حديث النبيﷺ عن البلاء وفضله ج١
المعرفة الإلهية و العقيدة

  • حديث النبيﷺ عن البلاء وفضله ج١ *

روي عن حضرة النبيﷺ

أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل

{ كنز العمال والزبيدي في إتحاف السادة المتقين}

وروي عن حضرة النبيﷺ :-

إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم فمَن رَضي فله الرِّضَى ومَن سخِط فله السخط.
(أخرجه الترمذي)

وروي عنه ﷺ : الحمى حظ كل مؤمن من النار.

(أخرجه البيهقي والمناوي ) . .

 * البيان *

اعلم أن البلاء من قدره عز وجل ومن قدرته وقهره لكن لا ينفك منها لطفه فالبلاء دائما مغموس في بحر رحمته

فإذا علمت ذلك وايقنت به قلبا وقالبا هان عليك البلاء ولم تلتفت إليه شدة البلاء او ضعفه

لأنك تري ربك وتري فعله ولا تري نفسك ولذلك يتفاوت الناس في تحمل البلاء علي قدر معرفتهم بربهم فينزل عليك البلاء بقدر معرفتك بربك وإن البلاء من علامات قوة الإيمان وضعفه

  • قال العارف بالله أبو الحسن الشاذلي:-

يُنزِلُ الله عز وجل على كلِّ عبدٍ من البلاء بحسب ما وهبه من المعرفة في ذلك لتكون معرفته عوناً له على بلائه فأعلاهم معرفة أكثرهم بلاء وأقلهم معرفة أقلهم بلاء

كما روي في الخبر عن رب العزة :. إني إذا أحببت عبدا ابتليته ببلاء لا تقوم له الجبال لأنظر كيف صدقه

لا تختز جلبَ النعمة، ولا دفع البلوى فإن النَّعمة واصلة إليك بالقسمة استجلبتها أم كرهتها ، والبلوى نازلة بك ولو كرهتها ودفعتها

فسلم لله تعالى في الكل يفعل ما يشاءُ فإن جاءتك النعمة فاشتغل بالذِّكرِ والشكر وإن جاءتك البلوى فاشتغل بالصبر والموافقة ،والرضا والتنعم بها أو العدم والفناء عنها. ( الطبقات للشعراني ) .

  • اقوال العارفين في ذلك *

  • الوجه الأول في الأحاديث -:

الابتلاء هو اختبار للعباد وتمحيص بين الصادق والمدعي فمن قابَل البلاء بالرضا نال الرضي من ربه سبحانه وتعالى ومن جزع منه فقد سقط من عين الله تعالى.

فلقد روي في الخبر-:

أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام إني إذا أحببت عبدا ابتليته ببلاء لا تقوم له الجبال لأنظر كيف صدقه فإن وجدته صابرا اتخذته وليا وحبيبا وإن وجدته جزوعا يشكوني إلى خلقي خذلته ولم أبال

وكتمان المصائب من علامات الصدق وكذلك كتمان الطاعات وكراهة اطلاع الخلق عليها .

قال العارف بالله شقيق البلخي-: .

من شكا مصيبة نزلت به إلى غير الله لم يجد في قلبه لطاعة الله حلاوة أبدأ .

( إحكام الدلالة على تحرير الرسالة ج١)

  • الوجه الثاني-:

أن الألم من المرض أو الندم من وقوعك في الذنب أو الألم من أذي الناس علامة حب الله لك والألم والندم رسول من ربك اليك لأنه يحبك كما قال القائل ويبقي الحب ما بقي العناب

وفي ذلك المعني قال الرومي :-

[[ العتاب يكون للأحبة ولا يكون عتاب مع الغرباء فإن هذا العتاب متفاوت أيضًا ( بين مرض وشدة وضرر من العباد وحرمان من نعمة والبلاء ....الخ )

فعندما يؤلمك العتاب ويكون لديك خبر منه يكون دليل محبة وعناية في حق هذا الإنسان أما عندما يمضي ولا يؤلم المعاتب فإنه لا يكون دليل محبة

مثلما يحدث عندما تُضرب السجادة بعود الخشب لكي يُنفض عنها الغبارُ فإنّ العقلاء لا يسمون هذا عتاباً أما عندما يضربون ابنهم ومحبوبهمفإنهم يسمون ذلك عتاباً

