حديث النبيﷺ عن الأدب مع الدنيا
احاديث ظاهرها تناقض

روي عن حضرة النبيﷺ الدنيا ملعونة  ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكرَ الله تعالى وما والاه، وعالماً ومتعلماً

أخرجه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه وابن ماجه والبيهقي في الشعب

وقال حضرة النبيﷺ  لا تسبُّوا الدنيا ، فنعمَ مطيةُ المؤمنِ ، عليها يبلغُ الخيرَ ، وبها ينجو من الشرِّ

(رواه الشاشي في مسنده ج١ وتفسير روح البيان ) لاسماعيل حقي سورة النجم)

  * البيان* 

فهم الكثير من الناس أن حضرة النبيﷺ أهان الدنيا بذلك وهذا فهم خطأ كيف يهين النبي ﷺ دارا خلقها الله تعالى وجعلك ضيفا عليه فيها وجعلك خليفة له في الأرض

وانما المعني أن الدنيا اذا عاش فيها الإنسان بغير منهج سوي وفساد فيها فكانت أعماله في دنياه سببا اللعنة عليه وليس الدنيا ذاتها بدليل قوله الا ذكر الله وهو افضل اعمال العبد

إذن الدار ليست في ذاتها ملعونة إنما أعمالك فيها هي السبب في اللعنة أو لا

. * اقوال العارفين في ذلك*

[[ قال العارف بالله محي الدين ابن العربي:-

ورد في الخبر أن للدنيا أبناء وهى أم لهم . ومن عادة الأم أن تراقب أبنائها وتحنو عليهم.

وأمرنا الله بالإحسان إلى الوالدين والرحمة بهما والأم رحمتها بأبنائها ذاتية والدنيا رحيمة بأبنائها .

ولم ينصف الدنيا أحد تذم بوجود المسيء فيها، ولا تحمد بوجود المحسن فيها ولو كانت قبيحة بذاتها ما كان فيها رسول ولا نبي ولا ولى. قال حضرة النبيﷺ:- . إذا قال أحدكم لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله أعصانا لربه"

وما قالت "لعنك الله " وما سمته باسمه لأنها أم حنون فيا عجبا ما شعرنا بأخلاق هذه الأم وحنوها علينا، وتحب أن يقوم أبناؤها بالشرائع ليسعدوا فينبغي لأهل المراقبة أن يراقبوا أحوال أمهم والطفل أقرب إلى أمه من أبيه

والدنيا تغار من الآخرة لأن الآخرة ليس لها سلطان في الدنيا والدنيا ما ولدت أبنائها وتعبت في تربيتهم إلا لينسبون لها لا للآخرة

والشرور التى تراها في الدنيا ليس هى أحوال الدنيا بل أحوال الناس ونسبوا أحوال الخير للآخرة وهى أحوالهم وليست أحوال الآخرة فمن عرف الدنيا بهذه المثابة فقد عرفها ومن لم يعرفها وجهلها فهو بالآخرة أجهل.

وقد قال لي أحد أهل الله قائلا:-. . الإنسان في الدنيا أكمل منه في الآخرة لأن له الخلافة والكمال في صفات الأسماء أكمل منه في الآخرة لأنه يظهر بالإنعام والانتقام هنا ولا يكون له ذلك في الآخرة. فالدنيا هي الأم الرقوب فكونوا على أخلاق أمكم تسعدوا ]]

{ الفتوحات المكية لإبن العربي الباب رقم ١٢٦ بتصرف}

[[ وقال العارف بالله ابن عطاء الله السكندري:-

اعلم أن الأشياء إنما تذم وتمدح بما تؤدي إليه .

فكل ما شغلك عن الله وعطلك عن القيام بخدمة الله وصدك عن معاملة الله فهو مذموم .

وكل هو ما ليس كذلك بل ما هو معين لك ويؤدي بك إلى القرب من الله تعالى ويوصلك إلى مرضاة الله . فهو ممدوح ومحمود

فالدنيا لا تذم بلسان الإطلاق ولا تمدح كذلك وإنما المذموم منها ما شغلك عن مولاك ومنعك الاستعداد لآخرتك

كما قال بعض العارفين كل ما شغلك عن الله من أهل ومال وولد فهو عليك مشؤوم والممدوح هو كل ما أعانك على طاعة مولاك وأنهضك إلى خدمته .

وبالجملة ما وقع المدح به فهو ممدوح في نفسه ، وما وقع الذم به فهو مذموم في نفسه

فقد قال حضرة النبيﷺ ؛- الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه ، وعالم أو متعلم

وقال حضرة النبيﷺ لا تسبوا الدنيا فنعمت مطية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجوا من الشر

فحديث يظهر منه الذم للدنيا وحديث يظهر المدح للدنيا فهذه الأحاديث تقتضي ذمها وتنفير العباد عنها . ( فليس هناك تناقض بين الأحاديث بين الذم من عدمه )

. فالدنيا التي لعنها رسول الله ﷺ هي الدنيا التي تشغلك عن الله تعالى ولذلك استثنى في الحديث فقال : « إلا ذكر الله ، وما والاه ، وعالم أو متعلم »

فبين النبي ﷺ أن هذا ليس من الدنيا وقوله عليه الصلاة والسلام « لا تسبوا الدنيا » أي التي توصلكم إلى طاعة الله ولذلك قال ﷺ فنعمت مطية المؤمن فمدحها من حيث كونها مطية لا من حيث إنها دار اغترار ووجود أوزار .]]

{ التنوير لابن عطاء الله السكندري }

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم. وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد. وعلى اله وصحبه اجمعين .

 * المراجع * 
  • تفسير روح البيان لاسماعيل حقي الخلوتي تفسير سورة النجم أية ٣٠
  • التنوير في إسقاط التدبير ص ١٥٢-١٥٤ بتصرف يسير
  • الفتوحات المكية لمحي الدين ابن العربي الباب رقم ١٢٦ بتصرف يسير