حديث النبيﷺ أَعْدَى عَدُوِّكَ نفسُكَ التى بين جَنْبَيْكَ
أحاديث المعاملات

روي عن حضرة النبيﷺ أَعْدَى عَدُوِّكَ نفسُكَ التى بين جَنْبَيْكَ

وروي عنه ﷺ ليس عدوُّك الذي إذا قتلك أدخلك الجنة وإذا قتلته كان لك نوراً أعدى عدوِّك نفسك التي بين جنبيك أخرجه الطبراني في الكبير عن أبي مالك الأشعري

قال العارف بالله محمد الداموني الخلوتي :- اعلـــــــم أن دسائس النفس لا تعد ولا تحصى لعدم معرفتها وخفائها ولا يعرفها إلا العباد المخلصون وأصحاب الكشف العارفون الكاملون

    * فمـن دسـائـس النفس *

١- استحلاؤها بالعبادة لموافقة تلك العبادة لها أو لملاحظـة الوصول بها إلى غرض من أغراضها كالرئاسة والشهرة والثناء والمدح من الناس لك بسبب تلـك العبادة وهذه الدسيسة أخفى دسائس النفس وأضرها لأن أكثر العابدين لا يعرفون هذه الدسيسة ويعبدون المولي عز وجل ويتعبون في عبادتهم وتكون سببا في بعدهم عن الله وهم لا يعلمون ذلك.

فالعابـد بهـذه الطريقة يداوم على عبادته طول عمره ويحسب أن استحلاءه بالعبادة من كمال الإخلاص ولو راجع نفسه في ذلك لقالت لك أنت مخلص في عــبادتك فلـو لم تكن مخلصا بها مادمت على إقامتك عليها طول عمرك وانت تصدق نفسك في ذلك

ويثبت العبد في عبادته بسرور قلبه ويضيع عمره في عبادة هواه ولا يكـون لـه في عبادته شيء من الثواب وإنما يكون له فيها الإثم والعذاب فهذه الدسيسة تلبس على ضعفاء العباد من أهل الحظوظ والأغراض، ولا يعرفها إلا الزاهدون عن الدنيا والآخرة ولا يطلع عليها إلا العارفون بسر الإخلاص. قـال أبـو الحسن الشاذلي :- أقبح الذنوب تعلق النفس بالعبادات واستحلاؤها

٢- ومن دسائس النفس:-

اعتبارها بالعبادات بأن تلاحظ امتثال أمر الله واكتساب رضاه تعالى وتكون غافلا عن الله عند أدائها وساهياً في أركانها وآدابها فتكون العبادات حال العبادة كالعادة حتى تضطرب نفسه إذا تركها وتستريح إذا فعلها كسائر العادات

وإنما يفعلها المرء لراحة نفسه وأكثر من ابتلي بهذه الدسيسة العوام لأنهم يصلون ويصومون باعتياد أنفسهم عليها على ما رأوها من إبائهم وعلمائهم من صغرهم ولا يخطر في بالهم امتثال أمر الله تعالى ولا عبوديته لأنهم غافلون .

٣- من دسائس النفس:-

: الاشتغال بعبادة لا تطيق المداومة عليها وعندما تشتغل بها أيامـا قـلـيلة تتركها وتترك معها غيرها من العبادات فيكون صاحبها ضالا عن الصراط المستقيم وأكثر من يقع بهذه الدسيسة أهل الطريق.

