الإشارة الثانية لحديث النبيﷺ بَلْ عبدًا رَسُولً
أحاديث المعاملات

روي عن حضرة النبيﷺ جلسَ جبريلُ إلى النبيِّ فَنظرَ إلى السَّماءِ ، فإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ ، فقال لهُ جبريلُ : هذا المَلَكُ ما نزلَ مُنْذُ خُلِقَ قبلَ هذه السَّاعَةِ ، فلمَّا نزلَ قال : يا محمدُ ! أَرْسَلَنِي إليكَ رَبُّكَ ؛ أَمَلَكًا جعلكَ أَمْ عبدًا رَسُولًا ؟ قال لهُ جبريلُ : تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يا محمدُ ! فقال رسولُ اللهِ : لا بَلْ عبدًا رَسُولًا . أخرجه أحمد والبزار وأبو يعلى

الإشارة الثانية في الحديث النبيﷺ

قال العارف بالله علي الجمل:- اعلم أن الوجود في الحقيقة هو منك وأنت منه، وعلى قدر ما تكون عبداً لله يكون الوجود عبداً لك. وعلى قدر ما تكون أنت سيده يكون هو سيدك. وعلى قدر ما تعظمه وتشكره يعظمك ويشكرك هو على قدر ذلك، وعلى قدر ما تحتقر الوجود ( من انسان ومخلوقات) وتذمه يحتقرك هو ويذمك، وعلى قدر ما تنفق وتتكرم على الوجود ينفق هو عليك ويتكرم عليك من غير زيادة ولا نقصان

وعلى قدر البخل منك للوجود ( اي علي الإنسان والحيوان والطير بالمال والطعام والماء ) يكون الوجود كله بخيل عليك قال تعالى: (ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسي [سورة محمد] .

وعلى قدر حبك له يكون حبه لك. وعلى قدر بغضك له يكون بغضه لك. وعلى قدر تقديرم له يكون إقداره لك. وعلى قدر إنكارك له يكون إنكاره لك، وعلى قدر صدقك معه يكون صدقه معك. وعلى قدر إحسانك معه يكون إحسانه معك، وعلى قدر إساءتك له تكون إساءته لك.

وعلى قدر الذل للوجود ( كما تبين معني الذل وحقيقته في الإشارة الأولي للحديث سابقا ) له يكون ذل الوجود لك، وعلى قدر عزك عليه، يكون عزه عليك، إلى ما ليس له نهاية من هذه الأمور .

فكأن الأمور كلها منك تخرج وعليك تعود. [[ أي أن الوجود بكل ما فيه من خلق ومخلوقات كبيرة أو صغيرة انسان أو حيوان أو طير كله مرآءة لك تري فيها نفسك إما صورة حسنة أو قبيحة . وأشار الحق سبحانه وتعالى الي ذلك قال تعالى:- [ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ( سورة الإسراء ] وقال تعالى:- مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ( سورة فصلت )

وهذا من باب التأويل لا من باب التفسير. أن الصلاح يعود عليك والفساد يعود عليك في الدنيا بالمثل وفي الآخرة بالثواب أو العقاب والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم فإذا أهنت الدنيا بما فيها ومن فيها من تخقير وسخط ولعنة كما يفعل الجهلاء فقد أهنت نفسك وتهينك الدنيا بما فيها ومن فيها جزاءا وفاقا المثل بالمثل لان الدنيا دار ضيافة مولاك لك فعلي قدر أدبك تنال من الدار ما تحب وعلي قدر سوء ادبك تنال من الدار سوءا مثلاً بمثل والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم ]]

ثم قال الامام علي الجمل : ؛حاصله الوجود كالمرآة، بما قابلته يقابلك وذلك لأن نفسك نسخة الوجود، من والوجود نسخة منك . ونفسك تعدل الوجود كله والوجود يعدل نفسك . شاهده قوله تعالى: (من قتل نفسا بغير نفيس أو تساير في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً﴾ [المائدة : الآية 32] كأن الأمور كلها بيدك من جهتك التي قابلت بها الربوبية

{ اليواقيت الحسان للعارف بالله علي الجمل ص٨٦