الثانية أو النوع الثاني:-

وهم من يريدون بإطعامهم الجزاء والثواب من الله تعالى وهذه هي الطائفة الثانية وهي أدني رتبة واقل منزلة من الطائفة الأولى. كما قال تعالى ﷽.

:﴿ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾[الروم ].

وقال ﷽. ﴿ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾[الروم ].

وهذه الطائفة الثانية تخص بإطعامها ( وصدقتها ) المؤمن دون الكافر والمطيع دون العاصي والحيوان دون النبات والجماد.

وقوله تعالى «ولا شكورا». أي ولا نريد أن يحصل لنا بإطعامهم شكورا بأن يشكرنا على ذلك الناس ويمدحوننا بالسخاء ويبقى لنا الذكر الجميل،

٣- الطائفة الثالثة أو النوع الثالث:-

من يرد أن يحصل لهم بإطعامهم شكورا بأن يشكرهم على ذلك الناس ويمدحونهم بالسخاء ويبقى لهم الذكر الجميل والثناء الجميل حتي بعد موتهم

وهذه الطائفة ليس لها حظّ عند الله تعالى وإنما حظها وجزاؤها في الدنيا لأنها أرادت وقصدت بإطعامهم وصدقتهم هو شكر الناس لهم وذكرهم بالجميل

كما قال حضرة النبي ﷺ لابنة حاتم الطائي لما اسلمت وقالت له: يا رسول الله، إنّ أبي كان يطعم الطعام ويفك العاني ويفعل كذا وكذا

فقال لها حضرة النبي ﷺ: «إنّ أباك قصد شيئاً فناله»

اي طلب بفعله شي فأخذه وهو شكر الناس وذكرهم له بالثناء الجميل، حتى صارت تضرب به الأمثال في الجود والكرم.

وبهذا أجاب حضرة النبي صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة رضي الله عنها لما سألت النبي ﷺ عن عبد الله بن جدعان القرشي كان في الجاهليةِ يَقري الضيفَ ويفكُّ العانيَ ويصِلُ الرحِمَ ويُحسِنُ الجوار

وأثنَيتُ عليه فهل ينفعُه ذلك ؟ فقال رسولُ اللهِ ﷺ

لا إنه لم يقُلْ يومًا قَطُّ ربِّ اغفِرْ لي خطيئَتي يومَ الدِّينِ ( أخرجه إبن حبان )

وقد ذكر بعض المؤرخين أنه وقع في جفنته التي يطعم فيها الطعام صبي فغرق ومات وأنه كان يأكل منها الراكب على الجمل.

٤ - الطائفة الرابعة:

وهي التي تريد بإطعامها بقاء الصورة الشخصية مسبحة لله تعالى بجميع أجزائها وطوى ذكرها في الآية الكريمة لتلازم الوجه الإلهي والصورة في الظهور ولكن إرادة الوجه الإلهي بالإطعام أعلى وأفضل

الحاصل :-

والمتصدقون طوائف:

طائفة تعطي المتصدّق عليه رحمة به، مع رجاء ما وعد الله به المتصدّقين، وهؤلاء يفرقون في صدقاتهم بين المؤمن والكافر والمطيع والعاصي، نظرهم إلى ما ورد من الأمر باختيار الإنسان لصدقته

.وطائفة أعلى منها، تعطي المتصدّق عليه لبقاء صورته مسّبحة لله تعالى ذاكرة له، وهؤلاء لا يفرقون بين مؤمن وكافر، ولا بين حيوان ناطق وصامت، بل ولا بين حيوان ونبات؛ نظرهم إلى أن كلّ صورة، كانت ماكانت مسبحّة لله تعالى مادامت باقية

وطائفة وهي أعلى الجميع، وقليل ماهم، تعطي المتصدّق عليه لبقاء ظهور آثار الأسماء الإلهية، فإنه لا ظهور له إلاَّ بالصور، وكلّ اسم انهد مناره خبت آثاره. .

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم على نبينا سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين .

  • المراجع:-

  • القران الكريم

  • مسند الامام أحمد وابن حبان باختلاف يسير

  • المواقف الروحية لعبد القادر الجزائري الموقف رقم السابع والأربعون بعد الثلاثمائة بتصرف يسير .