لأن نفسك تريد قطعك عن العبادة فلا تقدر نفسك عليك إلا بأن تكلفك من العبادة بما لا تستطيع وتزين لك ذلك حتي تكون من الصالحين والعارفين فتبدأ وتعمل ثم يصيبك الملل أو الكسل فتترك ما أنت عليه حتي القليل تتركه وهذا هو مراد النفس بطريقة غير مباشرة تريد قطع صلتك بربك بأي وسيلة

( فعندما تبدأ الشروع في عبادة تلهمك نفسك بعمل عبادة أخري غيرها كأن تصلي أو تسبح بعدد كبير من ذكر او صلاة ثم تقول لك الأفضل قراءة القرآن أو حفظ القران فتترك الذكر ثم تبدأ بالنلاوة ثم تقول لك يكفي جزء أو ربع أو صفحة ثم تجد ثقلا في التلاوة فتترك القران وهكذا )

وهدف النفس أن تنقض عهدك بربك فتترك ما أنت فيه الي عبادة أخري وهكذا حتي لا تستكمل العمل وتنقض العهد فتترك العبادة الأولي والثانية )

وعلاج النفس في ذلك هو ما روي عن حضرة النبيﷺ واعْلَمُوا أنَّ أحَبَّ العَمَلِ إلى اللهِ أدْوَمُهُ وإنْ قَلَّ جزء من حديث أخرجه مسلم.

وروي عن حضرة النبيﷺ إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تُبَغِّض إلى نفسك عبادة الله ؛ فإن المُنْبَتَّ لا سفرا قطع ولا ظهرا أبقى البيهقي في السنن الكبرى

[[ قال العارف بالله ابن حجر:- المُنْبَتَّ :- هو المنقطع في سفره قبل وصوله ، فلا سفرا قطع ، ولا ظهره الذي يسير عليه أبقى حتى يمكنه السير عليه بعد ذلك بل هو كالمنقطع في المفاوز فهو إلى الهلاك أقرب ولو أنه رفق براحلته واقتصد في سيره عليها لقطعت به سفره وبلغ إلى المنزل ]] { فتح الباري لابن حجر العسقلاني}

٤- من دسائس النفس:-

أن تعبد الله للتقرب إليه والتعزز به تعالى فالعبادة بهذه الدسيسة لحظوظ النفس وليس لله

لأن النفس بالتعزز والتقرب إلى الله تعالى تتكبر بذلك على الخلق فكل عبادة تكون لتقرب النفس إلى الله وتعززها ليست بعبادة خالصة الله تعالى بل إنما هي لحظوظ النفس فمعبوده في الحقيقية حظ نفسه

فلا بد للعابد أن لا يقصد بعبادته إلا تعظيم الله تعالى ورضاه وإقامة عهوده وحفظ حدوده ، وفناء وجوده بعبادة معبوده حتى تكون خالصة الله تعالى مقبولة عند حضرته عز وجل قال تعالى :- وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ( البينة ).

٥- ومـن دسائس النفس :

أن تعبد الله لأجل الكرامة والأحوال وهذه العبادة لحظ النفس لأن النفس تريد أن تكون ممتازة بالكرامة والأحوال بين الناس ،

وهذه الدسيسة عقبة صعبة لا يعبر منها السالكون إلا بإعانة الشيخ لهم أو بإعانة النجدة لإلهية ، ومنشأ هذه الدسيسة حب الرياسة والشهرة . فلا بد للسالك أن يطهر قسه من حب الرياسة والشهرة فإذا ظهرت في السالك هذه الدسيسة فليستغفر له من عبادته وليقل لنفسه الذكر بهذه العبادة تستحق العقوبة لا الكرامة

.كما قال الإمام الجنيد : طلب المغفرة من العبادة بالتقصير فيها أقرب إلي رضي الله تعالي من طلب العوض بسببها مثل الكرامة وغيرها

٦- من دسائس النفس:-

الإعجاب فيها وبها والسرور بفعلها فالعبادة بهذه الدسيسة أقبح من المعصية التي تحصل بها الندامة لأن تلك المعصية توجب الرجوع إلى الله عز وجل ولا يمكن للعابد إزالة هذه الدسيسة إلا بمعاداة نفسه وهواه واتهامها في كل حال والخشية من الله في حال عبوديته لكونك مقصرا في حق الله تعالى فيها

