حديث النبيﷺ عن البدعة وحقيقتها ج١
احاديث ظاهرها تناقض

حديث النبيﷺ عن البدعة وحقيقتها ج١

روى عن حضرة النبيﷺ

أما بعدُ فإن خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ ( اﷺ ) وشرًّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ

( أخرجه مسلم )

  • البيان :-

  • تعريف البدعة في الاصطلاح الشرعي:-

هو كل أمرٍ مُحدَث لم يكن في عهد النبي ﷺ أو لم يفعله رسول الله عليه ﷺ سواء أكان مذموما أم غير مذموم وهو مذهب الجمهور

ومعني اخر :- كل محدث لا يشهد له أصل في الشرع مذموم وحرام.

كما روي عن حضرة النبيﷺ مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ

{ أخرجه البخاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها } .

     * اقوال العارفين والعلماء في ذلك* 

قال العز بن عبد السلام:-

[[ البدعة هي فعل ما لم يُعهد في عصر رسول الله ﷺ وهي منقسمة إن بدعة واجبة، وبدعة محرمة، وبدعة مندوبة، وبدعة مكروهة، وبدعة مباحة

فإن دخلت البدعة في قواعد الإيجاب فهي واجبة، وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة وإن دخلت في قواعد المندوب مهي مندوبة وإن دخلت في قواعد المكروه فهي مكروهة وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة ]]

{ قواعد الأحكام لإبن عبد السلام}

وقال ابن رجب الحنلي:-

[[ المراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه وما كان له أصل من الشرع يدلُّ عليه فليس ببدعةٍ شرعا وإن كان يسمي بدعة لغة ]]

{جامع العلوم لإبن رجب } .

بيان الأحاديث في البدعة ومفهومها :-

  • الحديث الاول:

روي عن حضرة النبيﷺ مَن سنَّ في الإسلام حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أَنْ يَنقَصَ مِن أجورهم شيء، ومَن من من أفي الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزرُ مَنْ عَمِلَ بها من بعدِه مِن غير أن ينقص من أوزارهم شيء". ( أخرجه مسلم}

قال الإمام النووي :-

عند تعرضه للحديث السابق مَن سنَّ في الإسلام سُنَّةٌ حسنةً فله ولها إلى آخره . ففي هذا الحديث تخصيص لقوله ﷺ (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) وأن المراد به المُحدثاتُ الباطلة والبدع المذمومة .

  • الحديث الثاني:

عن عبد الرحمن بن عبدالقاري أنه قال: خرجتُ مع عمر بن الخطاب من ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا النَّاسُ أوزاع متفرقون يُصلِّي الرَّجل النفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط

فقال عمر إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت معه ليلةً أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر نعم البدعة هذه وفي رواية الموطأ نعمت البدعة هذه

{ أخرجه البخاري ومالك في الموطأ والبيهقي في سننه بألفاظ متقاربة }

قال البدر العيني في الحديث السابق:-

[[ قول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( نعمت البدعة هذه ) أن البدعة في الأصل إحداث أمر لم يكن في زمن رسول ثم البدعة على نوعين

فإن كانت ممن يندرج تحت مستحسن في الشرع فهي بدعةحسنة،

وإن كانت ممن يندرج تحت مستقبح في الشرع فهي بدعة مستقبحة ]] { شرح البخاري للعيني} .

  • والحاصل مما سبق :-

أنَّ الذَّمَّ في البدعة هو ما يكون واقعا على ما لا أصل له في الدين وأما البدعة الحسنة ما لها أصل في الدين فإنه لا يقع عليه لفظ البدعة المستقبحة أو القولُ بعدم جواز العمل به وإنما يُرَدُّ كل أمر إلى أصله في الشريعة فإن وُجد له أصل فهو محمود وإن لم يوجد له أصل فهو مذموم

هل تَرَكُ النبي ﷺ يجعلنا ننشئ حكما جديد؟

هل عدم فعل رسول الله لأمر معين يعني عدم جواز فعل هذا الأمر أو بدعيته؟ وهل عدم فعل السلف الصالح لأمي ما يجعله من البدع؟

من المعلوم من خلال تتبع سيرة النبي أنه صلواتُ الله وسلامه عليه لم يفعل جميع المباحات الشرعية ولم يباشرها بعينه .

