حديث النبيﷺ عن التجلي الإلهي في الثلث الاخير من الليل
المعرفة الإلهية و العقيدة

روي عن حضرة النبيﷺ يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له ( متفق عليه )

نزول الحق عز وجل وتجليه فيه إشارات الإشارة الأولي:-

[[ إعلم أن تجلي الحق تعالى في الثلث الآخر يعطي الفوائد والعلوم والمعارف التامة على أكمل وجوهها لأنها عن تجل أقرب في سماء الدنيا.

فوائد التجلي وسببه :- لما بعث الله تعالى حضرة النبيﷺ بعثه والشر موجود والكفر ظاهر فكانت دعوة النبي في القرن الأول وهو قرن الصحابة بالإيمان خاصة و أظهر لهم ما كان يعلمه من العلم المكنون وأنزل الله تعالى عليه القرآن العظيم وجعله يترجم عنه بما تبلغه أفهام الصحابة وغيرهم

وكان الصحابة أتم في العمل بينما المتاخرين من الأمة الي يوم القيامة أتم في العلم أما الايمان فالكل متساوي مع اختلاف المقام والدرجة عند الله تعالى وكان الصحابة اقوي في الإيمان لوجود حضرة النبيﷺ بينهم

فلما جاء زماننا ووجدنا أوراقاً مكتوبة وأخباراً منقولة، ووجدنا القبول عليها ابتداءً وقوة نور الإيمان أعطيت ولم نجد تردداً، ولا طلبنا آية ولا دليل على صحة ما وجدناه مكتوباً من القرآن ولا منقولاً من الأخبار

وكانت ولا زالت عناية الله تعالى بنا في قوة الإيمان بما وصل إلينا من كتاب وسنة وكنا في هذه الحالة مؤمنين بالغيب .

وبقي لنا الفضل في العلم حيث أخذناه من تجلي المولي عز وجل في ثلث الليل وهذا كله جبر لقلوبنا لما فقدناه من عدم مشاهدة الرسول ﷺ من من خيراً لنا

( حيث كان يعلم الصحابة ويبين لهم غوامض الآيات والأحاديث والأحكام.....الخ .

( فيتجلي الحق تعالى في الثلث الآخر بالفوائد والعلوم والمعارف التي توضح وتبين حقائق العلوم والمعارف من القرآن والسنة والكون وما فيه فضلا ومنة من الله تعالى علينا تعويضا وجبرا لخاطرنت لأننا حرمنا من مجالسة النبي والفهم عنه ]]

{ المسائل لإيضاح المسائل لمحي الدين ابن العربي بتصرف يسير }

*قال العارف بالله ابراهيم الدسوقي:-

[[ من أحب أَنْ يكشف له عَن الانوار، ويُسْقَى من دِنّ الدُّنْو ،، وتطلع فِي قلبه شموس المعاني والأقمار ، فَلْيَلْزَمْ عبادة ربه بالأسحار ، ويداوم علي الاستغفار فاعمل بذلك تَكُنْ مِن المفلحين . ]]

{ تحفة الأحباب المرصعة بمعرفة الأقطاب د.سعيد أبوا الاسعاد ص ١٥٩ } .

الإشارة الثانية:-

[[ نزوله سبحانه كل ليلة إلى سماء الدنيا لا يستلزم إثبات الجهة ولا اتصافه تعالى بالحركة والانتقال فإن الحركة والانتقال عرض والأعراض يلزمها الحدوث والحدوث على القديم ( الله سبحانه وتعالى ) محال.

وقد قال بعضهم النزول بنزول علمه أو قدرته ونحوه وهو غير منجٍ فإن علمه وقدرته وصفاته إن أريد نزولها نفسها فهو محال، لأن الصفة قائمة بالموصوف فإذا لم يجز على موصوفها النزول فصفته أولى وأحرى

وإن أريد بنزول صفاته تعلقها بما في السماء الدنيا فتعلق علمه وقدرته بالموجودات كلها لم يزل ولا يزال فكيف يخص بجزء من الليل أو غيره، هذا مع القطع بأنه تعالى يمسك السموات والأرض أن تزولا. فمن قبضته لا تزال محيطة بالسموات والأرضين كلها كيف يحتاج إلى النزول إليها أو يختص تعلق علمه وقدرته بها بزمان دون غيره.

وإنما هو نزول ظهور وتجل لا نزول حركة ونقلة فعلى مثل هذا خرج صفة نزوله سبحانه مع تنزيهه عن تفاوت نسب دوائر الأفلاك إليه وعن بعده عن بعض وقربه من بعض بل هو أقرب إلى كل شئ من نفسه،

فهو سبحانه وتعالى ينزل بروح الذكر وبروح الأمر فنزوله بروح الذكر يثمر النور والهداية وأن الله يتولى إخراج العبد من ظلمته ولا يكله إلى نفسه ونزوله بروح الأمر يثمر الدلالة والتكليف بالعلم

 * تنبيه * 

اختص النزول بالثلث الأخير من الليل له ظاهر وباطن:-

فأما الظاهر:-.
لأن الليل محل النوم وتوفي الأنفس ورقيها إلى الله. وقد ذكر أرباب العلم الطبيعي أن النوم المعتبر في صلاح البدن ثمان ساعات، وهي ثلثا الليل فاقتضت حكمة الربوبية تخصيص النزول بالثلث الأخير رحمة للعباد، وتلطفاً بهم حتى يكونوا قد تيقظوا وتأهبوا لقبول ما ينزل على قلوبهم من بركات نزوله سبحانه.

وأما الباطن:-.
أن نوم القلوب بسبب الحجاب ( كما قال الشبلي من نام غفل ومن غفل حجب )

وفي الحديث الذي روي عن النبيﷺ: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا نام ثلاث عقد، فإذا قام فذكر الله انحلت عقدة، فإذا توضأ انحلت عقدتان، فإذا صلى انحلت ثلاث عقد."

فالقلب إذا نام بليله عقد الشيطان فإذا استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فذهب ثلث ليله فإذا توضأ انحلت عقدتان فذهب ثلثا ليله ووضوؤه استغفاره ( أي أن الوضوء يغفر الذنوب)

قال تعالى في قصة نوح: ( ُّفَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا )

فإذا صلى فصلاته في ثلث الليل الحجاب الآخر وهي العقدة الثالثة وهناك يكون نزول روح الذكر عليه، فتنحل عقده كلها ويكشف له عن حقيقة ( أن الصلاة صلة بين العبد وبين ربه ) وعلامة الوصلة كشف ليل الحجاب والتلذذ بروح الخطاب ]]

{ الفتوحات المكية لمحي الدين ابن العربي بتصرف يسير }

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين

                                * * *