  • قـال بعـض العارفين : إن لم تخش أن يعذبك الله بأفضل أعمالك فأنت هالك

( فلا تغتر بالعمل أو العبادة أو اي شيء صالح فيه عجب وغرور فعليك بالعمل وحسن الأدب مع حسن الظن وعدم التواكل والغرور بما تفعله )

[[ قال العارف بالله حاتم الأصم:- لا تغتر بموضع صالح فلا مكان أصلح من الجنة فلقي آدم عليه السلام فيها ما لقي مما هو معروف ثم خرج منها

ولا تغتر بكثرة العبادة فإن إبليس بعد طول تعبده لقي ما لقي من اللعنة والطرد ولم ينفعه علمه ولا عبادته فاغتر بكثرة التعبد فلم ينفعه ذلك

ولا تغتر بكثرة العلم فإن بلعام بن باعورا من إسرائيل كان يحسن اسم الله الأعظم فانظر ماذا لقي حيث كفر وأصبح كما قال تعالي في حقه {فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث}

ولا تغتر برؤية الصالحين فلا شخص أكبر قدراً من المصطفى ﷺ و مع ذلك لم ينتفع بلقائه أقاربه وأعداؤه

( اي نظرة الكبر والغرور لن تنفعك ما لم تتواضع وتتادب وتشعر بأنك أقل خلق الله وكل عمل وعبادة بفضل الله تعالي ولذلك استفاد الصحابة بصحبة النبي بسبب هذه الخصلة واستفاد التابعين والصالحين من الأئمة بسبب ذلك ولم يستفيد أبا لهب بنظرته الي النبي لانه نظر إليه نظرة يتيم أبا طالب وليس نظرة نبي فكانت العزة بالنفس والغرور سيب في عدم انتفاعه بالنبي بخلاف الصحابة .وأمته من بعده نفعهم سيدنا النبي بحسن اديهم معه ومع سنته وتواضعهم وعدم الاغترار بالصحبة دون عمل وأدب واخلاق وإتباع

فالغرور والكبرياء والعزة والعجب بالنفس والعمل كل تلك الصفات تمنعك عن الخير منهم ومن غيرهم )]] { الرسالة القشيرية ج١: ترجمة الإمام}

٧- من دسائس النفس:-

الأمن من مكر الله ولو عبدت ربك ألف سنة بجميع العبادات قال تعالى ( فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخسرون ( الأعراف ) .

فاحذر يا أخي منها بأن تقول لك إن الله يرحم الفاسقين والفجار فكيف لا يرحمك وأنت مشغول بعبادته أناء الليل والنهار فتأمن مكر الله فتنقلب على عقبـيـك وتكون من الهالكين لأن هذه الدسيسة خطر عظيم هلك بها كثير من العباد .

٨- من دسائس النفس:-

أن تعبد الله رجاء الجنة أو خوفا من النار ومن يعبد الله بهذه الدسيسة فقد تبعده عن الله حسنته لأنه لا يقنع عن الله بما دونه ويخاف مما سواه إلا كل ناقص فالعبد الخالص لا يرجو لعبوديته إلا الله تعالى ولا يخاف أحدا سواه وهذه الدسيسة تنشأ عن الجهل بالله والنظر إلى ما سواه .

روي في الخبر في بعض الكتب المنزلة :
( فمن أظلم ممن عبدني لجنة أو نار أو لو لم أخلق جنة ولا ناراً ألم اكن أهلا لأن أطاع ؟ ! )

وروي عن حضرة النبيﷺ سَدِّدُوا وقارِبُوا، وأَبْشِرُوا، فإنَّه لَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ أحَدًا عَمَلُهُ قالوا: ولا أنْتَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ منه برَحْمَةٍ ....الخ الحديث رواه مسلم

( فحضرة النبيﷺ الكامل المكمل المغفور ذنبه مع أنه ليس له ذنب يقول برحمة الله فكيف انت ايها العاجز الناقص تعتمد علي عملك وعلمك ولا نعتمد علي فضله ورحمته بل نحن أولي بذلك الطلب من رب الوجود .)

