حديث النبي  موتوا قبل أن تموتوا. ج ٢
جواهر العارفين في الحديث والقرآن المبين

حديث النبي  موتوا قبل أن تموتوا. ج ٢

  • قال  أبو يزيد البسطامي:

رأيت ربّي عزّ وجلّ في المنام فقلت كيف أجدك فقال لي فارق نفسك وتعال

فمفارقة النفس والبدن يوصلك الي معرفة ربك :-

فأما النفس:-

بأن تخالف كل ما تهوي إلا ما كان فيه شرع وليس فيه حظ نفس وتربيتها بالاخلاق الربانية والسيرة المحمدية منهج وسلوك بلا تكلف أو رياء أو ادعاء بل خمول في خمول وعدم ظهور لأن الظهور يقصم الظهور

وأما البدن :-

ببذل المجهود والهمة وعدم الراحة إلا رغما عنك فتنام عن غلبة وتاكل عند جوع وليس عادة

وخدمة البدن وجهده هو أشد علي النفس بين عبادة وعمل من حلال وخدمة اهلك وخدمة المحتاج وخدمة الصالحين .

فإذا لم تفارق بدنك ونفسك بهذه الصفات فلن تصل الي معرفة ربك لأنهما حاجزا مانعا بينك وبين ربك ففرق بين العلم والتذوق فلا تعترض ولا تنتقد ما تسمعه

أو تراه أو تعلم به من أحوال العارفين مع ربهم من علم رباني وكرامة حسية ما لم تجتهد مثلهم وتتذوق ما ذاقوه من آلام النفس عند المخالفة والام الجسد بالتعب والخدمة والجوع والسهر ( فمن ذاق عرف ومن عرف اغترف )

  • قصة في بيان ذلك : قال أحمد السرخسي:-

في وقت من الأوقات خرجت من بلاد سرخس وأوغلت في الصحراء على رأس بعير كنت املكها ومكثت مدة. وكنت أحب دائما أن أجوع وأعطي نصيبي لغيري

وكان قول الله عز وجل: « ويؤثرون على أنفسهم » يتجدد أمام خاطري. وكنت أعتقد في هذه الطائفة ( يقصد الصوفية كان اعتقاده فيهم سليم ).

وذات يوم أقبل أسد جائع من الصحراء وافترس بعيرا من الإبل التي معي ومضى به فوق ربوة وزأر الأسد زأرة قوية حتى سمع زئيره كل ما كان في تلك الأنحاء من السباع

فاجتمعوا عليه فجاء الأسد ومزق البعير ولم يأكل شيئا ورجع إلى الربوة وأكلت السباع جميعا من ذئب ووحوش وأمثال ذلك وبقي الأسد مكانه حتى انصرف الجميع.

وعندئذ ذهب الأسد ليأكل شيئًا فظهر من بعيد ثعلب أعرج فرجع إلي مكانه حتى أكل الثعلب بقدر حاجته ثم ذهب وعندئذ رجع الأسد وأكل قدرا منه وكنت أنظر إليه من بعيد

فلما عاد الأسد قال لي بلسان فصيح :

يا أحمد! الإيثار باللقمة عمل الكلاب أما الرجال فيؤثرون بالروح والحياة فلما رأيت ذلك البرهان كففت عن كل الأشغال وكان ذلك بداية توبتي

قال الهجويري شارحا لمقصود القصة:-

بذل الروح أصل قوي وعظيم عند أهل البصيرة. وليس هناك شيء أشد على إبن آدم  أبدا من بذل الروح ( بمخالفة النفس وتعب البدن بالخدمة )

وقد جعل الله تعالى مفاتيح كل الخير في بذل المحبوب للمحبوب كما قال سبحانه وتعالى﷽   { لن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ )

{ كشف المحجوب للهجويري  }

  • وقال علي وفا الشاذلي:-

لن تبلغ كمال التطهير حتى لم يبق منك بقية من نفسك ولا ملاحظة لذاتك وحسك ( الأنا والأنانية والشهوات والاعتماد على الذات فلا تقول أنا ولي ومعي وملكي وفعلت وقلت وصليت واعتمرت وزكيت ....الخ. )

فإن ركنت إلى غيره فقد أشركت به تعالى. وإن كنت في حالة ( ما أنت عليه وله خلقت ) فلا تختر غيرها أعلى منها ولا أدنى منها لأن الشرك أن تختار مع ربك شيئا سوى ما اختاره لك

فلا تنشغل إلا به ولا تقبل إلا عليه فإن حصل لك فقد حصل لك كل شيء وإن فاتك مولاك فاتك كل شيء .

فلا تشتغل بغير مولاك واعقد القلب على طلب الرب واترك الممالك واركب المهالك ( اي اجعل الدنيا في يدك لا قلبك واقبل علي ربك ) .

فإذا زالت عنك الإرادة ( بأن تنسب لنفسك فعل أو ترك وتثبت ذاتك ) وادعاء ذلك لنفسك فهذا بعد منك عن معرفة ربك

لأنه روي عن النبي ﷺ أنه قال شمة من معرفة خير من كثير العمل.   ( ذكره البخاري في التاريخ الكبير وأبو نعيم وابن عساكر )

واطرح الدنيا على أربابها وأقبل على مولاك بعدم الأغيار ولا تدنسه بذكر جنة ولا نار بأسبابها وطهر قلبك الأغيار ( اي من كل ما سواه)    {رساله الفردانية لعلي البيومي}

  • فالنعمة العظمى من الله تعالى لعبده هو الخروج عن النفس لأن النفس أعظم حجاب بينك وبين ربك

وقال سهل بن عبد الله التستري ما عبد الله تعالى بشيء مثل مخالفة النفس والهوى.

وقال عطاء أقرب شيء إلى مقت الله تعالى لعبده هو رؤية النفس وأحوالها من فعل أو ترك وأشد من ذلك طلب العوض من الله تعالى علي ما تفعله نفسك

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم. وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد. وعلى اله وصحبه اجمعين .

  • المراجع *

  • تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي    لنجم الدين كبري طبعة العلمية

  • التاريخ الكبير للبخاري  وحلية الأولياء لأبو نعيم وتاريخ  بغداد لابن عساكر

*. كشف الخفاء للعجلوني

  • فتوح الغيب لعبد القادر الجيلاني

  • بهجة الأسرار للشطنوفي .بتصرف يسير

  • العطر الوردي في كرامات اسماعيل الجبرتي ص ٣٧٤

  • الكواكب الدرية ج٣ ص ٦٩٧ ( بتصرف يسير جدا)

  • كشف المحجوب للهجويري ص ٣٤٢ بتصرف دار آفاق

  • رساله الفردانية لعلي البيومي طبعة العلمية بتصرف يسير

*  الابريز لسيدي عبد العزيز الدباغ  طبعة الازهرية

  • رسالة الفضل والمنة لعلي البيومي طبعة العلمية

  • السيوف الحداد في أعناق أهل الزندقة والإلحاد لمصطفي البكري هامش ص ١٦٤طبعة دار الآفاق ا .