ويظهر دليل محبة في مثل هذا الموضع ولذلك مادمت تجد في نفسك ألماً وندما فإن هذا دليل على عناية الحق بك، ومحبته لك. ]]

{ فيه ما فيه للرومي ص ٥٣ }

  • الوجه الثالث :-

أعلم أنه ما ابتلاك إلا لأنه عز وجل يغار عليك لا يريد قلبك مشغولا بغيره فكل ما سوي الله تعالى هو غير وهو يريد قلبك له وحده بلا غير ولا يتعلق بسواه

قال العارف بالله النفري في المخاطبات-:

[[ عبدي أذهب عنك حب السـوى بالمجاهدة إن لم تذهبـه بالمجاهدة أذهبتـه أنا بنار السطوة

الذي يبـوح بحـاجـتـه وشكواه إلى يتـخـذ من لسانه مهـربا اضمر ( أخفي ) حاجـتك في قلبك ولا تبح بها أكن أنا مهربك وليس لسانك والآمن من جعل مهربه إلى لا إلى لسانه

فأنا لا تجير منى الألسن ولا تنقذ منى الأقوال فأقم لسانك على الصمت لي وقم أنت بين يدى

عبدي : يسوؤك كل ما منك أغفره.

( أي تحزن وتندم وتشعر بضيق صدرك لذنب أو غفلة عن ربك ..الخ فيغفره لك )

لا يسوؤك كل ما منى أصرف السوء كله .

إن التزمت ما ألزمتك بين هذين كنت وليا . ]]

{ المخاطبات للنفري } .

( أي لا تحزن ولا تجزع من قضائه وقدره من ابتلاء واختبار من مرض وضيق رزق وموت وشدة ...الخ فبحسن أدبك واستقبالك لما صدر من ربك يرفعه عنك ويصرفه ويجعلك من زمرة أوليائه الصالحين )

  • الوجه الخامس -:

إن قول النبي ﷺ أن الحمي تكفر ذنوب سنة لأن اعضاء الانسان ثلاثمائة وستين عضوا بنفس عدد أيام السنة

فإذا تألم كل عضو بالألم الشديد من الحمي كفرت ذنوب ثلاثمائة وستين يوما من أيام السنة

فلقد روي عن حضرة النبيﷺ :.

أن الله ليكفر عن المؤمن خطاياه كلها بحمى ليلة.

{ أخرجه ابن أبي الدنيا عن الحسن مرسلا ورفعه } .

  • الوجه السادس -:

إن البلاء ليس سيئة بل حسنة وكل عطاياه حسنة فما وافق هواك سميته حسنة وما لم يوافق هواك سميته سيئةوهذا سوء أدب لأنه كريم ولا يصدر منه إلا الكرم

قال محي الدين ابن عربي-:

[ [ عطايا الله تعالى كلها حسنة فما وافق هواك جعلته خيرا وما خالف هواك جعلته شرا قال سبحانه وتعالى-: ( قل كل من عند الله )

وقال العارف بالله ملا بن حسن موسي الكردي-:

توضيحا لقول الإمام ابن عربي السابق :- قد يفهم من كلام الشيخ ( أن العطايا الإلهية كلها إما حميدة أو فيها سيئة وليس هذا مراد للشيخ )

بل المراد أن العطايا كلها من حيث أنها من الله حسنة لا تتصف بكونها شرا لأن اتصافها بكونها شرا بالنسبة إلينا

حيث قال الإمام فما وافق هواك جعلته خيرا وما خالفه جعلته شرا فمن فهم عن ربه لا يرى إلا خيرا منه عز وجل

ْكما أشار إليه قوله سبحانه وتعالى﷽

{ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ }

أي ليس الأمر في نفسه كذلك بل الكل رحمة وإكرام فقد يكون العطاء منع والمنع عطاء فلا إكرام في العطاء ولا إهانة في المنع

فلا تفرح بشيء ولا على شئ فلا تقل بالإكرام ولا بالإهانة بل قل كل من عند الله ( أي قل أيها العبد أن كل الأمور مبدئها من عند الله لا اختلاف فيها بالخير والشر

لأنها مخزونة عنده في خزائنه فيعطي كل شيء من غير زيادة ونقصان بقدر قابلية العبد وحسب استعدادك ]]

{ شرح حكم ابن عربي ص٧٦ } .

وإلي الجزء الثاني من بيان الحديث:- .