٩- من دسائس النفس:-

أن تطلب الأجور من الله تعالى على العبادة وأكثر الناس مبتلون بهذه الدسيسة وإنما تنشأ هذه الدسيسة من استعظام العبد عبادته واستحسانها وعدم علمه بأن الله لا يضيع أجر عبادة عبده فلا بد للسالك أن يعبد الله مـن غـيـر مقابلة الأجور والعوض

لأنه لا يطلب ذلك على العبادة إلا كل محجوب عن الله ( لأن الله تعالى هو الذي وفقك لذلك فالعمل من فضله عليك والثواب أيضا من فضله وليس استحقاق لك ) فمن يعرف الله بكمال المعرفة فلا تطلب من الله تعالى إلا العفو من تقصيرك فيها وتعتذر لقبولها . فينبغي للسالك أن يعبد الله رغبة ورهبة لا طلبا للأجر

قال الله تعالى في بعض الكتب المنزلة : إن أود الأوداء إلى من عبدني لغير نوال لكن ليعطى الربوبية حقها

١٠ - من دسائس النفس:- التسويف ( التأجيل) في العبادة بأن تقول إنما أعمل في المستقبل يقـول مثل ذلك إلى أن يموت بلا عمل ويكون في الآخرة من الخاسرين ، فلا بد للسالك مـن المسارعة في العبادة لأن شروط الطريق مبنية على الاستعجال في العبادة ولا ينبغي أن يقول سوف أعمل كذا لأن الوقت كالسيف يقطع الإنسان ولا يدركه

روي عن حضرة النبيﷺ هَلَكَ الْمُسَوِّفُونَ " وَالْمُسَوِّفُ من يقول سف اتوب أو سوف اعمل كذا الخ

١١- من دسائس النفس:-

المسارعة إلى النوافل من الأعمال والعبادات والتكاسل عن العبادات المفروضـة فـالـسبب في ذلـك أن الفـرائض بتكليف الله على عباده فالنفس لفرعونيتها لا تدخل تحت تكليف خالقها فلذلك تتكاسل في تأديتها ، وأما العبادة النافلة فليـست الـنفس مكلفة بها ولا محكومة عليها فلما تعمل تعمل بهواها واشتهائها فلذلك تسارع إلى فعلها

[[ . قـال الشيخ ابن عطا الله السكندري من علامات إتباع الشهوات مسارعة النفس إلى النوافل والمستحبات والتكاسل بالفرائض والواجبات فمن كانت النوافل أهم إليه من الفرائض فهو مخدوع وممكور به ]] { الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري}

١٣- من دسائس النفس

أن تطلب العز والشرف عند الله تعالى بالعبادات اي تجعل دينك وسيلة لدنياك ( كالولاية والصلاح عند ربك وعند الناس) وهذا الطلب وتلك النية تكون سببا فى قسوة القلوب لأنه يلزم العبد أن لا يطلب إلا التذلل ( لا العزة والجاه عند ربه ) فإن التعزز يوجب البعد عن الله تعالى .

فلا بد أن تزيل عنها هذه الصفات بتذليلها وتحقيرها وفنائها حتى لا تطلب بعبادتها عزة عند الله

[[قال العارف بالله علي الخواص سبب القسوة التي يجدها العابد في قلبه حين صـلاته ودعائه ومراقبته هو طلب العزة وحضرة الله تعالى لا يدخلها من كانت فيه صفة العزة أو طلبها بل لابد أن تعبد ربك إجلالا ، وامتثالا ، ورغبة ، ورهبة ]] {الدرر والجواهر للشعراني}

