تابع حديث النبيﷺ عن الفطرة ج٢
أحكام المولود احاديث ظاهرها تناقض

  • الجزء الثاني من بيان حديث الفطرة *

الدليل علي أن الفطرة ليست الإسلام :-

روي عن حضرة النبيﷺ.

كل إنسان تلده أمه على الفطرة، وأبواه بعد يهودانه وينصرانه ويمجسانه فإن كانا مسلمين فمسلم كل إنسان تلده أمه يلكزه الشيطان في حضنيه إلا مريم وابنها

{ أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه}

ففي هذا الحديث جعل الإسلام بالنسبة للفطرة كغيره من الأديان مما يدل على أن الفطرة هي السلامة والقابلية والاستعداد والتهيؤ. .

قال محي الدين النووي :-.

الأصح أن معناه أن كل مولود يولد متهيئاً للإسلام فمن كان أبواه أو أحدهما مسلما استمر على الإسلام في أحكام الآخرة والدنيا

وإن كان أبواه كافرين جرى عليه حكمهما في أحكام الدنيا، وهذا معنى يهودانه وينصرانه ويمجسانه أي يحكم له بحكمهما في الدنيا فإن بلغ استمر عليه حكم الكفر ودينهما، فإن كانت سبقت له سعادة أسلم وإلا مات على كفره

وقال المباركفوري :-.

كل مولود يولد على الفطرة أن المراد بها قابلية قبول الهداية لولا مانع من بواعث الضلالة كما يشهد له قوله فأبواه يهودانه ....الحديث .

ثالثاً : قال محي الدين ابن العربي:-

عندما قتل الخضر الغلام وبين لسيدنا موسى أنه طبع كافراً فلو عاش أرهق أبويه طغياناً وكفراً وانتظم الغلام في سلك الكفار فقتله الخضر رحمة به وبأبويه

أما الصبي فحيث أخرجه من الدنيا على الفطرة فسعد الغلام وسعد أبواه وهذا من أعظم مكارم الأخلاق

{ الفتوحات المكية لإبن العربي الباب ٤٤٥ } .

رابعا :- قال عبد القادر الجزائري:-

الفطرة نوعان فطرة مطلقة وفطرة مقيدة

فأما الفطرة المطلقة فهي المذكورة في قوله سبحانه وتعالى { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } ( سورة الروم)

اي خلقهم عليها وجعلها في جبلتهم وفطرتهم بمعني خلقتهم فإذا خرجوا إلى الوجود العيني فإنهم يخرجون عليها وهي قوله سبحانه وتعالى

{ وَإِذ أَخدَ رَبُّكَ مِنْ بَنى ءَآدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أنفسهم الستُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بلي﴾ [الأعراف]

وهذا العهد أخذه الحق سبحانه وتعالى على الأرواح قبل وجود الأشباح ( اي الأجسام) فكل من خرج من الناس إلى عالم الأشباح يخرج مفطورًا على هذه الفطرة من الطاعة والانقياد لقوله تعالى { وأنا رَبُّكُمْ } ( الأنبياء )

وهذه الفطرة المطلقة والدين القيم أي القائم الثابت لا تبديل له ولا تغيير فيه فلا ينقل الأبوان ولدهما عنهما ولا غير الأبوين بنص قوله تعالى { لَا تبدِيلَ لِخلْقِ اللَّهِ ﴾

وهو هذه الفطرة كما أنه لا تبديل لكلمات الله وهو قوله تعالى { ما يبدل القولُ لَدَى } وقوله تعالى { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ .

وأما الفطرة المقيدة :-

فهي مذكورة في حديث كل مولود يولد على الفطرة..الخ بمعنى أنه تعالى فطر الناس وخلقهم مستعدين متهيئين قابلين للدين الحق في «آل» في كلمة الفطرة في الحديث هي للعهد الذهني

أي الفطرة معنى القبول لكل تجلي وإن اختلفت الأديان بسبب اختلاف النسب الإلهية بسبب اختلاف الأحوال بسبب اختلاف الأزمان

وهذه الفطرة تقبل التبديل والتغيير والتعيين والتقييد ولهذا كان الأبوان ينقلان ولدهما من الإطلاق إلى التقييد باليهودية أو النصرانية أو أي ملة كان عليها الأبوان وهذه الفطرة كما قلنا تتغير وتتبدل بنص الحديث الشريف

ومن فسر الفطرة في الحديث أنها بمعني بالإسلام من شراح الحديث فقد أبعد ولم يصب

وأما الغلام الذي قتله الخضر - رضي الله عنه - فإنه طبع يوم طبع كافرا أي فطر على الكفر بالدين الذي كان عليه أبواه وليس معناها أن الغلام طبع يوم طبع كافرًا بالفطرة المطلقة والدين القيم.

فإن الفطرة المطلقة لا تبديل لها ولا تغيير يلحقها وهي فطرة كل إنسان سعيدا كان أو شقيا ولهذا كان المآل إلى الرحمة العامة إن شاء الله تعالى

ومتعلق السعادة والشقاوة هي الفطرة المقيدة ولذا قال { فخشينا أَن يُرْهِقهُما طَغيانَا وَكُفرا ﴾. إذا كبر وبلغ الحنث وتعلقت به الأحكام الشرعية وكفر بالدين الذي عليه أبواه فتابعاه لمحبتهما إياه.

ولما كان الغلام لم يبلغ الحنث ولم تتعلق به الأحكام الشرعية المؤقتة ببلوغ الحنث كما فسر البخاري به قوله { أقتلتَ نَفْسًا زَكِيَّة ) طاهرة لم تبلغ الحنث { بغير نفس}

وهذا التفسير رده بعض شُرّاح البخاري قائلا : -

إنه لو لم يبلغ سن الرشد لم يقتل بنفس ولا بغير نفس ظنا منه أن الشرائع المتقدمة وأفعال الخضر جارية على مقتضى شرعنا وهيهات هيهات!! ( فليس كل شرع من قبلنا شرع لنا ) .

وإلي الجزء الثالث من بيان الحديث :- .