حديث النبيﷺ شمة من معرفة خير من كثير العمل
جواهر العارفين في الحديث والقرآن المبين

من جواهر العارفين في الحديث والآيات القرآنية ج ١٣

حديث النبيﷺ شمة من معرفة خير من كثير العمل

( أخرجه البخاري وأبو نعيم وابن عساكر )

وروي في الأثر عن رب العزة. ﷻ :-

يا عبدي اذا لقيتني وانت لي عارف كتبت لك بعدد الأكوان حسنات.   ( تقريب الأصول )

** اقوال العارفين في ذلك :- . ١- من حقائق المعرفة والتوحيد هو العلم  الخالص :-

من لم يكن له نصيب من علم المعرفة علم المكاشفة وعلم المعاملة يخاف عليه سوء الخاتمة وأقل نصيب منه هو  التصديق  به وتسليمه لأهله ( العارفين)

ومن كان فيه شيء بدعة أو تكبر أو كان محباً للدنيا أو مصراً على الهوى لم يتحقق بهذا العلم

وهو يظهر في القلب عند تطهيره من الصفات المذمومة وهذا هو العلم الخفي الذي أشار إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله.  : إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله تعالى

٢-  التقرب إلى الله تعالي به له من المعرفة :-

إن تقربت به تعالى قربك وإن تقربت بك أبعدك فلا تطلبه لك واطلبه له والعجب ممن يطلب ما لا بقاء له ولا يطلب الباقي أزلاً وأبدا

فإن طلبت بهمتك لم يعطك وإن أزلت همتك  أعطاك فإن تذكرت أن لك عمل أو عبادة أو إرادة أو مرادًا أو عزا أو ذلاً أو سابقة أو لاحقة أو سعادة أو شقاوة أو نعيما أو جحيما أو قربا أو بعد

فاعلم أنك لم تفن عن نفسك  ولم تخرج عن وصفك وحسك فارجع إلى ربك واسأله الهداية

فإذا رأيت في نفسك حظ من طاعة أو زهد أو توبة أو إنابة أو تفويض أو استطاعة أو غير ذلك

فلتتوب الي الله تعالى من ذلك وإلا حبط عملك وارجع إلى أحدية الجمع ( أي : أن الفاعل والموفق ربك وليس انت فلقد أجري عليك صفات فعله ووصفه جل جلاله )

فإياك أن تكون للمعرفة مدعيا أو بالعبادة والأعمال متعلقا وفوض كل شيء إلى ربك لأن كل مدع محجوب بدعواه عن شهود الحق ففي حضرة الإحسان وصلك وصفه برفع حجاب البين

٣ - الرضي  والوفاء بالعهد من المعرفة :-

قال العارف بالله علي البيومي :-     رضي العبد عن الرب  بأن لا يبقى لك تعلق لغير ما أراد الله لك لأن نقض عهد الشريعة أن يجدك حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك

ونقض عهد الطريقة بأن تعبده رغبة فيما وعد لك أو رهبة فيما توعده بك ( بل اعبده لأنه ربك )

ونقض عهد الحقيقة بأن تريد تغير الواقع ( الذي اقامك فيه ونزل بك من خير قليل او ضر او بلاء )

وحفظ عهد التصوف بالنظر في الوقت الذي هو عبارة عن الزمن الحال لا تعلق لك بالماضي ولا بالاستقبال

(  أي كن إبن وقتك وإبن الأزل ولا تكن ابن العمل لا تعلق لك بالماضي أو حاضر أو مستقبل

بل ابن المراد الرباني فيما يريده منك في الوقت متعلقا به لا بنفسك ولا بعملك قديم او حديث )

وأما وفاء عهد الخاصة فالوقوف مع الأمر الإلهي للأمر لا لغرض أو سبب

( أي ما امرك به من عبادات واعمال وترك ما ناهاك عنه دون طلب ثواب أو جنة أو بعد عن النار أو الفهم عن الحكمة فيما أمر به ونهي )

وأما وفاء عهد خاصة الخاصة فالتبرؤ من الحول والقوة فإن العبادات إلى طلب العفو عنها أقرب منها إلى طلب الأغراض من ثواب وغيره

كما قال ابن عطاء الله السكندري  :-  

أنت إلى حلم مولاك إذا اطعته أحوج منك إلى حلمه إذا عصيته.