	** ااحوال النفس وصفاتها فيك **

واعلم أن النفس واحدة ولكنها تتلون الي سبعة أطوار تبعا لما يرد عليها من التجلي والتحلي فانظر الي صفات كل نفس وضع مقياسا علي نفسك تعلم ما هي نفسك وما حالها ومقامها عند ربك :-

[[ قال العارف بالله قاسم الخاني الحلبي:- (سير النفس له حال ووارد وصفة وهي سبعة ) :-

   *  ۱ - النفس الأمارة * 

قال تعالى: (إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّى إِنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

وسيرها إلى الله وعالمها عالم الشهادة ومحلها الصدر وحالُها الميل( اي تميل الي الشهوات) وواردها الشريعةُ والنفس لطيفة ربانية لكنها لما تدنست بالميل إلى الطبيعة والركون إلى الشهوات انخرطت في سلك الحيوانات وتبدلت أوصافها الحميدة بأوصافهم الذميمة وصارت لا تتميز عنهم إلا بالصورة

ومن أوصاف النفس الامارة :- الجهل ، والبخل والحرص والكبر والغضب والشهوة وسوء الخلق والإيذاء باليد واللسان وغير ذلك من القبائح فلا تفرق بين الحق والباطل ولا تميز بين الخير والشر

      *  ۲ - النفس اللوامة * 

قال تعالى: (وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ).

سيرها إلى الله وعالمها عالم البرزخ ومحلها القلب وحالها المحبة وواردها الطريقة

وصفات النفس اللوامة:- اللوم والكبر والعجب والاعتراض على الخلق والرياء الخفي وحب الشهرة والرياسة وقد يبقى معها بعض أوصاف النفس الأمارة لكنها مع هذه الأوصاف ترى الحق حقاً وترى الباطل باطلاً ولها رغبة في المجاهدة وموافقة الشرع فيما أمر به ونهي عنه

قال العارف بالله عمر بن الفارض رضي الله عنه:

        ونفسي كانت قبل لوّامة متى

 أطعتها عصت أو تعص كانت مطيعتي

       فأوردتها ما الموت أيسر بعضه

         وأتعبتها كيما تكون مريحتي

         فعادت ومهما حملتها تحملت

         مني وإن خففت عنها تأذت


   * 3- النفس الملهمة * 

قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا).

وسيرها على الله يعني أن السالك لا يقع نظره في هذا المقام إلا على الله تعالى لظهور الحقيقة الإيمانية على باطنه وعالمها عالم الأرواح ومحلها الروح وحالها العشق وواردها المعرفة

وصفات النفس الملهمة:- السخاوة ( الكرم والعطاء بلا خوف أو حدود ) والقناعة ، والعلم ، والتواضع ، والصبر ، والتحلم ، وتحمل الأذى والعفو عن الناس وشهود أن الله تعالى آخذ بناصية كل دابة ( أي كل مخلوق انسان أو حيوان أو غيره ) فلم يبق لها اعتراض على مخلوق أصلاً

ومن صفاتها أيضاً:- الشوق ، والهيمان ، والبكاء ، والإعراض عن الخلق ، والاشتغال بالحق ، والتلوين ، وتعاقب القبض والبسط ، والفرح بالله ، والتكلم بالحكم والمعارف وإنما سميت ملهمة لأن الله تعالى ألهمها تمييز فجورها واتباع تقواها . ومقام هذه النفس مقام التلوين ( اي التغيير دائما لا تثبت علي حال بين طاعة وطاعة بين حال وحال )

  • 4- النفس المطمئنة *

قال تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ)

سيرها مع الله وعالمها عالم الحقيقة ومحلها السر وحالها الطمائنينة الصادقة وواردها بعض أسرار الشريعة

وصفات النفس المطمئنة :- الجود ، والتوكل والحلم والعبادة والشكر والرضا بالقضاء والصبر على البلاء

ومن علامة الدخول في هذا المقام أنه لا يفارق الأمر التكليفي شبرا ولا تجد لذة إلا بالتخلق بأخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا يطمئن إلا باتباع أقوال النبيﷺ لأن هذا المقام مقام التمكين وعين اليقين كما أن المقام الذي قبله مقام التلوين

    * ٥- النفس الراضية * 

قال تعالى: (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً).

