حديث النبيﷺ عن البلاء وفضله ج ٢
المعرفة الإلهية و العقيدة

  • حديث النبيﷺ عن البلاء وفضله ج ٢ *

  • الوجه السابع في الحديث : -

أن ابتلاؤه لابد وأن ينزل مغموسا في بحر لطفه ورحمته لأن رحمته سبقت غضبه

قال ابن عطاء الله السكندري-:

[[ من ظن الفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره لأن كل بلية إما مكفرة لذنوب صاحبها أو موجبة للثواب أو مخففة للعقاب أو مبشرة بالمنفعة الدنيوية أو بغير ذلك .]]. { الحكم العطائية } .

  • الوجه الثامن:-

البلاء الشديد ليس في الجسد لأن الجسد اذا أصيب بالداء فله دواء ولكن البلاء الأشد بلاء الحيرة في المعرفة الإلهية بين الشريعة والحقيقة

بين أمر المولي لك بالاخذ بالاسباب والفعل والترك وبين كون كل فعل وقضاء وقدر منه وإليه فهذا هو البلاء النفسي الذي يتألم منه من عرف ربه.

وفي ذلك المعني قال الجزائري رضي الله عنه وعنهم أجمعين) :-

قال العارف بالله عبد القادر الجزائري:-

{ قال الله تعالى:- ﷽ { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ (الرحمن )}

البحران الشريعة والحقيقة والبرزخ بينهما العارف فلا تبغي الشريعة على الحقيقة، ولا الحقيقة على الشريعة فالعارف دائما بين ضدين ومشاهدة نقيضين ينفي ويثبت

لا يستقر به قرار ولا تطمئن به دار متحرك ساكن راحل قاطن

فيشاهد الشريعة بقوله تعالى :. ﷽ { اعْمَلُوا فَسَيَرَى الله عملكم ( سورة التوبة )}

( أي عليك السعي والكسب فأودع فيك المولي إرادة وقدرة تعمل بها )

ويشاهد الحقيقة بقوله تعالى : ﷽ { لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا (سورة البقرة: ) }

( أي أن سعيك وقدرتك وحركتك وفعلك ليس منك بل من مولاك فكل ذرة وحركة به ومنه وليس لك من الأمر شيء وهذه من حيرة العارف )

ويشاهد الشريعة بقوله تعالى :. ﷽ { فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ ( سورة النساء:) }

( أي اقتلوهم فالفعل منكم ظاهرا وشريعة )

ويشاهد الحقيقة بقوله تعالى. ﷽ { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ( سورة الأنفال ١٧ )}

( أي ليس أنتم من قتلتموهم بل المولي وهو باطن الحقيقة فالفعل بالقتل منه وبه وليس لك وهذا ايضا من حيرة العارف وهكذا في بقية الآيات التالية )

ويشاهد الشريعة بقوله تعالى. ﷽ { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْء ( سورة آل عمران ) }

ويشاهد الحقيقة بقوله تعالى :. ﷽ { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ سورة الفتح ) }

ويشاهد عبوديته بقوله تعالى:. ﷽ { إن كُل مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتي الرَّحْمَنِ عبدا ( سورة مريم ) }

ويشاهد ربوبيته عز وجل بقوله تعالى :. ﷽ { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْتَهُ بِقَدَرٍ ( سورة القمر ) }

فلذلك تجد العارف بين نارين نار الشريعة ونار الحقيقة

( أي إذا رأي نفسه رأي فعله من كسب وعمل وإذا شاهد ربه حقيقة رأي الفاعل في الحقيقة هو الله تعالى وما أعظمها من حيرة بين إثبات ونفي في ذات الوقت

كما قال تعالى ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ) فأثبت الفعل للنبي ﷺ ثم قال عز وجل ( وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ) فنفي الفعل منه واثبته لذاته جل وعلا والله اعلم )

بل ( يكون العارف الذي شاهد الشريعة وعرف الحقيقة ) بين شقي طاحون كل واحدة تدفعه إلى الأخرى فالشريعة تطالبه بالحقيقة واالشريعة.

والحقيقة تطالبه بالشريعة واالحقيقة وهذا هو الابتلاء الذي أشار إليه النبي ﷺ بقوله :

أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل ]]

{ المواقف الروحية موقف رقم ٧٥ } .

  • الوجه التاسع:-

وهو مقام الحيرة في الدعاء عند نزول البلاء او عدم الدعاء فهذا عينه ابتلاء وحيرة للعبد وخاصة عن العارف المكاشف.

قال عبد القادر الجزائري:-

[[ لقد أمرنا الحق - تعالى بالدعاء وجعله مخ العبادة فلقد روي { من القضاء رد القضاء بالدعاء }

فأمرنا بالدعاء فإن دعونا ربنا عز وجل يقول لنا لماذا تدعون؟ جفت الأقلام وطويت الصحف تدعون أو لا تدعون لا يكون إلا ما سبق ما هو مكتوب لن يتغير

وإن لم ندع ربنا عز وجل بالدعاء والتضرع توعدنا المولي عز وجل وهددنا فقال { قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ }

وللخروج من الحيرة أنه إذا نزل البلاء او كنا في رخاء أن ندعوا ربنا تعبدا وامتثالا وإظهار للفاقة والحاجة.

قال ابن عطاء الله السكندري :-

الدعاء كله معلول مدخول إلا إذا كان الدعاء بنية التعبد والتقرب للمولي عز وجل فهو مقبول باذن الله تعالى ]]

{ المواقف الروحية للجزائري موقف رقم ٩٤ }

( فإن أعطانا فله الفضل وإن منع فله الفضل لانه لا يمنع عن بخل كيف وهو الجواد الكريم وأنما منع لأن العبد لن يتحمل ما طلب أو لن تكون علي استعداد لتحمل ما تريد أو أن ما تطلبه شر لك ففي جميع الأحوال منعه خير وعطاء لمن يفهم

ولذلك قال أحد العارفين انا لا أحمل هم الإجابة وانما أحمل هم الدعاء لانه لو منعني الدعاء فقد حرمت. ]] .

والي الجزء الثالث من بيان الحديث:- ..