وذلك لأسباب منها أنها كثيرة جدا لا يستطيع بشر أن يُحصيها فضلا عن أن يفعلها ولأن رسول الله له كان أزهد الناس في الحياة الدنيا وكان يقتصر من المباح على ما يسد الحاجة فقط ويترك ما فوق ذلك

فمن يقول بحرمة شيءٍ أو أنه بدعة لأن النبي ﷺ لم يفعله فقد ادعى أمرًا لا دليل عليه ودعواه هذه باطلة. . .

  • عدم فعل النبي لشئ ﷺ لا يدل علي حرمته :-

ترك النبي ﷺ للشيء لا يدل علي أن الفعل نفسه ممنوع وغاية ما يمكن أن يُستفاد من ترك النبي ﷺ لهذا الشيءٍ أن الفعل مشروع ومباح ولا حرج في تركه إن أردت أن تتركه ولم يأتِ به حديث

وحتى يكون الأمر محرما شرعًا لا بد فيه من وُرودِ أحد هذه الأمور : -

إِمَّا النهي أو لفظ التحريم أو ذم الفعل أو التوعد عليه بالعقاب أو دخوله تحت قاعدة شرعية تقتضي تحريمه أو قرينة تدل على التحريم

فقد قال الله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فخذوه وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا }

ولم يقل في الآية وما تركه فانتهوا فلابد من وجود دليل صريح حتى يظهر التحريم وانظر إلى قول النبي ﷺ

ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكُم به فافعلوا منه ما استطعم، وإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم. ( متفق عليه)

فهذا قول النبيﷺ ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ولم يقل وما تركته فاجتنبوه

فلا يمكن أن تأتي طائفةٌ من الناس وتزعم أنَّ مجرد عدم فعل رسول الله ﷺ أو عدم فعل السلف الصالح يُدخله في مجال المحرمِ أو البدعة، فالترك لا يُفيدُ حُكما شرعيًّا بمفرده

ومن الدلائل على ذلك:-

روي عن حضرة النبيﷺ

ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حَرَّمَ فهو حرام وما سَكَتَ عنه فهو عفو فاقْبلُوا من الله عافيته فإنَّ الله لم يكن لينسى شيئًا ثم تلا (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نسيا )

{ أخرجه البزار والطبراني والدارقطني عن أبي الدرداء }

وروي عن حضرة النبيﷺ

إن الله فرض فرائضَ فَلا تُضيعوها وحَرَّمَ حُرُماتٍ فلا تنتهكوها، وحدَّ حُدودًا فَلا تعتدوها وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها .

{ أخرجه الدار قطني والحاكم في المستدرك عن أبي ثعلبة الخشني}

وما يدل على أن ترك الرسول قد يكون لأسباب أخرى غير التحريم :-

عن خالد بن الوليد أنه دخل مع النبي ﷺ بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ ( ضب مشوي ) فأهوى إليه رسول الله ﷺ بيده فقيل هو ضب يا رسول الله فرفع يده

فقلتُ أحرام هو يا رسول الله فقال لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه قال خالد فاجتررته فأكلته والنبيﷺ ينظر فلم ينهني". ( متفق عليه )

فترك النبي ﷺ هنا سببه أن نفسه لم تقبل لحم الضَّب ولكن مع هذا فإنَّ خالدًا قد تناوله فأكله فهو حلال له ولجميع المسلمين

وهذا الحديث دليل للقاعدة التي تقول إن ترك الشيء لا يقتضي تحريمه كما قال أهل العلم ولم يأتِ في حديث ولا أثر تصريح بأن النبي ﷺ إذا ترك شيئًا كان حراما.