سيرها في الله وعالمها اللاهوت ومحلها سر السر وحالها الفناء والمراد بالفناء : هو محو الصفات البشرية ، وهذه النفس ليس لها وارد لأن الوارد لا يكون إلا مع بقاء الأوصاف ، وقد زالت في هذا المقام حتى لم يبق لها أثر

وصفات النفس الراضية :- الزهد فيما سوى الله تعالى والإخلاص والورع والنسيان والرضا بكل ما يقع في الوجود من غير اختلاج قلب ( اي قلب مطمئن لا يتزعزع لأي أمر في الكون يحدث ) ولا بتوجه القلب لرفع مكروه ولا اعتراض أصلاً على أمر من الأمور .

وذلك لأن ( صاحب هذه النفس ) مستغرق في شهود الجمال المطلق ولا تحجبه هذه الحالة عن الإرشاد والنصح للخلق ، ولا يسمع أحد كلامه إلا وينتفع به كل ذلك وقلبه بعالم اللاهوت وسر السر

  * 6 - النفس المرضية * 

قال تعالى: (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً).

فسيرها عن الله وعالمها عالم الشهادة ومحلها الخفاء وحالها الحيرة المقبولة وواردها الشريعة

وصفات النفس المرضية :- حسن الخلق وترك ما سوى الله تعالى واللطف بالخلق والصفح عن ذنوبهم وحبهم والميل إليهم لإخراجهم من ظلمات طبائعهم ونفوسهم إلى أنوار أرواحهم

ومن صفات هذه النفس أيضا :
الجمع بين حب الخلق والخالق وهذا شيء عجيب لا يتيسر إلا لأصحاب هذا المقام السادس

وسميت هذه النفس بالمرضية لأن الحق تعالى قد رضي عنها وسيرها عن الله أنها أخذت ما تحتاج إليه من العلوم من حضرة الحي القيوم ورجعت من عالم الغيب إلى عالم الشهادة بإذن الله لتفيد الخلق مما أنعم الله عليها به

 *  ۷ - النفس الكاملة * 

قال تعالى في حق سيدنا يوسف لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ

وقال في حق حضرة النبيﷺ في فتح مكة ( يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم ؟) قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: ( فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوانه : {لا تثريب عليكم اليوم } (يوسف:92)  اذهبوا فأنتم الطلقاء ).

فالنفس الكاملة من صبرت وتحملت الهجر والهجران والاذي والضرر وقابلت ذلك كله بالحب والرحمة والعفو وهي درجة عالية لا يصل إليها إلا الأنبياء والرسل والنادر من الأولياء تبعا لمنهج النبوة

( وهذه النفس الكاملة ينطبق عليها حديث حضرة النبيﷺ :-  إن لله تعالى مائة خلق وسبعة عشر من أتاه بخلق منها دخل الجنة. رواه  والبزار والترمذي والبيهقي في الشعب والطبراني

فالأسماء الحسني تجلي بها المولي علي هذه النفس وصارت قرأنا يمشي على الارض وهو وصف حضرة النبيﷺ فصار سمعها بالله وبصرها بالله ويدها بالله عبدا ربانيا يقول للشيء كن فيكون والله اعلم )

وصفات النفس الكاملة:- جميع ما ذكر من الأوصاف الحسنة للنفوس ]] { السير والسلوك لقاسم الخاني }

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين

المراجع:-

  • الروض الأنيق في وصول الطالب لمقام التحقيق لمحمد الداموني الخلوتي الشافعي.
  • فتح الباري لابن حجر العسقلاني
  • الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري
  • السير والسلوك إلي ملك الملوك لقاسم الخاني .