حديث النبيﷺ عن التجلي الرباني بالليل
المعرفة الإلهية و العقيدة

روي عن حضرة النبيﷺ

إينزلُ اللهُ كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا ، حين يبقى ثلثُ الليلِ الآخرِ ، فيقولُ: من يدعوني فأستجيبُ له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرُني فأغفرُ له . ( أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما)

  * البيان * 

إن الله تعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تكييف ولا تعطيل قال الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ 

فلا كيف واين وانما يخاطبنا بلغة نفهمها وقال بعضهم هو مجاز عن الرحمة والقرب والخلوة به وترك الدنيا والناس في وقت يخصه العبد لربه أدبا معه

والاولي التسليم بلا مثال ولا فهم فهو سبحانه منزه عن المكان والزمان والنزول والاتيان غيره

الإشارة الأولي:-

قال العارف بالله اسماعيل الجبرتي:-

[[ عليك بالسهر وإن لم تكن تعتاده فالمراد الاستيقاظ وإن استطعت أن لا يكون إلا آخر الليل إلا مستيقظا فافعل فذلك وقت اجتماع العالمين عالم الغيب وعالم الشهادة وحصول الفيض الإلهي .

وقال رضي الله عنه:- ما عقدت ولاية ولي إلا بالليل . .

الإشارة الثانية:-

الليل محل التجلي الإلهي والنزول الرباني فإن الحق ما جعل تجليه لعباده في الحكم الزماني إلا في الليل فإن فيه ينزل ربنا وفيه كان الإسراء برسول الله ﷺ وفيه معارج الأرواح في النوم لرؤية الآيات

الإشارة الثالثة:-

{ قال العارف بالله مصطفى البكري:-

[[ قيام الليل عند العارفين كالفرض فى الأعتناء به فمن ادعى مقام العرفان ونام بالليل فى الأسحار فهو غير صادق . وفى بعض الكتب الإلهية يقول الله (عز و جل ) : يا عبدى جعلت النهار لمعاشك وجعلت الليل للسهر معى فانشغلت عنى بالنهار و نمت عنى بالليل فما حصلت ]]

{الفتح القدسي للبكري } .

الإشارة الرابعه:-

ما يتعلق بأحاديث الصفات :-

مثل التجلي والنزول وقول حضرة النبيﷺ إن الله يوم القيامة يغضب غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله » فيسلم العاقل ذلك كله إلى الله في خبره عن نفسه

وكذلك مثل فرح المولي عز وجل بتوبة عبده وكل من اتصف بالفرح اتصف بنقيضه ووصف نفسه تعالى بأنه يتعجب من شاب ليست له صبوة ( اي شهوة النكاح ) ووصف نفسه بأنه يضحك إذ قال أحد عباده يوم القيامة : أتسخر بي وأنت رب العالمين ،

ووصف نفسه بأنه يكره لعباده الكفر ورضي لهم الشكر ( وقوله تعالى يد الله فوق أيديهم الخ من الصفات التي فيها تشبه بصفات الخلق وأفعالهم )

فقال الشيخ الجبرتي رضي الله عنه:-

[[ الإيمان بهذا كله واجب على كل مسلم ولا يقول العاقل هنا كيف ولا لم كان هذا .

بل يسلم ويستسلم بصدق ولا يكيف وأنه ليس كمثله شيء .وهناك بعض العلماء فسرت هذه الصفات من باب الفضول وتتناولت مراد الله تعالى بما قاله فنحن نسلم لهم حالهم ولا نشاركهم في ذلك التأويل فإننا لا ندري هل ذلك هو مراد الله تعالى فيعتمد عليه أو ليس بمراده فنرده ؟

فلهذا التزمنا التسليم ولا نشاركهم في ذلك التأويل فإن سئلنا عن ذلك قلنا إنا مؤمنون بما جاء من عند الله على مراد الله وإنا مؤمنون بما جاء من رسل الله -عليهم السلام- على مراد رسل الله ويكل العلم في ذلك إليه سبحانه وتعالى وهذه كانت طريقة السلف جعلنا الله لهم خلفا بمنه

فإذا ذكر أو ذكر له شيء من آيات التشبيهات أو من أحاديث الصفات نوقف علم ذلك إلى الله تعالى على ما هو عنده حقيقة في علمه وعلى مراده به وفيه . ولا يدخل فيه بشبهة التأويل وهذا من كمال المعرفة والعلم بالله سبحانه وبرسوله .

فإن معاني الآيات الإلهية والأحاديث النبوية غور بحارها غير مقيد بعلوم الخلق لا بعبارات ولا بإشارات والله سبحانه أعلم بما يحصل به العلم من ألفاظ التبليغات وهذا كان مذهب السلف العلماء بالله والمحققين من أهل الله ]]

{العطر الوردي للجبرتي }

وقال الإمام الشعراني:-

[[ فالحديث الذي نحن بصدده من التجلي الثاني الذي تنزل الحق سبحانه وتعالى الي عقول خلقه لقصر إدراك العقل عن معرفة الحق من حيث ذاته وأفعاله وصفاته

فلا يعلم ذاته إلا ذاته وأما صفاته فهي من باب التقريب والتثميل والتشبيه مع ملازمة تنزيه الله تعالى عن ذلك لأنه من قال بالتنزيه فقد لم يصب ومن قال بالتشبيه فقط لم يصب

والكمال أن تأخذ بهما معا مع علمك بأن ربك خلاف ذلك والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم بما هنالك ]]

{ ميزان العقائد الشعرانية } .