٤- الاخلاص من حقائق المعرفة ومن أصول  التوحيد:-

قال العارف بالله عبد العزيز الدباغ  :

كل عمل لغير الله تعالى  يقطعك عن ربك وكل ما تعمله  بقصد الأجر والحسنات فهو عمل لغير الله تعالى

فطلب القرب علة من العلل والعمل لأجله إنما صدر منك لغرض من الأغراض وإنما معنى العمل يكون لله خالصاً عند أهله هو أن تعلم ما ربك عليه من أوصاف الجلال والكمال والكبرياء والعظمة 

وماله عليك من النعم التي لا تعد ولا تحصى فتري ربك  أهلا لأن يخضع له ومستحقاً منه ولا يخطر ببالك حظ من الحظوظ

فإذا تأملت ما قلناه علمت أن العمل للأجور قاطع عن الله تعالى وعن القيام بحقوقه  ولهذا كان لا يزيد صاحبه إلا بعداً من الله عز وجل

فكن عبد لله وبالله وليس لعلة أو مقام أو حال ديني أو دنيوي أو أخروي

قال الإمام المناوي:-

لا فرق بين عابد الصنم ومن عبد الله تعالى لغرض فاسد فإن الآلهة المعنوية كالحسية لأن كلا من العابدين اتَّخذ من دون الله ما لم يأذن به وهم في ذلك على أنواع

منهم من قصد بعلمه وعمله وما يفعله من الخير المكانة في قلوب الناس ودوام الصيت وانتشار الجاه والرفعة

ومنهم من قصد أعلى الدرجات ونيل الكرامات والتصرف في الكون والمشي على الماء والطيران في الهواء وكشف الغيوب

ومنهم من قصد نعيم الجنة من حور وقصور

ومنهم من قصد التقرب إلى الله تعالى والرضى عنه منه والمحبة له

ومنهم من لا قصد له في علمه وعمله إلا علمه باستحقاق مولاه العبادة لذاته عز وجل والتذلل والخضوع والوقوف عند أمره ونفيه متبريا عن حوله وقوته وعلمه وعمله

وقصده وإرادته فأتي بعمله على وجه الإخلاص لا يرى أنه قام بذرة مما كلفه به مولاه وهذا النوع من الناس كل ذرة من عبادته تعدل عبادة ألف سنة

وهو أفضل من عبادة أولئك الذين تم ذكرهم سابقا وهو الذي قام بحق ببعض أوصافه تعالى وهو العارف بربه

٥ - ذكر الله تعالى من أبواب المعرفة:-

قال أبو يزيد البسطامي :

حقيقة المعرفة المداومة على ذكر الله بالقلب بلا فتور ولا كسل ولا غفلة . انتهي

فمن عرف مولاه لم يلتفت لسواه ومن أحب مولاه لم يشغله ذكر سواه

وقال الحلاج: الذكر طرد الغفلة عن الله سبحانه وتعالى فإن كنت غير غافل عن ربك فأنت ذاكر له حتي وان كنت ساكت بلسانك

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

  • المراجع  :-

*  التاريخ الكبير للبخاري  وحلية الأولياء  لابو نعيم

*-  تقريب الأصول للزيني دحلان  طبعة المنهاج

  • الابريز لعبد العزيز الدباغ طبعة المكتبة الازهرية

رسالة الفضل والمنة لعلي البيومي طبعة العلمية

  • الدرر الجوهرية شرح الحكم العطائية لعبد الرؤوف المناوي شرح الحكمة رقم ٩٢

  • الحلاج الأعمال الكاملة لقاسم عباس طبعة بيروت .

وإلي الجزء ١٢ من جواهر العارفين:-. .