حديث النبي يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب
جواهر العارفين في الحديث والقرآن المبين

من جواهر العارفين في الحديث والقرآن المبين

روي عن حضرة النبي ﷺ

يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب، هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ...

( رواه البخاري واللفظ له ومسلم وابن ماجه والترمذي )

وفي رواية :-

هُمُ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ، ولَا يَتَطَيَّرُونَ، ولَا يَكْتَوُونَ، وعلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقالَ عُكَاشَةُ بنُ مِحْصَنٍ أمِنْهُمْ أنَا يا رَسولَ اللَّهِ قالَ نَعَمْ، فَقَامَ آخَرُ فَقالَ أمِنْهُمْ أنَا قالَ سَبَقَكَ بهَا عُكَّاشَةُ. .

  • البيان :-

لا يسترقون أي لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم وإن كان طلب الرقية جائزا من الناحية الشرعية ولا يكتوون بالنار ولا يتطيرون أي لا يتشاءمون لأن من صفات العبد الموحد بالله تعالى التفاؤل وليس التشاؤم .

  • قال العارف بالله عبد القادر الجزائري:- ،

أعلم أن الأسباب لا ترتفع أبداً وكلّ من زعم أنه رفع سبباً بغير سبب فما عنده علم لا بما رفع به ولا بما رفع

فالقائل برفع الأسباب العادية التي أجراها الحق سبحانه وتعالى في العالم وإن كان مر اده تجريد التوحيد وإطلاق الاقتدار الإلهي فقد أساء الأدب وما أعطى الحكمة الإلهيّة حقّها

فهو تعالى قادر أن يخرج من الحجر ثمراً بعد أن يجعل الحجر شجراً: ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾[الفتح].

وقد يكشف الله الضرّ عن الإنسان، من حيث يقصد ومن حيث لا يقصد. ومن حيث يشعر ومن حيث لا يشعر على تعدد أنواع الضرّ

فقد يجعل الله تعالى كشف الضرّ في شربة ماء، أو لقمة واستنشاق هواء.... والإنسان لا قصد له بذلك ولا شعور

فإن السبب لابدَّ منه لكن ما يجعله الحق تعالى سبباً. وكلامنا هذا مع من يعتقد أن الآثار تظهر عند الأسباب العادية.

،أما القائل بالأسباب الراكن إليها المعتمد عليها، المعتقد أنها تفعل بطبعها أو بقوّة أودعها الله فيها فهذا نوع من الشرك الصريح وصاحبه ممن استعبدته الأسباب وأضلّته فنظره مقصور على الصور أعمى عن مصورها عز وجل ومسبّبها

  • كما قال الإمام الباجوري :-

ومن يقل بالطبع أو بالعلة. فذاك كفر عند أهل الملة

[ وكما ورد عن السيدة مريم رضي الله عنها كانت في بدايتها تأتي إليها الأرزاق بغير سبب كما في سورة آل عمران، وفي نهايتها قال لها: ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ )

قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه:

كانت في بدايتها متعرفًا إليها بخرق العادات وسقوط الأسباب، فلما تكمل يقينها رجعت إلى الأسباب، والحالة الثانية أتم من الحالة الأولى، ]]

وأما ما ورد في صحيح البخاري في السبعين ألف الذين يدخلون الجنّة بغير حساب وذكر من صفاتهم أنهم لا يرقون ولا يسترقون....... الحديث بطوله

فليس المراد منه بيان أفضلية هؤلاء على الذين يأخذون بالأسباب على الوجه المشروع، كيف ذلك ؟

واستعمال الأسباب طريقة أكمل الخلق وأعلمهم بالله تعالى وهم الأنبياء والكمّل من ورثتهم صلوات الله وسلامه عليه نبينا وعليهم اجمعين

وإنما المراد من الحديث الإخبار بأن طائفة من أمّته هذا عددهم ويكون هذا مقامهم، لا يرتقون إلى أعلى منه

ولهذا، لمَّا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا ما قام أحد ولا طلب منه أن يدعو له بالحصول على هذا المقام لجهله بالمقام الأعلى إلاَّ عكاشة بن محصن

وماطلب ذلك أحد من الخلفاء،  ولا من العشرة، ولا أحد من علماء المهاجرين والأنصار لعلمهم أن الكمال والشرف محصور في أفعال الأنبياء صلوات الله عليه وسلم

والرجل الذي قام ثانياً وقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سبقك بها عكاشة فهو رجل بدوي حديث عهد بصحبة،

والذي قام ثانياً وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم سبقك بها عكاشة كان منافقاً على الصحيح وما قيل: إنه سعد بن عبادة فغير صحيح

ولم ينقل عن نبيّ قط أنه ترك الأسباب ولا أمر بتركها فإن بعثتهم من أسباب الشقاء والسعادة،

فهذا أكمل الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ادخر قوت عام لأهله وحفر الخندق، وجنّد الأجناد وتداوى واحتجم ...الخ

وقال في مرضه أهريقوا عليَّ من أفواه سبع قرب لهم تتحلّل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس وقال الحمّى من فيح جهنّم فأبردوها بالماء

وصحَّ أن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها كانت أعلم أهل زمانه بالطبّ،  فسئلت عن سبب ذلك؟!

فقالت إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان كثير الأمراض، وكان الأطباء يصفون له الأدوية فتعلّمت الطب

ونقل عنها أنها قالت مرض (صلى الله عليه وسلم) بكل داء، وعالجته بكل دوا هذه هي طريقة الكاملين من نبيّ ووليّ كامل

إلاَّ أن يكون الولي ممّن غلب عليه الحال أو كانت له حالة مخصوصة مع الله مع كماله، فهذ يسلم له ولا يقتدى به ( لأنها حالات خاصة ونادرة والنادر لا حكم له )

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين .

  • المراجع:-

  • صحيح البخاري ومسلم والترمذي

  • تفسير البحر المديد لإبن عجيبه الحسني تفسير سورة مريم أية ٢٥

  • المواقف الروحية لعبد القادر الجزائري الموقف الثاني والثمانون بعد المائتين بتصرف .

  • شرح الخريدة البهية للدرديري ص ٨٦ طبعة كشيدة .