وقال العارف بالله قاسم المغربي :

[[ إياك أن تترك قيام الليل ، وإن عجزت عن القيام ، صل قاعدا ، وإن عجزت عن القعود ، صل مضطجعا ، ولا تفوت موكبا من المواكب ، فإن لله تعالى كل ليلة صدقة ومواهب يفرقها على قلوب المستيقظين . ومنها : مشاركة الناس في همومهم بقلبك .]]

{الطبقات الوسطى للشعراني ج٢ ص ٩٣٢}

  • والحاصل مما سبق :-

أن القيام فى الأسحار دليل على حب المولى الذى هو أحق بالحب و أولى ؛ لأن الليل محل تجليه و تنزله و تدليه وهو خلوة المحب بحبيبه و زمان يقظته وغفلة رفيقه

وفى الحديث كما روي عن حضرة النبيﷺ ( إذا رأيتم الرجل يتعهد المسجد ، فاشهدوا له بالإيمان )

وإذا رأينا من يثابر على قيام الليل شهدنا له بحب الملك الديان لأن العاشق الواله لا يتلذ بمنام و لا يقر له قرار إلا بمشاهدة من يهواه رافع اللثام .

         * من فضائل قيام الليل * 

١- قال العارف بالله ابي الحسن نور الدين :-

إذا أَحَبَّ الله العَبْدَ أَيقَظَهُ لخدمته . .

٢- وقال الصحابي الجليل سعيد بن المُسَيِّبِ :

[[ ما مِنْ عَبْدِ قام في الليل فتوضاً إِلَّا تَبَسَّمَ الجبار في وجهه ويقول يا ملائكتي انظروا إلى عبدى أَشْهَدُكُمْ على أني قد غفرت له فإن صَلَّى أَفَاضَ عليه الرحمة ]]

{ الدر المنظم }

٣- أن يكون قيام الليل لله وليس لهدف وسبب بمجرد الانتهاء منه تنام من ذكر وتلاوة وصلاة

قال العارف بالله ابن عباد النفري :-

[[ يا عبد : إنما يقوم الليل من قام إلى لا إلى ورد معـلوم ولا إلى جزء مفهوم هنالك أتلقاه بوجـهى فيقف بقيوميتي لا يريد لي ولا يريد منى فإن شئت أحادثه حادثته وإن شئت أن أفهمه أفهمته. ]]

{ المواقف والمخاطبات }

٤- قيام الليل بهون قيام وطول الوقوف يوم القيامة

قال حسان بن عطيه:-

[[ من أطال قيام الليل هون الله تعالى عليه طول القيام يوم القيامة ]]

{ الطبقات للشعراني }

٥- معظم النفحات الربانية تكون بالليل عامة وبعض الليالي خاصة :

كما قال العارف بالله العربي الدرقاوي:-

ومن جملة النفحات ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وليلة سبع وعشرين من رجب ، وليلة عيد الفطر ، وليلة عيد الأضحى ، ويوم عاشوراء وليلة ويوم ٢٥,٢٦ ذي القعدة

  • تنبيه *

فضل ليلة ٢٥ أو ٢٦ ذي القعدة:-

{ هذه ليلة يغفل الناس عنها والكثير لا يعلم قيمتها وهي ليلة دحو الأرض وانبساط الأَرْض من تحت الكعبة على الماء ـ وهي ليلة شريفة تنزل فيها رحمة الله تعالى ، وللقيام بالعبادة فيها أجر جزيل.

وروي عن الحسين بن علي الوشاء قال : كنت مع أبي وأنا غلام فتعشينا عند الرضا عليه‌السلام ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة فقال له :

ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم عليه‌ السلام وولد فيها عيسى بن مريم عليه‌ السلام وفيها دحيت الأَرْض من تحت الكعبة ، فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستين شهراً

اليوم ٢٥ من ذي القعدة:- وهو أحد الأيام الأَرْبعة التي خصت بالصيام بين أيام السنة. وروى أن صيامه يعدل صيام سبعين سنة ، وهو كفارة لذنوب سبعين سنة ، على رواية أخرى

ومن صام هذا اليوم وقام ليلته فله عبادة مائة سنة ويستغفر لمن صامه كل شي بين السماء والأَرْض وهو يوم انتشرت فيه رحمة الله تعالى

وللعبادة والاجتماع لذكر الله تعالى فيه أجر جزيل . والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم }

وهذه الليالي كلها من الليالي الرغائب التي رغب فيها سيد الوجود ﷺ والأعمال فيها تعظم وتزكى الأعمال تعظم بقدر الزمان والمكان والأشخاص ]]

{ سلسلة أعيان المغرب }

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم. وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد. وعلى آله وصحبه اجمعين.

  • المراجع *

  • سلسلة أعيان المغرب الشيخ العربي الدرقاوي

  • إحكام الدلالة على تحرير الرسالة لزكريا الأنصاري

  • ميزان العقائد الشعرانية ص ١٥-١٧ بتصرف يسير

  • الدر المنظم في زيارة جبل المقطم لابن الموفق ص ٤٤٦

  • المواقف والمخاطبات للنفري

  • الطبقات للشعراني ترجمة حسان بن عطيه

  • الفتح القدسي للبكري ص ١١٧ .* العطر الوردي لإسماعيل الجبرتي ص ٣٣٢ ، ٤٢٧ .